معاملات وعقود محرمة في الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربِّ العالمين لهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَن صَلَوَاتُ اللهِ البَرِّ الرَّحيم والملائِكَةِ الْمُقرَّبينَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أشْرَفِ الـمُرسَلِين وحَبِيبِ رَبِّ العَالمين وعلى جميعِ إخوانِهِ مِنَ النَّبِيينَ والـمُرسَلِين وَءَالِ كُلٍّ والصَّالِحين وسلامُ اللهِ عليهم أجمعين
فصل معقود لبيان بعض المعاملات المحرمة
قال المؤلف رحمه الله (ويحرمُ بيعُ ما لم يقبِضْهُ)
الشرح من البيوع المحرَّمة بيع المبيع قبل قبضه، وهذا الحكم عند الإِمام الشافعي رضي الله عنه عام شامل لجميع أنواع البيع سواءٌ كان المبيع مطعومًا أم غيره. ويحصل القبض بالتخلية أي التمكين في العَقار كالأرض فإن كان بيتًا اشترط تفريغه من أمتعة غير المشتري وتمكينه من التصرف بتسليمه المفتاح، ويحصل القبض فيما ينقل بالنقل إلى مكان لا يخـتص بالبائع، وبالمناولة فيما يُتناول باليد كالثوب.
قال المؤلف رحمه الله (واللحمِ بالحيوانِ)
الشرح يحرم بيع اللحم بالحيوان من مأكول وغيره سواء كان اللحم مأخوذًا من جنس هذا الحيوان أو غيره لحديث « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع اللحم بالحيوان » رواه الحاكم في المستدرك في كتاب البيوع. وهي مسئلة خلافية بين الأئمة. قال السرخسي من الحنفية في المبسوط فإن باع لحم شاة بالبقر والإبل جاز عندنا، وعلى قول زفر والشافعي رحمهما الله لا يجوز بيع اللحم بالحيوان أصلا لحديث سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع اللحم بالحيوان اﻫ ثم قال والمراد بالنهي عن بيع اللحم بالحيوان إذا كان أحدهما نسيئة فقد ذُكر ذلك في بعض الروايات وبه نقول اﻫ
فائدة لا يجوز بيع الحيوان وزنًا أي لا يجوز بيعه على أن يكون ثمن الرطل كذا ولا يأباه قواعد مذهبنا معشر الشافعيّة لأنه إذا بيع حيوان بشرط الوزن كما هو معروف اليوم يدخل القذر الذي في جوفه في المقابلة بالثمن فينصرف قسم من الثمن إلى القذر والقسم الآخر إلى ما سواه كاللحم والعظم والقذرُ لا يقابل بمالٍ، والخلاص من ذلك أن لا يُعتبر الوزن شرطًا وإن ذُكر لتخمين السِّعر فإنّه لو قال البائع هذا وزنه كذا ليساعد المشتريَ على تخمين السعر من غير أن يقول بعتك كلَّ رطل بكذا ثم قال بعتكه بكذا فقال المشتري اشتريته بما ذكرت صحَّ البيع.
قال في تحفة المحتاج والنهاية والمغني ولا يصح بيع الأكارع والرءوس قبل الإبانة ولا المذبوح أو جلده أو لحمه قبل السلخ أو السمط لجهالته وكذا مسلوخ لم يُنَقَّ جوفه كما قاله الأذرعي وبيع وزنًا فإن بيع جزافًا صح بخلاف السمك والجراد فيصح مطلقًا لقلة ما في جوفه اﻫ
قال المؤلف رحمه الله (والدَّينِ بالدَّينِ)
الشرح يحرمُ بيع الدَّين بالدَّين وله صُوَرٌ متعدّدةٌ كأن يكون أسلم إلى رجل دينارًا في قمح مؤجّل إلى أجلٍ معيّن ثم يبيع ذلك القمح من شخص ءاخر بدينار مؤجّل وذلك لحديث « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ » رواه الحاكم والبيهقي وغيرهما.
روى الحاكم في المستدرك في كتاب البيوع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه اﻫ
وفي سنن الدارقطني، كتاب البيوع، وسنن البيهقي، باب ما لا ربا فيه وكل ما عدا الذهب والورق والمطعوم.
