المرأة في الإسلام: مكانتها وفضلها وإسهاماتها
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى ءاله وصحابته الأكرمين.
وبعد فإنه يطيبُ لنا أنْ نتحدثَ عن مكانة المرأة المؤمنة وفضلها وإسهاماتها في الإسلام، خاصةً ونحن في هذه الأيام التي خرج علينا فيها من أقوال الجهلاء ما لا يخرج من أفواه أبي جهلٍ وغيره أيام عداوتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، فمنهم من أنقصها حقها وظلمها، ومنهم من غلا فيها، والحقيقة أنهم يريدون أن يفترسوا المرأةَ، وكأنهم ذئابٌ وحشيةٌ، فلأجل ذلك أردنا في هذه الكلمات القادمة أنْ نبيِّن مكانتها وتكريم الإسلام لها، مقتصرين على
أمور مهمة، فنبتدأ مستعينين بالله، فنقول:
القرءانُ الكريم والسنةُ النبوية المطهرة يحُضَّان على معاملة المرأة بعدلٍ ورِفقٍ وعَطفٍ، وينهيان عن ظلمها والتعدي عليها وأكل مالها بغير رضاها ونحو ذلك. بينما في الجاهلية كان الرجل إذا بُشِّر ببنتٍ اسودَّ وجهُهُ، ثم عمد إلى دفنها وهي حيَّة، ولم يجعل لها نصيبا في المواريث، إلى ما هنالك من صور الجاهلية في هضم حقوق المرأة، إلى أن جاء النبي العربي الأمين سيدنا محمد عليه وعلى جميع إخوانه النبيين والمرسلين الصلاة والسلام، وأنزل الله تعالى عليه القرءان الكريم، فنشر التوحيد ومحى الشرك، وأمر بالعدل وأزال الظلم، وأمر بالإحسان وصلة الأرحام وأبطل القطيعة والجور والغصب، فعم عدله الجميع، بمن فيهم المرأة، أمّا كانت أو جدة أو زوجة أو بنتا أو أختا أو عمة أو خالة، أرملة كانت أو يتيمة، حرة كانت أو أمة.
وأمرها بالتكاليف الشرعية كما أمر الرجل إلا بما تختص به بما يلائم طبيعتها، فهي مأمورة مثله بالإيمان والطاعة، ولها جزاء في الآخرة، ولها حق أن تنصح وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعو إلى الله، ولها حق التملك، تبيع وتشتري، وترث، وتتصدق وتهب، ولا يجوز لأحد أن يأخذ مالها بغير رضاها، ولا يجوز أن يُعتدى عليها، ولا أن تُظلم، بل ولها حق التعلم والتعليم.
وخفف عنها صلى الله عليه وسلم ورحمها، وأوصى بها خيرا، وقال: اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا. رواه مسلم. وقال: خَيركُمْ خَيركُمْ لأَهله وَأَنا خَيركُمْ لأهلي. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. معناه أحسنكم هو أحسنكم معاملة لزوجته، وأنا أحسنكم معاملة لأزواجه، فقد كان صلى الله عليه وسلم يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ في خِدمةِ أهلهِ، وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ، ويَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَحْلِبُ شَاتَهُ. والنصوص القرءانية والحديثية على كل ما ذكرناه كثيرة ولسنا الآن بصدد سردها، بل يكفي أن في كتاب الله سورة كاملة تسمى سورة النساء.
ولا داعي الآن للاسترسال بذكر حال المرأة في المجتمعات الغربية. ونحن في غنى عن ذكر تلك الإحصاءات.
روى أحمد والنسائي وغيرهما أن أم سلمة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت للرسول صلى الله عليه وسلم: “ما لنا لا نُذكر في القرءان كما يذكر الرجال”، فنزل قوله تعالى من سورة الأحزاب: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (الأحزاب-35) ففي هذه الآية حكم بالمساواة في التعبد للرجال والنساء، أعمالا وأحوالا، إلا ما خص، وكذلك ما يتعلق بثمرة التعبد، وهي المغفرة والأجر العظيم.
وبهذا الحكم لا تحتاج النساء المسلمات إلى من يتكلف الدفاع عنهن في هذا الأمر.
