معاصي اليدين السرقة الغصب المكس القتل الرشوة القمار النرد
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الأمين وبعد،
هذا فصل معقود لبيان معاصي اليدين.
ومنْ معاصي اليَدينِ التّطفيفُ في الكَيلِ والوزنِ والذَّرْعِ.
الشرح: أن من معاصي اليَدين التّطفيفَ في الكَيلِ والوَزْنِ والذَّرْعِ وهو من الكبائر قال الله تعالى: ﴿ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (١) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (٢) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (٣)﴾ [سورة المطففين] والويلُ هو شدّةُ العَذابِ وقد فَسَّرَتِ الآيةُ المطفّفينَ بأنّهم همُ الذينَ إذا اكتالُوا على الناسِ أي مِنَ الناسِ يَستَوفُونَ حقوقَهم منهُم أي يأخذُونها كامِلةً وإذا كالُوهم أو وزَنُوهم أي كالوا أو وزنوا مِنْ أموالِهم للغَير يُخسِرُونَ أي يُنقِصُون. وفي حُكم ذلك التّطفيفُ في الذّرْع بأنْ يشُدَّ يدَه وقتَ البيعِ ويُرخِيَهَا وقتَ الشِّراءِ.
وتحرم السَّرِقَةُ
الشرح: أن السّرقةَ منَ الكَبائرِ الْمُجْمَعِ على تَحرِيمها الْمَعلُومةِ مِنَ الدّينِ بالضّرورة، وهيَ في الأصل أخذُ مالِ الغَير خُفْيَةً ليسَ اعتِمادًا على القُوةِ في العلَنِ أو على الهرب في العلن فإنَّ الأوّلَ مِنْ هذين غَصْبٌ والثاني اختِلاسٌ.
ويحرم النَّهْبُ والغَصْبُ والْمَكْسُ والغلُولُ.
الشرح: أن مِنْ مَعاصِي اليَدينِ النَّهبَ وهو أَخْذُ المالِ جِهَارًا، والغَصبَ وهو الاستيلاءُ على حقّ الغَير ظُلمًا وهما منَ الكَبائر لقَوله عليه الصلاةُ والسلام: « من ظلَمَ قِيدَ شِبرٍ من أرضٍ طُوِّقَهُ مِن سَبْع أَرَضِينَ يَومَ القِيامةِ » أي أنَّ الأرضَ تُخسَفُ به يومَ القيامة فتكونُ تلكَ البُقعَةُ في عُنُقِه كالطَّوقِ.
وأمّا الْمَكسُ فهو ما يؤخَذُ منَ التُّجَّار كالعُشْر وما أشْبَهَ ذلكَ وهو من الكبائر وقد مرَّ الكلامُ عليه.
وأمّا الغُلولُ فهوَ الأخذُ منَ الغنيمةِ قبلَ القِسْمَةِ الشّرعيّةِ وهو من الكبائر. قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في رَجُل كانَ على ثَقَلِهِ في غَزْوة ماتَ وقد غلَّ: "إنَّه في النَّار" رواه البخاريّ.
ويحرم القَتلُ
ومِنْ مَعاصِي اليَدينِ القَتلُ وفيهِ الكَفَّارةُ مُطْلقًا وهيَ عِتْقُ رَقبةٍ مؤمنةٍ سليمةٍ فإنْ عَجَزَ صَامَ شَهْرينِ مُتَتابِعَينِ، وفي عَمْدِهِ القِصَاصُ إلا أنْ عَفا عَنهُ الوارثُ على الدّيةِ أو مَجَّانًا، وفي الخطأ وشِبْهِه الدّيةُ وهيَ مائةٌ مِنَ الإبلِ في الذّكرِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ ونِصْفُها في الأنثى الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ، وتَخْتلِفُ صِفاتُ الدِيةِ بحسَبِ القَتْلِ.
الشرح: أن مِنْ معاصِي اليَدين قَتْلَ الْمُسْلِمِ عمدًا أو شِبْهَ عَمْدٍ. قالَ صلى الله عليه وسلم في الحديثِ الذي فيه بَيانُ السّبْع الْمُوبقات: "وقَتْلُ النفسِ التي حَرَّمَ الله إلا بالْحَقّ" أخرجه البخاري في الصحيح.
والقتل ظلمًا هو أعظم الذنوب بعد الكفر كما ثبت في حديث البخاري وغيره. وأما قول الله تعالى: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ [سورة البقرة] فالمراد به أن الكفر أشد من القتل. ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ معناه أن الشِرْكَ أشدُ من القتل وليس معناه أنّ مجرد الإفساد بين اثنين أشدُّ من قتل المسلم ظلمًا بل الذي يعتقد ذلك يكفر والعياذ بالله لأن الجاهل والعالم من المسلمين يعرفان أن قتل الشخص ظلمًا أشد في شرع الله من مجرد الإفساد بينه وبين ءاخرَ لا يخفى ذلك على مسلم مهما بلغ به الجهل.