فيحرم ما يفعله بعض الناس من أن الشخص يكون له في ذمّة شخص ثمنُ مبيعٍ مقسطٌ إلى ءاجال ثم يأتي إلى موظف بَنْكٍ أو شخص ءاخر قبل حلول الدين فيقول له لي كذا وكذا في ذمّة فلان فأبيعُكَهُ بمبلغ كذا فهذا حرام لأنه من بيع الكالئ بالكالئ وهو مما اتُّفِقَ على تحريمه.
قال المؤلف رحمه الله (وبيع الفضوليِّ أي بيع ما ليسَ له عليهِ ملكٌ ولا وِلايةٌ)
الشرح الفضوليّ هو الشخص الذي يبيع ما ليس ملكًا له ولا له عليه ولايةٌ بطريقٍ من الطُّرق الشرعيّة فلا يجوز بيعه هذا، وأمّا من كان له ولاية على مالِ غيرِهِ بأن يكون وليَّ يتيمٍ أو وكيلاً عن المالك فبيعه صحيح ويشترط أن يراعي مصلحة مَوْلِيِّه أو موكله.
قال المؤلف رحمه الله (وما لمْ يرَهُ ويجوزُ على قولٍ للشافعيّ معَ الوصفِ)
الشرح يحرم بيع عينٍ غير مشاهدة للمتعاقدين أو أحدهما وهذا مشهورُ مذهبِ الشافعي، وجمهور الأئمة يجوّزونه على أن يكون له الخِيار إذا رءاه، وللشافعي قول بصحّته إذا وصفه وصفًا يخرج به من الجهالة المطلقة.
قال السيوطي في شرح التنبيه ممزوجًا بالمتن وفي بيع الأعيان التي لم يرها المشتري قولان أصحهما أنه لا يجوز والثاني أنه يجوز إذا وصفها بذكر الجنس والنوع كأن قال بعتك عبدي التركي وفرسي العربي ويثبت للمشتري الخيار إذا رءاها وإن وجده كما وصف لأن الخبر ليس كالمعاينة وفيه حديث « من اشترى ما لم يره فهو بالخيار إذا رءاه » رواه الدارقطني والبيهقي وضعفاه اﻫ
قال المؤلف رحمه الله (ولا يصحُّ بيعُ غيرِ المكلّفِ وعليهِ أي لا يصحُّ بيعُ المجنونِ والصبيِّ ويجوزُ بيعُ الصبيِّ الممِّيزِ في مذهبِ الإمامِ أحمدَ)
الشرح لا يصح بيع المجنون والصبي مالَهُ من غيره ولا يجوز للمكلّف أن يبيعه ماله، وأجاز بعض الأئمة بيعَ الصبي المميز بإذن وليه وذلك مذهب أحمد وءاخرين.
قال في المغني من كتب الحنابلة (فصل) ويصح تصرف الصبي المميز بالبيع والشراء فيما أذن له الولي فيه في إحدى الروايتين وهو قول أبي حنيفة اﻫ
ويدخل في حكم ما مرّ من عدم صحّة بيع غير المكلّف عدمُ صحّة بيع المكرَهِ وكذلك شراؤه، والمكره هنا هو من هُدِّد بنحو القتل أو قطع الأطراف أو الضرب الشديد أو نحو ذلك فلا يصح بيعه لأنه غير مكلّف بالنسبة لما أكره عليه كما يفهم من حديث « إِنَّ الله تجاوز لي عن أمّتي الخطأ والنسيان وما اسْتُكْرِهُوا عليه » رواه الترمذي (سنن ابن ماجه، باب طلاق المكره والناسي)، فإذا حرم إكراهه على بيعه حرم شراؤه منه مع العلم بأنه مكره إلا أن يكون أُكره بحقٍّ شرعي.
قال المؤلف رحمه الله (أَوْ لا قُدرةَ على تسليمِهِ)
الشرح من البيع المحرّم أن يبيع ما لا قدرة له على تسليمه، يستثنى ما لو كان المشتري قادرًا على تسلّمه فيجوز ويصحُّ البيع، فلا يصح بيع ضالٍّ ومغصوبٍ ونادٍّ (أي هارب) لمن لا يقدر على ردّه بخلافه لقادر على ذلك بلا كثير مؤنة أو كلفة فيجوز.