أما الواقع التاريخي الذي عاشته كثير من النساء فمسئوليته على البشر الفاعلين، وكل نقص أو تنقيص فيه مرده إما إلى القصور في فهم ما ورد من النصوص أو إلى عادات وتقاليد ليست من الإسلام. لا شك أن الكلام عن النساء في وقتنا الحاضر يدور حول الحقوق، فما هي الحقوق التي منحها إياها الإسلام ؟ يشترك الرجال والنساء في الإنعام الإلهي، وفي التأهيل للمقامات الدينية على الوجه الذي بيناه آنفا. أما الوجوه التي يشتركان فيها في أمور الحياة فتتجلى في المسئولية، وفي ممارسة العمل المهني، وفي حق طلب العلم، وفي العمل المنزلي، وفي المشاركة في المناسبات العامة، ونحو ذلك. أما بالنسبة للإرث ففيه حالات متعددة، حالات ترث فيها المرأة أقل من الرجل، وحالات ترث فيها مثل ما يرث، وترث أكثر من الرجل في حالات، وترث في حالات لا يرث فيها الرجل قط. وإسهام المرأة غالبا مثل إسهام الرجال تلقيا وفهما وتحليا وتعبيرا وإعطاء النماذج للآخرين. فالنساء المذكورات في القرءان مع الأنبياء أسهمن بعطائهن. فهؤلاء صنف ممن سنذكرهن، والنساء من أهل البيت صنف، والصحابيات صنف ثالث.
فمن الصنف الأول سارة زوجة إبراهيم، أول من آمن بشريعته. قاومت إغراء ذاك الملك الجبار، ورزقت بإسحاق وهي طاعنة السن.
ثم هاجر سريته، وهي أم إسماعيل، فقد ألهمت سعيا يشكل إلى اليوم أحد مشاعر الحج والعمرة، وبتضرعها نبع ماء زمزم، وصبرت لحكم الله لما كاد أن يذبح الصبي.
ثم صفوراء بنت شعيب، التي تزوجها موسى، وقبل موسى مهرا لها أن يخدم أباها عشر سنين، وهاجرت معه.
ثم بلقيس ملكة اليمن، صاحبة مشاريع العمران وأول من أقام البرلمان، وصل خبرها إلى معاصرها النبي سليمان، فوفدت عليه، ولما كانت منصفة عادلة قالت إني أسلمت مع سليمان لرب العالمين.
ثم زليخا امرأة عزيز مصر. وقد عاشت متأثرة الإحساس بالجمال، سيما إذا كان مثل جمال يوسف عليه السلام، وقد نص القرءان الكريم على براءة يوسف وعفته، وأخبرنا أنها قالت: الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ.
ثم مريم بنت عمران، أم عيسى المسيح عليه السلام. حملت به من غير نطفة، وقصتها في سورة مباركة من القرءان الكريم سميت باسمها تشريفا لها.
إن قصص هؤلاء النساء لها حضور في الأدبيات الدينية على نطاق واسع، وذلك لما لها من رمزية وما فيها من عبر أخلاقية وقيم جمالية.
أما نساء بيت النبوة فنذكر منهن خمسا:
والدته آمنة بنت وهب، عرف عنها ترددها في الصغر مع أبيها على الحرم بمكة، ولم يقض الزوج مع آمنة العروس سوى أيام معدودة حملت أثناءها بمحمد، ثم سافر في ركب من التجار بعيدا في رحلة لم يأت منها سوى خبر وفاته. فكل حدث في هذا المصير ينطق ببعده الروحاني البليغ.
خديجة بنت خويلد، ذات العفة والمال والأعمال، فقد رغبت في سيدنا محمد لأمانته، وكانت تكبره في السن. ولد له منها، وسمعت بشائره، وحضرت نزول الوحي عليه بهيبته، ونصرته، وكانت أول من آمن به، وثبتته وثوقا به وهي تقول: “والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكلَّ وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق”.
عائشة بنت أبي بكر، أصغر من تزوج، وأعز من أحب، تعرضت للمحنة ونزل في براءتها قرءان، واسته في هجرته، روي عنها الكثير من هدي الدين وأحكامه، وما أعظم ما قالت بعد تحققها من حقيقته: ” كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْءانَ “. أي كان مُتُمسّكاً بآدابه وأوامره ونَواهيه، وما يَشْتَمل عليه من المَكارم والمَحاسن والألْطاف.
زينب بنت جحش، بنت عمة الرسول صلى الله عليه السلام، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ” وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً خَيْرًا مِنْهَا وَأَكْثَرَ صَدَقَةً وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ وَأَبْذَلَ لِنَفْسِهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ زَيْنَبَ“.
فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. شملتها الآيات التي نزلت في آل البيت المطهرين. تزوجها علي ولم يكن يملك شيئا من متاع الحياة، واقتضت حكمة الله أن تكون الأصل المباشر في الحبل الذي امتد من النسب الشريف بين الناس، وكفاها بذلك فضلا وشرفا. وفي صحيحي البخاري ومسلم أن الرسول قال لها: “يَا فَاطِمَةُ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ“. وفي صحيح البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ”فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي“.
أما الصحابيات فنكتفي بذكر أربعة منهن تجمع بينهن مسائل تتعلق بالحقوق:
أسماء بنت أبي بكر وَتُعْرَفُ بِذَاتِ النِّطَاقَيْنِ: اشتكت شدة الرجل فنصحت بالصبر، وكانت تقول لبناتها: “أنفقن ولا تنتظرن الفضل”، وكانت تقول لولدها المضطهد عبد الله: “عش كريما ومت كريما”.
خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ: اشتكت إلى الرسول ظلم زوج طلقها بظهار الجاهلية الذي يحرمها الحقوق، فنزل فيها قوله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ (المجادلة 1) فكانت شكواها سببا في إلغاء ذلك النوع من الطلاق.
أمة عبد الله بن رواحة: كانت سوداء فأمر رسول الله سيدها بعتقها والتزوج منها، فقال ناس من المسلمين: نكح أَمَة، فنزل: وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ (البقرة-219)
أم سليم: أسلمت، ولما أراد أبو طلحة أن يتزوجها اشترطت عليه الإسلام، فكان ذلك مهرها.
وعلى هذا النهج سار الكثيرات من نساء هذه الأمة في المجاهدة في العبادة، والزهد في الدنيا، وتربية النفس، والحرص على الكسب الحلال، والإنفاق، والحكمة المتصلة بالذوق في المعرفة، ونحو ذلك. كالسيدة الجليلة رابعة العدوية الشهيرة التي لا يتسع الوقت للكلام عن تأثيرها في الغرب، ونكتفي بالإشارة إلى أن الأمير لوي دو فرانس ابن لويس الرابع عشر كان يتوجه للتأمل في حكمة رابعة العدوية على غرار ما كان يفعله جده سانت لويس. وكالسيدة لبابة العابدة وهي من أهل الشام، والسيدة أنيسة بنت عمر، والسيدة أم الفضل الوهيطية، والسيدة أم علي بن حمشاذ، ونحوهن كثير.
وقد بهرت روحانية هؤلاء النساء أساتيذ العصر في الرقائق، فقد كان سفيان الثوري يسمي رابعة بالمؤدبة، وكان ذو النون المصري يقول عن فاطمة النيسابورية إنها أستاذته، وكان أبو سليمان الداراني يقول عن أم هارون الدمشقية: ما كنت أرى أن يكون بالشام مثل أم هارون، وأثنى الجنيد والنوري على فاطمة الملقبة بزيتونة، وقال أحمد بن حنبل: من أحب أن يعرف بعده عن سبيل الورعين فليدخل على زبدة ومضغة أختي بشر الحافي ويسمع من مسائلهما ويبصر طريقتهما. حتى إن كثيرا من رجال أهل العلم بمختلف الفنون تتلمذوا على أيدي نساء فقيهات عالمات محدثات، ودونوا ذلك في تراجمهم بكل اعتزاز. ولا ننسى النساء الواردة أسماؤهن في التاريخ على توالي العصور وما قمن به من بناء المرافق والجوامع والمدارس وما وقفنه من الأوقاف على مختلف الأغراض الروحانية النافعة واللواتي قدمن للمجتمعات بناء المؤسسات والمراكز وتطوير المشاريع، وساهمن ببراعة في أمور الطب والهندسة والتعليم ونحو ذلك، ووصلن إلى مراكز ومناصب مرموقة مشرفة.
فهذه رُفَيْدَةُ الأنصارية رضي الله عنها صاحبة الخيمة الطبية الأولى في الإسلام كان عندها مستشفى ميداني لعلاج المرضى والمصابين بجروح، ودبرت فريقًا من الممرضات لرعاية المرضى ليلاً ونهارًا. وكانت تنفق على عملها هذا من حُرِّ مالها.