ثم من أحكام القَتلِ في الدُنيا وجوبُ الكفَّارة في قتلِ العَمْدِ وغيرِه وهيَ عِتقُ رقبةٍ مؤمنةٍ سليمةٍ عمّا يُخِلُّ بالكسْب والعمل إخلالاً ظاهرًا، فإن عَجَز بأن لَم يَملِكْها ولا ثَمنَها فاضِلاً عن كِفايته وكفايةِ من عليه نفقَتُه صامَ شهرينِ مُتَتَابِعَيْنِ كما مرَّ في الظّهار غيرَ أنّه لا إطعامَ هنا. وفي قَتْلِ العَمْدِ وهوَ ما كانَ بقَصدِ عَينِ مَنْ وقَعتْ عليه الجِنايةُ بِما يُتلِفُ غَالبًا جَارحًا كان كالسّيفِ والخِنْجَر أو مُثَقَّلاً كالصَّخْرة القِصَاصُ إلا إذا عُفِيَ عن القاتِل على الدّية أو مجانًا فإذا عفا وَرثةُ القتِيل عن القاتِل على الدّية أو على مالٍ غَيرِها أو مَجّانًا سَقَطَ القَتلُ. وأما القَتلُ الخطأ بأن لا يقصِدَ عينَه بفِعْلٍ كأنْ زَلِقَ ووَقَعَ عليه فَماتَ وشِبْهُهُ بأن يقصِدَه بما لا يُتلِفُ في الغَالِب كغَرْزِه بإبرة في غيرِ مَقْتَل فتَجبُ الدّيَةُ فيهما لا القِصاصُ وهيَ مائةٌ منَ الإبل في الذّكَر الْحُرّ الْمَعصُوم المسلم ونِصفُها في الأُنثى الْحُرّةِ الْمُسلِمَةِ الْمَعصُومةِ ومثلُها الخنثى.
فائدة. يَثْبُتُ القِصَاصُ أيضًا في الأطْرافِ والجِرَاحاتِ.
تتمَّة. من المحرمات الكبائر قتل الإنسانِ نفسَهُ فقد روى البخاري: « من قتل نفسه بشىء عُذِّبَ به في جهنَّم ». لكن لا يكفر قاتل نفسه كما أنه لا يكفر قاتلُ نفسِ غيرِهِ، وأما قول الجهال فيمن قتل نفسه إنه كافرٌ فهو باطل.
ويحرم الضَّربُ بغَيرِ حَقّ.
الشرح: أن من معاصي اليد التي هي من الكبائر ضربَ المسلم بغير حقّ ففي الحديثِ الصّحيح: « إنَّ اللهَ يُعذّبُ الذينَ يُعَذّبُونَ الناسَ في الدُنيا » ومِثلُ الضّرب تَرويعُ المسلم والإشَارةُ إليه بنحو سِلاح ففِي الصّحيح: « مَنْ أشارَ إلى أخِيه بِحَديدة فإنَّ الملائكةَ تَلعَنُه وإنْ كانَ أخاهُ لأبيه وأمّه » رواه ابن حبّان. هذا إن قصَدَ ترويعَه أما إن لم يقصد ترويعَهُ وظن أنه لا يتروّع فرفع عليه نحوَ حديدة فلا إثم عليه.
ويحرم أخذُ الرّشوةِ وإعطاؤها.
الشرح: أن من معاصي اليد التي هي من الكبائر أَخذَ الرّشْوة وإعطاءَها، فأمّا الأَخذُ فيَحرُم على الْحَاكِم ولو حَكَمَ بِحَقّ وأما الإعطاءُ فإنَّما يَحرُم على الْمُعْطِي إن كانَ يَطلُب باطلاً فأمّا إذا كانَ الإعطاءُ لِيَحكُمَ له الحاكم بِحَقّ أو لِيَدْفَعَ عن نفسه ظُلمًا أو لِيَنال ما يَستَحِقُّهُ فَسَقَ الآخِذُ ولم يأثَم الْمُعطِي لاضطِرارِه إلى ذلك للتّوصُلِ لِحَقّه.
ويحرم إحْراقُ الْحَيوانِ إلا إذا ءاذَى وتَعيَّنَ طَريقًا في الدّفْعِ والمُثْلَةُ بالْحَيوانِ.