قال في شرح الروض قال في المطلب إلا إذا كان فيه كلفة فينبغي أن يكون كبيع السمك في البركة أي ويشق تحصيله منها قال وهذا عندي لا مدفع له اﻫ قال في حاشية الجمل وهذا الصنيع من الشارح يدل على أن المراد من المؤنة والكلفة واحد وهو المشقة الحاصلة بدفع الدراهم والمشقة الحاصلة على البدن وحينئذ يراد المشقة التي لا تحتمل عادة أخذًا من التشبيه وليس المراد بالمؤنة أو الكلفة خصوص دفع دراهم لها وقع فمتى احتاج في تحصيله إلى مؤنة لم يصح شراؤه لأن المؤنة تنافي القدرة اﻫ
قال المؤلف رحمه الله (وما لا منفعةَ فيهِ)
الشرح لا يجوز شراء ما لا منفعة فيه حسًّا كالخبز المحترق الذي لا يقصد للأكل أو شرعًا مع وجودها حسًّا كآلات اللهو وصلبان الذهب والفضّة والصور التي هي لذوي الأرواح التي تكون بهيئة يعيش بها ذلك الحيوان وكذلك الحشرات وهي صغار دوابّ الأرض كالحيّة والعقرب والفأرة والخنفساء وإن ذكر لها أصحاب ذكر خواص الحيوانات خواصّ فلا يجوز بيعها ولا شراؤها بخلاف ما ينفع منها كالضبّ لأكله والعلق لامتصاصه الدم. وكذلك لا يجوز بيع السباع التي ليس لها نفع معتبر كالأسد والذئب والنَّمِر بخلاف ما ينفع منها كالضَّـبُع للأكل في مذهب الشافعي رضي الله عنه والفهد للصيد والفيل للقتال. ويشترط في الثمن مثل ذلك.
قال المؤلف رحمه الله (ولا يصحُّ عندَ بعضٍ بلا صيغةٍ ويكفي التراضي عندَ ءاخرينَ)
الشرح من شروط البيع على ما هو منصوص الشافعي رضي الله عنه الصيغةُ أي اللفظُ من الجانبين، واختار بعض أصحابه صحته بالمعاطاة بدون صيغة وهي أن يدفع الثمن ويأخذ المبيع بلا لفظ وهو مذهب مالك فالبيع عنده ينعقد بكل ما يعدّه الناس بيعًا من غير اشتراط اللفظ وهو اختيار بعض أهل المذهب كما تقدم.
قال في شرح الرملي على المنهاج واختار المصنف كجمع انعاقده بها في كل ما يعدّه الناس بيعًا وءاخرون في كل محقّر كرغيف. أما الاستجرار من بياع فباطل اتفاقًا أي من الشافعية أي حيث لم يقدّر الثمن كل مرة على أن الغزالي سامح فيه أي في الاستجرار أيضًا بناء على جواز المعاطاة اﻫ وقال النووي في المجموع إنه [أي الاستجرار] باطل بلا خلاف [أي عند الشافعية] لأنه ليس ببيع لفظي ولا معاطاة فليعلم ذلك وليحذر منه ولا يغتر بكثرة من يفعله اﻫ وقول الغزالي المشار إليه ءانفًا ذكره في الإحياء حيث قال وأخذ الحاجات من البياع يقع على ضربين أحدهما أن يقول أعطني بكذا لحمًا أو خبزًا مثلاً وهذا هو الغالب فيدفع إليه مطلوبه فيقبضه ويرضى به ثم بعد مدة يحاسبه ويؤدي ما اجتمع عليه فهذا مجزوم بصحته عند من يُجوّز المعاطاة فيما أراه والثاني أن يلتمس مطلوبه من غير تعرض لثمن كأعطني رطل خبز أو لحم مثلاً فهذا محتمل اﻫ قال الأذرعي وهذا [أي الثاني] ما رأى الغزالي إباحته ومنعها المصنف اﻫ أي النووي.