ومن النساء اللواتي برعن بالكتابة والطب الشفاء بنت عبد الله التي كانت تكتب في الجاهلية، ومنهن أيضًا السيدة حفصة أم المؤمنين التي تعلمت من الشفاء الخط والكتابة، والسيدة سكينة رضي الله عنها كان لها دور عظيم في المجتمع كان لها فى ميادين العلم والمعرفة والأدب ومساعدة الفقراء وكتابة الشعر شأن كبير وفى الثلث الأخير من حياتها كان أكثر اهتمامها تعليم المسلمين . ونجد المئات من النساء المبجلات اللائي عرف أهل الإسلام لهن قدرا في الروحانية فبنوا على قبورهن قباب المزارات، ولو وقع البحث عن مثيلاتهن لتحصل من البحث أسماء الآلاف ممن حفظتهن الذاكرة القريبة.
وأما التخوف الحالي من تقدم النساء والرجال عموما في المجالات الدينية هو من:
غلبة الانشغال بمشاكل العيش والتعايش دون استحضار الهدف والمعنى، والتوجه إلى تهميش تعلم أحكام الدين في زاوية الحياة الفردية، وضعف حصيلة التقدم بالنسبة لأمن العباد والبلاد، وارتفاع الأصوات بضرورة مراجعة نظام العيش السائد، وحيرة المسلمين في ذيل النظام المذكور بين فقر فكري عاجز عن استيعاب العصر وبين مقتضيات الانتماء إلى منظومة الإسلام المتكاملة، وانبعاث متطرفين في بلاد المسلمين جلبوا النظر إلى الدين بفهم مقلوب، فبدل أن يكون إيثار الآخرة مقترنا بالاعتدال في الأولى صار مرتبطا عند هؤلاء بالتهور والانتحار.
هذا من الجانب الديني، أما لو نظرت في الجانب الدنيوي من حيث جانب حياة النساء بالخصوص في هذا العصر، فتجد:
إرهاق النساء بمتطلبات مادية مظهرية بعيدة عن الترقي في كماليات العبودية، وقيام حركات تدعي أنها حقوقية، بعضها لها مطالب محقة، والبعض الآخر غلا فيما يطلب، إلى أن صارت المرأة سلعة أو ماركة لترويج دعارة أو بضاعة أو فيلم، إلى أن طالبوا بما يسمى زواج المثلين تحت شعار الحرية ونيل الحقوق. ولا يخفى ما يترتب بسبب هذا على المجتمع من فساد وتشرذم.
وبالرغم من الرصد السلبي المذكور، لكنه يلوح في الأفق توجه إلى القيم الدينية بين الناس، بتفعيل العطاء ومنهج التزكية، ولعل أفق إسهام النساء في هذا يستند إلى عدد من العناصر الموضوعية منها:
الدور الروحاني الأساسي المتمثل في الأمومة وهي العطاء العظيم، والذي وإن اشتركت فيه جميع الإناث فإنه يختلف إذا استند إلى الأمانة الشرعية، ومن هنا نجده مقترنا ببعده الديني فيما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “الجنة تحت أقدام الأمهات” أي سبب لدخول الجنة. والدور الأساسي للأمهات في التنشئة على الممارسة الذاتية للتزكية، أي على محاسبة النفس، ممزوجة بالحنو الذي يتسرب إلى الفطرة ويصوغ الوجدان.
دور المرأة ومسئوليتها في تصور جهاز معيشة مبنية على الرفق بدل الإرهاق والتكلف، وبهذا الصدد نذكر عن إحدى عارفات القرن الرابع واسمها نسيبة بنت سليمان أنها قالت لزوجها: “إن الله سائلك عني، لا تطعمني إلا حلالا، ولا تمد يدك إلى ما فيه شبهة بسببي”. دور النساء في حماية وصيانة الجمال النفسي الذي يتطلب التحرر من منافسة جهنمية في المظاهر يسعرها حب الغرور والشهرة. دور المرأة في كل مجال يمكنها أن تقوم به لتقدم المجتمعات ورقيها. ويمكن أن نعطي لكل ما ذكر عنوانا عاما هو الدور المطلوب من المرأة في تنمية الصحة الروحية، ومن خلال هذه التنمية تحرير نفسها وتحرير الرجل بالتبعية، ومع هذا التحرر يصبح للإشكاليات الحالية مدخلا للحل الحقيقي لرد الظلم والقمع الواقع على المراة من قبل تصرفات بعض الأفراد أو عادات بعض المجتمعات، لا من قبل الإسلام، لأن الإسلام أكرمها وأنصفها.