الشرح: أن من معاصي اليد التي هي من الكبائر إحراقَ الحيوانِ بالنّار سَواءٌ كانَ مأكُولاً أو غيرَ مأكول صَغيرًا أو غيرَه لقَولِه صلى الله عليه وسلم: « لا يُعذّبُ بالنَّارِ إلا رَبُّها » رواه أبو داود وهذا إذا لم يكن الحيوان مؤذيًا أما إذا ءاذى وتَعيّن الإِحراقُ طَريقًا لإزالةِ الضّرر فلا حرمة في ذلك.
وكذلك مِنْ معَاصي اليَدِ الْمُثْلَةُ بالْحَيوانِ، ومعنَى الْمُثْلَةِ تَقطِيعُ الأَجزاء وتَغييرُ الخِلْقة.
ويحرم اللَّعِبُ بالنَّرد وكلّ ما فيهِ قِمَارٌ حتّى لَعِبُ الصّبيانِ بالْجَوزِ والكِعَابِ.
الشرح: أن من مُحَرّمَاتِ اليدِ اللعبَ بالنَّرد وهو الْمُسَمَّى بالنَّردَشِير وهو نِسْبةٌ لأوّلِ ملُوكِ الفُرس لأنّه أوّلُ من وُضِعَ لهُ. قالَ عليه الصلاةُ والسلام: « مَنْ لَعِبَ بالنَّردَشِير فكأنّما غَمَس يدَه في لَحْم خِنْزير ودَمِه » رواه مسلم. والمعنَى في تحريمهِ أنَّ فيه حَزْرًا وتخمِينًا فيؤدّي للتّخاصُم والفِتَن التي لا غَايةَ لها فَفُطِمَ الناس عنه حِذارًا منَ الشّرور الْمُتَرتّبةِ علَيه.
ويُقاسُ على النّرد كلُّ ما كانَ مِثلَهُ أي أنَّ كلَّ لُعبَةٍ كانَ الاعتمادُ في لَعِبِها على الْحَزْرِ والتَّخمِين لا على الفِكرِ والْحِسَاب فهيَ حرامٌ فخَرجَ الشّطْرنج فإنّه ليسَ في مَعناه لأنّ العُمْدَة فيه على الفِكر والْحِسَاب قبلَ النَقْل.
ويَلتَحِقُ بالنّرد في الْحُكْمِ اللّعبُ بالأَوراقِ الْمُزَوَّقَةِ الْمُسَمّاةِ بالكَنْجَفَةِ أو الكَمَنْجَفَةِ وهي المعروفة عند بعض الناس اليوم في بعض البلاد بورق الشَّدَّة فإنها إن كانَت بعِوَضٍ فقِمَارٌ والقِمارُ منَ الكبائر وإلا فهيَ كالنّردِ الذي ورَدَ النهيُ عنه بوَجهِ الإِطلاقِ مِنْ غيرِ تَعرُّضٍ للمَالِ. وكذلكَ يحرم اللعبُ بكل ما فيه قِمارٌ وصُورَتُه الْمُجْمَعُ عليها أن يُخْرَجَ العِوَضُ مِنَ الْجَانِبَينِ كما يحصل في اللعب بالْجَوز والكِعاب فيحرم على الأولياء تمكين الصبيان من اللعب بذلك.
ويحرم اللعب بآلات اللهو المحرّمة كالطنبور والرباب والمزمار والأوتار.
الشرح: أن من معاصي اليد اللعبَ بآلات اللهو المحرّمة وقد ذكر المصنف منها الطُنبورَ والمِزمار وقد مر الكلام عليهما. ومثلهما في حرمة اللعب به كلُّ ذي وَتَرٍ كالرباب والكمنجة وغيرِهما.
ويحرم لَمْسُ المرأة الأَجنبيّةِ عَمدًا بغَيرِ حائلٍ أو بهِ بشَهوةٍ ولَوْ معَ جِنْسٍ أو مَحْرَمِيَّةٍ.