قال المؤلف رحمه الله (وبيعُ ما لا يدخلُ تحتَ الملكِ كالحرِّ والأرضِ المواتِ)
الشرح يحرم بيع ما ليس مملوكًا كالإِنسان الحرّ أي غير الرقيق والأرضِ المواتِ أي التي لم تُعْمَر لأن الموات لا يملك إلا بالإِحياء أي بتهيئته للانتفاع إما للزراعة أو السكن أو نحو ذلك.
قال المؤلف رحمه الله (وبيعُ المجهولِ)
الشرح من شروط البيع أن يكون العوضان معلومين فيحرم ولا يصحّ بيع المجهول لأنه من الغَرَرِ المنهيِّ عنه كأن يقول له بعتك أحد هذين الثوبين من غير أن يبيِّن له فيأخذ أحدهما.
قال المؤلف رحمه الله (والنجسِ كالدمِ)
الشرح يحرم بيع النَّجَسِ على اختلاف أنواعه وذلك كالدم فإنّه متّفق على نجاسته وعلى تحريم أكله وقيل دم السمك طاهر. والمراد بالنجس هنا نَجِسُ العين. وحكم المتنجس الذي لا يمكن تطهيره بالماء كالزيت المتنجس مثل حكم نجس العين.
قال الحافظ أبو الحسن عليّ بن القطان المتوفى سنة ٦٢٨ﻫ في كتاب الإقناع نقلاً عن المراتب واتفقوا على أن الكثير من الدم أي دم كان حاشا دم السمك وما لا يسيل دمه نجس وقال نقلاً عن الاستذكار ولا خلاف أن الدم المسفوح رجس نجس ولا خلاف في أن قليله متجاوَز عنه بخلاف سائر النجاسات التي قليلها مثل كثيرها اﻫ
قال في المجموع وأما الوجهان في دم السمك فمشهوران ونقلهما الأصحاب أيضًا في دم الجراد ونقلهما الرافعي أيضًا في الدم المتحلب من الكبد والطحال والأصح في الجميع النجاسة وممن قال بنجاسة دم السمك مالك وأحمد وداود وقال أبو حنيفة طاهـر اﻫ
قال المؤلف رحمه الله (وكلِّ مسكرٍ)
الشرح يحرم بيع المسكر أي ما يغيّر العقل مع نشوة وطرب ولو كان هذا المسكر من غير عصير العنب كالعسل الممزوج بالماء إذا غلى من المكث. قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما « اجتنب كلَّ شىء يَنِشُّ » رواه النسائيُّ (روى النسائي في كتاب الأشربة في سننه بالإسناد عن ابن عمر أن رجلاً سأل عن الأشربة فقال اجتنب كل شىء ينشُّ وفي رواية أخرى أن السائل هو زيد بن جبير). والنشيش صوت غليان الشراب وهو الحد الفاصل بين النبيذ الحلال والنبيذ المحرم.
قال في لسان العرب والنبيذ ما نُبِذَ من عصير ونحوه اﻫ ثم قال وإنما سمي نبيذاً لأن الذي يتخذه يأخذ تمرًا أو زبيبًا فينبذه في وعاء أو سقاء عليه الماء ويتركه حتى يفور فيصير مسكرًا والنبذ الطرح وهو ما لم يُسْكِرْ حلالٌ فإذا أسكر حَرُمَ وقد تكرر في الحديث ذكر النبيذ وهو ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير وغير ذلك اﻫ
فنبيذ التمر والعسل والحنطة والشعير ونحو ذلك لا يحرم قبل أن يغلي ولا يسمى خمرًا إلا بعد أن يَغْلِيَ وليس المراد بالغليان الغليانَ بالوضع على النار بل الغليان الذي ينشأ في العصير من المكث مع تغطية إنائه، يحصل للغليان صوت ويرتفع الشراب عند الغليان إلى أعلى وعند ذلك يصير مسكرًا ثم ينـزل ويصفو فيستطيبه شَرَبَةُ الخمور ثم لا يزال محرمًا إلى أن يصير خلاً وذلك بتغيره إلى الحموضة ولو كانت حموضة خفيفة فيصير خلاًًّ طاهرًا حلالاً.
