بيان معاصي القلب: الرياء الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الأمين وبعد،
هذا فصل معقود لبيان معاصي القلب.
يَحرمُ الرياءُ بأعمالِ البِرّ وهُوَ العملُ لأجلِ الناسِ
من معاصِي القلبِ الرياءُ بأعمالِ البِرّ أي الحسنات وهُوَ العملُ لأجلِ الناسِ أي ليمدحُوهُ ويُحبطُ ثوابَها وهو من الكبائر
الشرح أن في هذه الجملة بيانَ معصيةٍ مِنْ معاصِي القَلب وهي الرياءُ وهو من الكبائر وهو أن يقصِدَ الإنسانُ بأعمالِ البِرّ كالصّوم والصلاةِ وقراءةِ القرءانِ والحجّ والزكاةِ والصّدقَات والإِحسانِ إلى الناس مَدْحَ الناسِ وإجلالَهُم له فإذا زادَ على ذلكَ قَصْدَ مَبرَّةِ الناسِ له بالهَدايا والعَطايا كانَ أسوأَ حالاً لأنّ ذلك مِن أكلِ أموالِ الناسِ بالبَاطلِ. والرِياءُ يُحبِطُ ثَوابَ العَملِ الذي قَارنَه فإنْ رجَع عن ريائه وتابَ أثناءَ العَملِ فما فَعلَه بعد التّوبةِ منه له ثوابُهُ، فأيُّ عَمل مِنْ أعمالِ البِرّ دخَلَه الرِياءُ فلا ثوابَ فيه سَواءٌ كان جرَّدَ قَصدَه للرياءِ أو قرَنَ به قَصْدَ طلبِ الأَجْرِ منَ الله تعالى فلا يجتَمِعُ فى العمل الثوابُ والرياءُ لحديثِ أبي داود والنسائي بالإِسناد إلى أبي أُمامةَ قالَ جاءَ رجلٌ فقالَ يا رسولَ الله أرأيتَ رجلاً غزا يلتمِسُ الأجرَ والذِكر ما لهُ، قال « لا شىءَ له » فأعادها ثلاثًا كلَّ ذلك يقولُ « لا شىءَ له » ثم قالَ لَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلَّم « إِنَّ الله لا يقبَلُ منَ العَملِ إلا ما كان خالِصًا له وما ابتُغِيَ به وجْهُه » وَجَوَّدَ الحافظ ابن حجر إسناده في الفتح.
ويقول جَلَّ وَعَزَّ: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [سورة الكهف 110] . فالمُراد بالشرك في هذه الآية هو الشِّرْكُ الأصغر وهو الرِّياء. فإن النبيَّ ﷺ قال: "إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ." قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: "الرِّيَاءُ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِىَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ في الدُّنْيَا، فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً !" أخرجه أحمد. وقد سمَّى الرسولُ الرياءَ الشركَ الأصغرَ لأن الذي يعمل رياءً كأنه أشرك بالله تعالى. ففي ذلك دِلالةٌ على عُظم ذنب المُرائي. فهو من كبائر الذنوب وليس مما يخرج من الإسلام.
وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: قال الله تبارك وتعالى: "أنَا أغنَى الشُّرَكاءِ عن الشِّرْكِ. مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيه معِى غَيرِى تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ." رواه مسلم. أي أنا غنىٌّ عن أن يشاركني غيرِى ، فمن عمل عملًا لي ولغيرى لم أقبله منه، بل أتركه لذلك الغير. فلا يليق بالله أن يُشْرَكَ به.
https://www.islam.ms/ar/?p=332