الشرح: أن من معاصي اليد لَمْسَ الأجنبيّةِ أي غَيرِ الْمَحْرَم وغَيرِ الزَّوجَةِ ونحوها عَمدًا بغَير حَائل مُطلقًا أي بشهوة كان أو بغَير شهوة وكذا لو اتحد الجنس وكان بشهوة كرجل مع مثله وامرأةٍ مع مثلها أو كان مع مَحْرَمِيَّةٍ بشهوة كأختهِ لقَولِه صلى الله عليه وسلم في أثناء حَديثٍ: « واليَدانِ زِنَاهُمَا البَطْشُ » رواه مسلم. والبَطْشُ هنا معناه العَملُ باليَدِ كما قالَ الفَيُّومِيُ في الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ وهوَ من كُتبِ اللُغة. ومِنْ ضَلالاتِ طَائفةٍ نَبَغَتْ في هَذا العَصْرِ تُسَمَّى حِزبَ التَّحرير تَحلِيلُ مُصافَحة الرّجل المرأةَ الأجنَبيّة اجتهادًا منهُم معَ وجُود هذا النّص، وبهذا يُنادُون على أنفُسِهم بالجهل العمِيق بأمورِ الدّين، قال شيخنا رضي الله عنه وقَدْ صارحني بعضهم بقوله "هذا اجتهادٌ منَّا" فقلت له: "أتجتهدون مع النص" فسكتَ ولم يردّ جوابًا. ومما يدل على حرمة مصافحة الرجل المرأة الأجنبية الحديثُ الذي رواه الطبراني وهو « لأن يطعن أحدكم بحديدة في رأسه خير له من أن يمس امرأة لا تحل له » وهذا الحديث إسناده جيد.
إخوة الإيمان وكما عودناكم أن نرد على فتاوى باطلة ما أنزل الله بها من سلطان نبين لكم اليوم حرمة مصافحة المرأة الأجنبية بلا حائل. فقد طلع لنا في هذا العصر من خالف النبي صلى الله عله وسلم والصحابة والتابعين بقوله في عدم تحريم مصافحة النساء. فقد روى ابن حبان عن أميمة بنت رقيقة واسحق بن راهويه عن أسماء بنت يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إني لا أصافح النساء" ويدل على تحريم المصافحة للأجنبية أيضًا حديث: "لأن يطعن أحدكم في رأسه بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له". رواه الطبراني في المعجم الكبير ج20/ ص212 كذا قال المنذري في الترغيب والترهيب ج3/ص39 .
كذلك عائشة رضي الله عنها قالت: "ما مست يد رسول الله يد امرأة قط إلا يد امرأة تحل له أو يملكها" .
فمصافحة المرأة الأجنبية بلا حائل محرمة بإجماع العلماء فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ويحرم تصويرُ ذِي رُوحٍ.
الشرح: أن مِنْ مَعاصِي اليدِ تَصويرَ ذي رُوح سواءٌ كان مُجَسَّمًا أو مَنقُوشًا في سَقفٍ أو جِدار أو مصوّرًا في وَرقٍ أو مَنسُوجًا في ثَوب أو غَيرَ ذلكَ وهَذا متَّفقٌ علَيه في المذاهبِ الثّلاثة المذهَبِ الشافعي والمذهب الْحَنفيّ والْمَذهَب الْحَنْبلِيّ.
وأباحَ ذلك المالكيّةُ إذا لَم يكنْ مُجَسَّمًا. ويشترط لتحريم استبقاء الصورة أن تكون الصورة بهيئة يعيش عليها الحيوان. وصرَّح الشافعيةُ بجواز استبقائها إذا كانت على أرض أو بساط يُداس وقد نصوا على جواز استبقاء الصورة التي تكون في الدرهم والدينار والفَلْس وسائرِ ما يُعَدّ مُمْتَهَنًا. ويُستثنى من تحريم ذلك لُعَبُ البنات الصغار التي على هيئة البنت الصغيرة وصرّح المالكية بجواز شراء ذلك للبنات الصغار.
ويحرم مَنعُ الزكاةِ
ومِنْ مَعاصِي اليَدِ مَنعُ الزكاةِ أو بَعضِها بَعدَ الوجُوبِ والتَّمكُّنِ، وإخْراجُ ما لا يُجْزِئُ أو إعطاؤُها مَنْ لا يَستَحِقُّها.
الشرح: أن مِنْ مَعاصِي اليَدِ التي هي من الكبائر مَنْعَ الزّكاة أي تَرْكَ دَفْعِهَا أو إعطاء بعضِها وتَرك بَعضٍ، ومنها تأخير إخراجِها بعدَ وقتِ الوجُوبِ والتمكُّن مِنْ إخراجِها بلا عُذرٍ شرعيّ فلا يَجوزُ لِمَنْ وجَبتْ عليه قبلَ رمضَانَ كشَهْر رجَبٍ أو شَعبْانَ مَثلاً أن يؤخّر إلى رمَضَان، وليس رمَضانُ مَوسِمًا لإِخراج الزّكاةِ بل مَوسِمُها في الحوليّ وقتُ حَولانِ الْحَولِ.