قال المؤلف رحمه الله (ومحرَّمٍ كالطُّنبورِ وهوَ ءالةُ لهوٍ تشبهُ العودَ)
الشرح من البيع المحرم بيع ءالات اللهو المحرمة كالطنبور وهو شىء يشبه العود. قال النووي في المجموع وأما الطنبور فبضم الطاء والباء والبربط بفتح البائين الموحدتين وهو العود والأوتار وهو فارسي اﻫ
وكذلك المزمار والكُوْبة وهو الطبل الضيِّق الوسط. في المصباح الطبل الصغير المُخَصَّر اﻫ قال النووي في روضة الطالبين ولا يحرم ضرب الطبول إلا الكوبة وهو طبل طويل متسع الطرفين ضيق الوسط اﻫ
ويحرم أيضًا بيع النرد إلا أنه يصح بيعه إن صلح بيادِقَ للشِطْرنج. قال في شرح الروض ولا يصح بيع النرد كالمزمار إلا أن صلح بيادق شطرنج فيصح مع الكراهة اﻫ وقال في مغني المحتاج ولا يصح بيع النرد إلا أن صلح بيادق للشطرنج فيصح مع الكراهة كبيع الشطرنـج اﻫ
قال المؤلف رحمه الله (ويحرمُ بيعُ الشىءِ الحلالِ الطاهرِ على مَنْ تعلمُ أنَّهُ يريدُ أنْ يعصيَ به كالعنبِ لمنْ يريدُهُ للخمرِ والسِّلاحِ لمنْ يعتدي بهِ علَى النّاسِ)
الشرح يحرم بيع الحلال الطاهر لمن يُعْلَمُ أنَّه يريده للمعصية كبيع العنب ممن يعلم أنَّه يعصره خمرًا، والخشبِ ونحوِهِ ممن يتخذه ءالةَ لهو محرم أو صنمًا، وبيعِ السلاح لمن يستعين به على قتال محرّم في شرع الله، وبيع الحشيشةِ ونحوها من المخدرات ممن يعلم أنّه يستعملها للمعصية. والحشيشة لا تُعدّ من المسكرات وإنما تحرم لأنها من الأشياء المخدّرة الضارّة. ومن هذا القبيل بيع الديك لمن يُهارِشُ به والثورِ لمن يُناطِحُ به.
قال المؤلف رحمه الله (وبيعُ الأشياءِ المسكرة)
الشرح يدخل تحت عموم هذه الجملة الإسبيرتو ولو لغير الشرب، ومن احتاج إليه فليحصِّله بغير طريقة البيع والشراء كأن يقول بعني هذه القنينة بكذا إلا الإسبيرتو الذي فيها فإني أستعمله مجّانًا. الإسبيرتو مسكر بل هو رُوْحُ الخمر أي قوّته فلا يجوز أن يُسترسل في شرائه لأنه كسائر المسكرات حكمًا، فالحديث الوارد في تحريم بيع الخمر وهو ما رواه البخاريّ ومسلم من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه أنّه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إِنَّ الله ورسولَهُ حرّم بيع الخمرِ والميتة ولحم الخنـزير والأصنام » قيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس قال « لا هو حرام » (رواه البخاري، باب بيع الميتة والأصنام ومسلم باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنـزير والأصنام) شاهدٌ لتحريم بيع الإسبيرتو الذي هو مسكر لمن يقصده للسكر أو لغير ذلك كالوَقود والتداوي لظاهر الجسم لأنه عليه الصلاة والسلام حرّم بيع الميتة بقصد جملتها أو بقصد شحمها لغير الأكل كطلي السفن بها ودهن الجلود والاستصباح بها أي اتخاذها سراجًا يستضاء بِهِ.
قال المؤلف رحمه الله (وبيعُ المعيبِ بلا إظهارٍ لعيبِهِ)
الشرح يحرم بيع المعيب مع كتمان عيبه أي ترك بيانه. وقد روى مسلم أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم مرّ برجل يبيع الطعام فأدخل يده فيه فمسّت يدُهُ بللاً فقال « يا صاحب الطعام ما هذا » فقال أصابته السماءُ أي المطرُ فقال « هلاّ جعلتَهُ ظاهرًا حتى يراه الناس من غشَّنا فليس منّا ». والمراد بالطعام في الحديث القمح. في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال « ما هذا يا صاحب الطعام » قال أصابته السماء يا رسول الله قال « أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس من غش فليس مني ». ذكره في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من غشنا فليس منّا.