فالذي جرى عليه اهتمام الناس إلى الآن هو الصحة البدنية والصحة العقلية، أما الصحة النفسية أي القوة المسماة بالنفس في القرءان فلها ثلاثة تجليات، فهي إما أمارة بالسوء، وهذه حالة المرض، وإما لوامة، وهذه حالة تشخيص الداء والشروع في الدواء، وإما مطمئنة، وهذه هي حالة الصحة المرتجاة، وبقدر ما تؤدي التزكية إلى تحرر النفس من المؤثرات الخارجية أي الأغيار والتعلقات المادية بما فيها حب الظهور والسعي إلى الشهرة، بقدر ما تتأهل هذه الإنسانية لاستشراف الصحة الروحانية المطلوبة.
إن الظروف اليوم مناسبة للتبشير بهذه الصحة الروحية على أيدي النساء لتدارك ارتباك الكثير من الرجال في تحقيق حياة سلم للناس، والاستثمار في هذه الصحة الروحية مربح لما ينتظر منها من الوقاية من نسبة كبيرة من الأمراض الكبرى المتمثلة في الحروب والأزمات والتوترات، ومن الأمراض الشخصية في الأبدان والعقول والسلوك، وبتوسيع اتقاء شح النفوس على صعيد الفرد والجماعة تتحقق حرية هذه الصحة الروحية، ومن شروطها تحرير مفهوم التوحيد من فهم المحرفين الذي يتهمون الأمة بالشرك ويهدمون المزارات تحت دعوى المحافظة على التوحيد، والحالة أن مفهوم التوحيد الخالص الاعتقاد الجازم في الله أنه موجود لا يشبه الموجودات، وأنه خالق كل شىء، ولا يحتاج إلى شيء من خلقه، ولا أحد يستحق العبادة سواه، وأن من ثمرات هذا المفهوم الذي ينبغي أن يترسخ في الأذهان، الحرية إزاء ثلاث سلطات، سلطة النفس وسلطة الآخر إذا كان ظالما، وسلطة التملكات إذا وقع نسيان المنعم بها.
والصحة الروحية بالمفهوم الذي تصورناه تتوقف عليها سعادة النساء والرجال على السواء، ولكن ينبغي الاستعجال بالعمل على هذا التوجه عبر هذه الأمور:
أولها: التزكية عن طريق المؤسسات، أي الإصلاح السياسي، لأن إعطاء كل ذي حق حقه، ومحاربة الفساد بكل مظاهره، أمور تدخل في باب التطهير الذي هو مرادف للتزكية.
ثانيها: توجه العلماء والعالمات بالعناية بمكارم الأخلاق والأبعاد الروحية كقيامهم على شئون فقه العبادات والمعاملات، مع أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ومكافحة التطرف البغيض، فبالعلم نحارب الجهل، وبالاعتدال نكافح التطرف البغيض، وبالوسطية نحصن المجتمع، وبالرحمة نتصدى للعنف الممقوت. وذلك ببلورة برامج للوقاية والتنمية الروحيتين يكون للنساء دور مركزي فيهما.
ثالثا: الإصلاح في ميدان التعليم الديني، وهو إصلاح من شأنه أن يسهم في تقوية هذه الصحة الروحانية إذا انتظمت عناصره حول مفهوم التوحيد بأبعاده التزكوية التي رعاها الصالحون من هذه الأمة.
وكخلاصة، فإن الله تعالى اسمه السلام، وهو سبحانه الذي ارتضى لعباده دين الإسلام، وهذا الدين يحث على العطاء بلا مقابل أو العطاء بالمقابل العادل، وضده الشح الذي نترجمه في وقتنا بشتى مظاهر الأنانية، أي الأخذ بلا عطاء، أو الأخذ مقابل عطاء مجحف، وهذا السلوك هو من أسباب جميع الحروب. وقد أسهمت النساء في أمة الإسلام بالعطاء العظيم كأمهات، وكمدبرات للحياة المادية والعاطفية والروحية للأسر كما أسهمن في كل المجالات المتاحة لهن سواء وصل إلينا الخبر بها أو لم يصل، وأمام مشاكل الحاضر ينتظر منهن الاستمرار في تضحيتهن، وأن يعملن بمرجعية التزكية وعدم إيثار الدنيا على الآخرة من أجل إسعاد أنفسهن وإسعاد الرجال وإنقاذ الناس الذين توقد نار حروبهم ولا سيما من لدن من يستعملون المرأة في الفتنة والإغواء ويحاولون دفعها إلى أنانية لا إلى سلم وعطاء. وصدق الله العظيم إذ يقول: فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى، وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى (الليل من 05 إلى 10)
https://www.islam.ms/ar/?p=592