وكذلكَ من معاصي اليد دَفعُ ما لا يُجْزئ إخراجُه ولَو كانَ أكثرَ قِيْمَةً مِنَ الْمُجْزِئ ويَجُوزُ إخراجُ القِيْمة عندَ الإمام أبي حنيفةَ وعلَيه عَملُ الناسِ اليَومَ.
وكذلكَ يَحرُم إعطاؤها من لا يَستَحِقُّهَا كإعطائِها للجَمْعِيَّاتِ التي تَصرِفُ الزّكاةَ في غَيْرِ مصَارِفِهَا، وأمّا إنْ وَكَّلَ الْمُزَكّي جَمْعِيةً يثِقُ بأنّها تَصرِفُ الزّكاةَ في مصَارِفها كانَ ذلكَ جَائزًا.
ويحرم مَنْعُ الأَجِيرِ أُجْرتَهُ.
الشرح: أن من مَعاصِي اليد التي هي من الكبائر تَركَ إعطاءِ الأجير أجرتَه.
وقَد صحَّ الحديثُ القُدسِيُّ: « ثلاثةٌ أنا خَصْمُهم يومَ القِيامة ومَنْ كنتُ خَصْمَه خَصَمْتُهُ رَجُلٌ أعْطَى بِيَ العَهدَ ثم غَدَر ورَجُلٌ باعَ حرًا فأكَلَ ثَمنَهُ ورَجُلٌ استَأجَر أجيرًا فاستوفى منه ولَم يُعطِهِ أَجْرَهُ » رواه البخاري، ومعنى خصَمتُه أنه مغلوبٌ لا حُجَّةَ له، ومعنَى أعْطَى بي العهدَ ثم غدر أعطَى العَهدَ باسْمي ثم غدر كالذي يُبايعُ إمامًا ثم يتمرّد عليه كالذينَ غدَروا بعَليّ بنِ أبي طالب رضيَ الله عنه من الخوارج وغيرهم بعدَ أن بايَعَه المهاجرون والأنصار في المدينة.
ويحرم مَنعُ الْمُضْطَرِّ ما يَسُدُّهُ وعَدمُ إنقاذِ غَريقٍ مِنْ غَيرِ عُذْرٍ فيهما.
الشرح: أن من معاصي اليد التي هي من الكبائر مَنْعَ الْمُضْطَرِّ ما يَسُدُّهُ أي ما يَسُدُّ حَاجَتَه من غير عذر، ولا فرقَ في المضطَر بينَ القريب وغيره وهو يشمل الذميّ. والمراد بالمضطر مَن اضطُرَّ لكِسْوةٍ يَدْفَعُ بها الهلاكَ عن نَفْسِه ومَن اضطُر لِطَعام يَدْفَعُ به الهلاك عن نَفْسِه.
ومِنْ مَعاصِي اليدِ أيضًا عَدمُ إنقاذِ غَريقٍ مَعصُوم مع القدرة على ذلك، ولا إثم على من هو غير قادر.
ويحرم كتابةُ ما يَحْرُمُ النُّطقُ بهِ.
الشرح: أن مِنْ مَعاصِي اليدِ كتَابَةَ ما يَحرُمُ النطقُ به، قال الغزاليُّ في بِداية الْهِداية لأنَّ القلمَ أحَدُ اللّسانَين فاحفَظْه عمّا يجبُ حِفظُ اللسانِ مِنه مِنْ غِيبةٍ وغَيرِها اهـ فلا يُكتبُ به ما يَحرمُ النُّطقُ به مِنْ جَمِيع ما سَبَقَ. ومثل القلم في ذلك سائر أدوات الكتابة من ءالات طباعة وحاسوب ونحوها.
وتحرم الْخِيانةُ وهيَ ضِدُّ النَّصِيحَةِ فتَشْمَلُ الأَفعالَ والأَقوالَ والأحْوالَ.
الشرح: أن مِنْ مَعاصِي اليَدِ الْخِيانَةَ سَواءٌ كانَت بالقَول أو بالفِعْل أو بالْحَال قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّـهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (٥٨)﴾ [سورة النساء]. وتُطلَقُ الأمانَةُ على ما يَستَأمِنُ الناسُ بَعضُهم بَعضًا عليه من نحو الودائع كما تشمل الأمانة ما يأتمن الرجل عليه أجيره من العمل وما يأتمن عليه الزوج زوجته في بيته بأن لا تخونه في فراشه أو ماله. روى الإمام أحمد وابن حبان من حديث أنس: « لا دينَ لِمن لا عهدَ لهُ ولا إيمانَ لِمن لا أمانة له »، أي لا يكون من لا يحافظ على الأمانة مؤمنًا كاملاً ولا يكون دين من يضيع العهد كاملاً.
https://www.islam.ms/ar/?p=337