فائدة: لا تصحُّ قسمةُ تركةِ ميتٍ ولا بيعُ شىءٍ منها ما لم توفَ ديونُهُ ووصاياهُ وتخرجْ أجرة حجّة وعمرة إِنْ كانا عليهِ إِلا أَنْ يُباعَ شىءٌ لقضاءِ هذِه الأشياءِ فالتركةُ كمرهونٍ بذلك.
الشرح لا تصح قسمة التركة التي خَلَّفَها الميتُ من كل حقّ مالي ما لم تؤدَّ ديون الميت من دَينٍ للناس أو من دَيْنٍ لله كالزكاة الواجبة في عين المال وما لم تنفذ الوصايا أي ما أوصى به بأن يصرف بعد موته، وما لم تخرج أجرة الحج والعمرة المستقرين في ذمّته كأن مات وقد كان وجب عليه أداؤهما وتسلَّم لمن يؤدي النسك عنه، فلا يجوز تصرّف الورثة في شىء من التركة حتى يُخرج ذلك قَبْلاً كما أن المرهون لا يجوز التصرف فيه بما يزيل الملك قبل قضاء الدين الذي رُهِنَ به إِلا أن يكون ما بيع لقضاء شىء من هذه الأشياء.
قال الشبراملسي في حاشية نهاية المحتاج فائدة قال ابن حجر وشمل كلامهم من مات وفي ذمته حج فيحجر على الوارث حتى يتم الحج عنه وبذلك أفتى بعضهم وأفتى بعضٌ ءاخر بأنه بالاستئجار وتسليم الأجرة للأجير ينفك الحجر وفيه نظر لبقاء التعلق بذمته بعد اﻫ قال الشبراملسي وظاهره اعتماد الأول ولو قيل باعتماد الثاني لم يكن بعيدًا اﻫ وفي حاشية البجيرمي فليس للوارث أن يتصرف في شىء منها حتى يتم الحج ولا يكفي الاستئجار ودفع الأجرة كذا قاله السنباطي اﻫ
قال المؤلف رحمه الله (ويحرم أن يفتر رغبة المشتري أو البائع بعد استقرار الثمن ليبيع عليه أو ليشتريه منه)
الشرح يحرم على المسلم المكلّف أن يفتِّر رغبة المشتري من غيره كأن يُخرج له أرخص مما يريد شراءه أو يبيع بحضرته مثل المبيع بأرخص أو يعرض عليه ليشتريَهُ كما يحرم تفتير رغبة البائع كأن يُرَغِّبَهُ باستردادِه ليشتريَهُ منه بأغلى أو يطلبَهُ من المشتري بزيادة ربح بحضرة البائع. وحرمة ذلك تكون إن حصل التفتير بعد استقرار الثمن بأن يكونا قد صرّحا بالرضا به وإن فحُش نقص القيمة عن الثمن.
قال المؤلف رحمه الله (وبعدَ العقدِ في مدةِ الخِيارِ أشدُّ)
الشرح أن ما ذكر من التفتير إن وقع بعد إجراء العقد وقبل لزومه أي في مدة الخِيار أي خِيار المجلس أو خِيار الشرط فهو أشدّ منه قبل العقد وبعد الاتفاق لأن الإِيذاء هنا أكثر.
قال في نهاية المطلب في باب النهي عن أن يخطب الرجل على خطبة أخيه ولو طلب الرجل سلعة مستامًا فرضي مالكها ثم إن المشتري فارقه لا عن عِدَّةٍ فقد قال أصحابنا للغير أن يستام في هذه الصورة لأن مفارقته دليل على أنه أعرض عن طلبه ولو استمر عليه لواعد صاحبه وأوصاه بألا يبيعه اﻫ
قال المؤلف رحمه الله (وأنْ يشتريَ الطعامَ وقتَ الغلاءِ والحاجةِ ليحبسَهُ ويبيعَهُ بأغلى)
الشرح يحرم أن يشتري الإنسان الطعام أي القوت حتى التمر والزبيب ونحوهما وقت الغلاء والحاجة إليه لِيَحْبِسَهُ ويبيعَهُ بأغلى من ثمن المثل عند اشتداد حاجة أهل مَحَلِّهِ أو غيرهم إليه، وهذا يسمّى الاحتكارَ وهذا تفسيره في المذهب، فخرج بذلك احتكارُ طعامٍ غير قوت، واحتكارُ قوتٍ لم يشتره كغَلَّة ضيعته أو اشتراه وقت الرُّخْصِ أو الغلاءِ لنفسه وعيالِهِ أو ليبيعَهُ لا بأكثرَ. ونقل السبكي عن القاضي حسين أنَّه في وقت الضرورة يحرم احتكار ما بالناس ضرورةٌ إليه وهو في غُنْيةٍ عنه.
