معاصي اللسان: كذب غيبة نميمة شتم لعن
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الأمين وبعد،
هذا فصل معقود لبيان معاصي اللسان.
تَحرمُ الغِيبةُ
ومنْ معاصِي اللِّسانِ الغِيبةُ وهيَ ذِكرُكَ أخَاكَ الْمُسلِمَ بما يكرَهُهُ مِمَّا فيهِ في خَلفِهِ.
الشرح : من محرمات اللسان الغيبة، وهي ذِكرك أَخاكَ المسلمَ الحيَّ أو الميّتَ بما يكرَهُه لو سمعَ سواءٌ كان مِما يتعلقُ ببدنهِ أو نَسَبه أو ثَوبه أو دارِه أو خُلُقِهِ كأنْ يقولَ فلانٌ قصيرٌ، أو أحوَلُ، أو أبوه دَبّاغٌ أو إسكافٌ أو فلانٌ سيّئ الخُلُقِ، أو قليلُ الأَدَب، أو لا يَرى لأحَدٍ حقًّا عليه، أو لا يَرى لأحدٍ فضلاً، أو كثيرُ النّوم، أو كثيرُ الأكل، أو وسِخُ الثياب، أو دارُه رَثَّةٌ، أو ولَدُه فلانٌ قليلُ التّربيةِ، أو فلانٌ تحكمُه زوجتُه، ونحوُ ذلك مِنْ كلّ ما يَعلَمُ أنّه يكرَهُه لو بلَغه. قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (١٢) ﴾ [سورة الحجرات الآية 12] الآيةَ. وروى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : « أتَدْرُونَ ما الغِيبةُ » قالوا : الله ورسولُه أعلمُ قال « ذِكرُك أخاك بما يكرَهُ » قال : أفرأيتَ إن كان في أخي ما أقولُ قال « إن كان فيه ما تقولُ فقد اغتَبْتَهُ وإن لم يكن فيه فقد بَهَتَّهُ ». وقد اختلفَ كلامُ العلماءِ في الغيبة فمنهم من اعتبرها كبيرةً ومنهم من اعتبرها صغيرةً، والصّوابُ التَّفصيلُ في ذلك فإنْ كانت الغيبةُ لأهلِ الصّلاح والتّقوى فتلك لا شكَّ كبيرةٌ وأمّا لغيرهم فلا يُطلَقُ القولُ بكونها كبيرةً لكن إذا اغتيب المسلمُ الفاسقُ إلى حد الإفحاش كأن بالغ شخص في ذكر مساوئه على غيرِ وجهِ التحذيرِ كان ذلك كبيرة، وعلى ذلك يحمل حديث : « إن أربى الربا استطالةُ الرجلِ في عِرض أخيه المسلم » رواه أبو داود فإن هذه الاستطالة كبيرة بل من أشد الكبائر لوصف رسول الله صلى الله عليه وسلم لها بأنها أربى الربا أي أنها في شدة إثمها كأشد الربا.
وكما تَحرمُ الغِيبةُ يَحرمُ السّكوتُ علَيها معَ القُدرةِ على النَّهْيِ ويحرم تَركُ مُفارقة الْمُغتابِ إن كان لا ينتهي معَ القُدرَةِ على المفارقة.
وقد تكونُ الغيبَةُ جائزةً بل واجبةً وذلكَ في التحذير الشرعي من ذِي فِسق عَمَلِيّ أو بِدعة اعتقاديّةٍ ولو مِنَ البِدَع التي هي دون الكفر كالتّحذير منَ التّاجر الذي يَغُشّ في مُعاملاتِه وتَحذيرِ صاحِبِ العمل من عاملِه الذي يخونُه، وكالتّحذير من المتصدّرِين للإفتاءِ أو التّدريس أو الإقراء مع عدم الأهلِيّة فهذِه الغيبةُ واجِبةٌ. ومن الْجَهل بأمور الدين استنكارُ بعضِ الناسِ التحذيرَ من العامِل الذي يخونُ صاحبَ العمَل احتجاجًا بقولِهم إنَّ هذا قطْعُ الرِزقِ على الغير فهؤلاء يؤثرون مُراعاةَ جانِب العَبدِ على مُراعاةِ شَرِيعَةِ الله.
وقد قسَّم بعضُ الفقهاءِ الأسبابَ التي تُبِيح الغِيبةَ إلى سِتةٍ جَمعها في بيتٍ واحِد قالَ من الوافر
تَظَلَّمْ وَاسْتَعِنْ وَاسْتَفْتِ حَذِّرْ وَعَرِّفْ وَاذْكُرَنْ فِسْقَ الْمُجَاهِرْ
وَمِنَ الْجَهْلِ القَبيحِ قولُ بَعْضِ النَّاسِ حِينَمَا تُنْكِرُ عَليْهِمُ الغيبَةَ « إني أقول هذا في وجهه » كأنهم يظنون أنه لا بأس إذا اغتيب الشخص بما فيه، وهؤلاء لم يعلموا تعريف الرسول صلى الله عليه وسلم للغيبة بقوله « ذكرك أخاك بما يكره » قيل أرأيتَ يا رسول الله إن كان في أخي ما أقول قال : « إن كان فيه ما تقول فقد اغْتَبْتَهُ » إلى ءاخر الحديث وقد تقدم رواه مسلم وأبو داود.
والغيبة قد تكون بالتصريح أو الكناية أو التعريض. ومن التعريض الذي هو غيبةٌ أن تقول إذا سُئِلْتَ عن شخص مسلم الله لا يبتلينا معناه أنه مبتلًى بما يُعاب به وأن تقولَ الله يصلحنا لأنك أردت به التعريضَ بأنه ليس على حالة طيبة.
https://www.islam.ms/ar/?p=335