القاضي حسين هو الإمام أبو علي الحسين بن محمد المروزي ويقال له أيضًا المرورذي بالذال المعجمة وتشديد الراء الثانية وتخفيفها، يذكر كثيرًا معرفًا بالقاضى حسين وكثيرًا مطلقًا القاضي فقط وهو من أصحاب الوجوه في المذهب الشافعي كبير القدر مرتفع الشأن غواص على المعاني الدقيقة والفروع المستفادة الأنيقة وهو من أجلّ أصحاب القفال المروزي. له التعليق الكبير وما أجزل فوائده وأكثر فروعه المستفادة ولكن يقع فى نسخه اختلاف، وللقاضي الفتاوى المفيدة وهي مشهورة. وروى الحديث وتفقه عليه جماعات من الأئمة منهم صاحب التتمة والتهذيب وكتاباهما فى التحقيق مختصر وتهذيب لتعليقه. توفي بمرو الروذ في المحرم سنة اثنتين وستين وأربعمائة.
انظر سير أعلام النبلاء وتهذيب الأسماء.
قال المؤلف رحمه الله (وأن يزيدَ في ثمنِ سلعةٍ ليغرَّ غيرَهُ)
الشرح هذا يسمّى النَّجْشَ وقد ثبت النهي عنه في الصحيح وذلك ما ثبت من قوله صلى الله عليه وسلم « ولا تناجشوا » (رواه البخاري، باب لا يبيع على بيع أخيه ولا يسوم على سوم أخيه حتى يأذن له أو يترك) فيحرم النَّجش ولو كانت الزيادة في مالِ محجورٍ عليه لترويجه له. ويلتحق بالنجش مدحُ السلعة ليرغِّبَ غيرَهُ فيها بكذب.
قال المؤلف رحمه الله (وأنْ يفرِّقَ بينَ الجاريةِ وولدِهَا قبلَ التَّمْيِيزِ)
الشرح يحرم التفريق بالبيع بين الأمة وولدها قبل أن يميّز الولد ولو رضيت بذلك، وكذلك لو كان ولدها مجنونًا بالغًا فيحرم التفريق بينهما قبل إفاقته.
قال المؤلف رحمه الله (وأنْ يغُشَّ أو يخونَ في الكَيْلِ والوزنِ والذرعِ والعدِّ أو يكذبَ)
الشرح مما يحرم من البيع الغَشُّ فيه أو الخيانةُ في الكيل أو الوزن أو الذرع أو العدّ أو الكذبُ بالقول في شىء من ذلك. قال الله تعالى ﴿وَيْلٌ للمُطَفِّفِيْنَ الذين إذا اكْتالُوا على الناسِ يَسْتَوْفُوْنَ وإذا كالُوْهُمْ أو وَزَنُوْهُمْ يُخْسِرُوْنَ ألا يَظُنُّ أولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوْثُوْنَ لِيَوْمٍ عَظِيْمٍ يومَ يَقُوْمُ النّاسُ لربِّ العالمين﴾ أي للحساب، [سورة المطففين/ الآيات ٢و٣و٤و٥و٦و٧].
قال المؤلف رحمه الله (وأَنْ يَبِيعَ القُطْنَ أَوْ غيرَهُ مِنَ البضائِعِ ويقرضَ المشتريَ فوقَهُ دراهمَ ويزيدَ في ثَمَنِ تلكَ البضاعةِ لأجلِ القرضِ، وأن يقرضَ الحائكَ أو غيرَهُ منَ الأُجَراءِ وَيَسْتَخْدِمَهُ بأقلَّ مِنْ أجرة المثلِ لأجلِ ذلك القرضِ أي إِنْ شرطَ ذلكَ ويسمُّونَ ذلكَ الرَّبطةَ أو يقرضَ الحَرَّاثينَ إلى وقتِ الحَصادِ ويشترطَ أن يَبيعوا عليْهِ طعامَهُمْ بأوضعَ مِن السعرِ قليلاً ويسمُّونَ ذلك المقضيَّ)
الشرح أن هذه المذكورات حرامٌ بشرط أن يسبق اتفاق على ذلك وذلك من جملة ربا القرض. وأمّا لو أقرض في هذه المسائل فأجرى العقد بدون هذا الاتفاق لم يحرم.
قال المؤلف رحمه الله (وَكَذَا جملةٌ مِنْ معاملاتِ أهلِ هذا الزمانِ وأكثرُهَا خارجةٌ عَنْ قانونِ الشَّرْعِ)
الشرح كلُّ ما كان في معنى المذكورات فهو حرام لأنه لا يخلو من محظورات الشّرع. ومن جملة هذه المعاملات الفاسدة أنواعُ التأمينات التي تعارفوها في هذا الزمن كتأمين السيارة أو تأمين البضائع المُسْتَجْلَبة وما يسمّونه التأمين على الحياة فيجب على من وقع في ذلك أن يخرج منه بالتوبة، إلا أنَّه يَحِلُّ لمن لا يُمَكَّنُ من شراء السيارة إلا بطريق التأمين أن يدخل في ذلك ثمّ لا يأخذ بعد ذلك ممن أَمَّنَ منهم إلا قدرَ ما دَفَعَ.
قال المؤلف رحمه الله (فعلى مريدِ رِضا الله سبحانَهُ وسلامةِ دينِهِ ودنياهُ أنْ يَتَعَلَّمَ ما يحِلُّ وما يحرمُ مِنْ عالم ورعٍ ناصحٍ شفيقٍ على دينِهِ فإِنَّ طلبَ الحلالِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ.)
الشرح يجب تعلّم علم الدِّين الذي يعرف به الحلال والحرام تلقّيًا من أهل المعرفة والثقة فلا يجوز استفتاء من ليس له كفاءة في علم الدين ولا استفتاءُ العالِمِ الفاسق. قال الإِمام المجتهد التابعي الجليل محمد بن سيرين رضي الله عنه «إنّ هذا العلمَ دينٌ فانظروا عمّن تأخذون دينَكم» رواه مسلم في مقدمة صحيحه. قال شيخنا رحمه الله إذا رأيت العالم متعلق القلب بالمال فلا تأمنه على دينك اﻫ
ومعنى قوله إِنَّ طلب الحلال فريضة على كل مسلم أنّه لا يجوز تناول رزقٍ من طريقٍ حرامٍ بل على من أراد تحصيل المال لحاجة نفسه أو حاجةِ عِيالِهِ (أي من يعولهم الشخص أي ينفق عليهم) أن يسعى للتحصيل بطريق مباح شرعًا، وليس معنى ذلك أنّه يحرم على الشخص أن يمكث من دون تعاطي عملٍ بل لو ترك الشخص العملَ وهو قادرٌ عليه غيرَ معتمِدٍ على السؤال من شخص معيّن أو على الشحاذة بل كان غير متعرّض لذلك واثقًا بربّه أنه يَسُوْقُ إليه رزقَهُ فلا إثم عليه. وقد روى الترمذيّ بإسناد صحيح أن رجلاً شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخاه لأنه لا يحترف معه فقال له « لعلك تُرْزَقُ به ». الشاهدُ في الحديث أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الأخ ترك الاحتراف مع أخيه.
سنن الترمذي، باب في التوكل على الله عن أنس بن مالك قال كان أخوان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فكان أحدهما يأتي النبي صلى الله عليه وسلم والآخر يحترف فشكى المحترف أخاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال « لعلك ترزق به » قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح اﻫ
قال النسفي في بحر الكلام وقال أهل السنة والجماعة إن كان له قوت فالكسب له سنة ومباح وإن لم يكن له قوت ولا درهم يشتري به القوت فالكسب له رخصة وإن كان مضطرًّا وله أهل وعيال فالكسب عليه فريضة اﻫ
https://www.islam.ms/ar/?p=218