كتاب مختصر سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين
كتاب مختصر سِيَرة النَّبِيِّ وَسِيرَة أصْحَابِهِ العَشَرَة
تأليف الإمَام المحدِّث عَبْد الغَنيّ بن عَبْد الوَاحِدِ الـمقْدسِيِّ
بسم الله الرّحمن الرّحيم
وبه ثقتي
قال الشيخُ الإمامُ الحَبْرُ الحافظُ أبو محمد، عبدُ الغنيِّ بنُ عبد الواحد المقدسيُ رضي الله عنه وأرضاه: الحمدُ لله خالقِ الأرض والسماء، وجَاعِلِ النور والظَّلْماء، وجامِعِ الخَلْق لفَصْل القَضَاء، لفَوز المحسنين، وشِقْوة أهل الشَّقَاء. وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، شهادةً يَسْعد بها قائلُها يوم الجزاء. وصلى الله على سيِّد المرسلين والأنبياءِ، محمدٍ وآلهِ وصحبهِ النُّجَبَاءِ. وبعد:
فهذِهِ جُملةٌ مختصرٌ من أحوال سيِّدنا ونبيِّنا، المصطفى محمدٍ صلى الله عليه وسلَّم، لا يَستغني عنها أحدٌ من المسلمين، نفعنا اللهُ بها مَنْ قرأها وسمِعَها.
نسبهُ صلى الله عليه وسلَّم
فنبدأ بنسبه:
فهو: أبو القَاسِم، محمدُ بنُ عبدِ الله بنِ عبدِ المطَّلِب بنِ هاشم بنِ عبدِ مَنَاف بنِ قُصَي بنِ كِلاب بنِ مُرَّة بنِ كَعْبِ بنِ لؤَيِّ بنِ غالب ابنِ فهْرِ بنِ مالكِ بنِ النَّضْر بنِ كنانَةَ بنِ خُزَيمَةَ بنِ مُدْركَةَ بنِ إلياسَ ابنِ مُضَرَ بنِ نِزارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدْنان بنِ أُددِ بنِ المُقَوَّم بنِ ناحور ابنِ تَيْرَح بنِ يَعْرُبَ بنِ يَشْجُبَ بنِ نابت بنِ إسماعيلَ بنِ إبراهيم (خليلِ الرحمن) بنِ تَارح (وهو آزَرُ ) بنِ ناحور بنِ ساروع بنِ راعو بنِ فَالَخَ بنِ عَيْبر بنِ شَالَخ بنِ أرْفَخْشَدَ بنِ سَام بنِ نُوح بنِ لامك بنِ مَتوشَلخَ بنِ أَخنوخ وهو إدريس النبيُّ فيمَا يَزْعمون، وهو أولُ بني ءادَمَ، أُعْطِي النبوَّة، وخطَّ بالقَلَم- بنِ يَرْدِ بنِ مَهليل بنِ قَيْنَنِ ابنِ يانَشَ بنِ شيثِ بن ءادَمَ صلى الله عليه وسلَّم. هذا النَّسَب ذَكَره محمَّدُ بنُ إسْحاقَ بنِ يَسَار المدنيُّ في إحدى الرواياتِ عنه.
وإلى عدنانَ مُتَّفقٌ على صِحَّتِهِ من غير اختلافٍ فيه، وما بعدَه مختلفٌ فيه.
وقريش: ابْنُ فِهْر بنِ مالكٍ، وقيلَ: النَّضر بن كِنَانَة.
أمهُ صلى الله عليه وسلم
وأمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ءامِنةُ بنتُ وَهْبِ بن عبد مَناف بنِ زُهرَةَ بنِ كلاب بنِ مُرَّة بن كَعْبِ بنِ لُؤيِّ بنِ غالبٍ.
ولادتُه صلى الله عليه وسلم
ووُلِدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، بمكَّة عامَ الفيل، في شهر ربيعٍ الأول، لِليلتينِ خَلَتا منه، يومَ الاثنينِ.
وقالَ بعضُهم: بعد الفيل بثلاثينَ عامًا.
وقالَ بعضُهم: بأربعينَ عامًا.
والصَّحيحُ: أنَّهُ وُلِدَ عامَ الفِيلِ.
وفاةُ والدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمِه وجدِه
وماتَ أبوه عبدُ الله بنُ عبد المطَّلبِ، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد أتى له ثمانية وعشرونَ شهرًا.
وقالَ بعضُهم: ماتَ أبُوه وهو ابنُ سبعة أشهرٍ.
وقالَ بعضُهم: ماتَ أبُوه في دَارِ النَّابغة وهو حَمْلٌ. (في بعض النسخ التابعة وهذا وارد والنابغة وارد أيضًا).
وقيلَ: ماتَ بالأبْواءِ بين مكةَ والمدينةِ.
قالَ أبُو عبد الله الزُّبيرُ بن بَكَّار الزُّبيريُّ: تُوفِّي عبدُ الله بنُ عبد المطلب بالمدينةِ ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابنُ شهرينِ.
وماتَتْ أُمُّهُ وهو ابنُ أربع سنينَ، وماتَ جدُّه عبدُ المطَّلبِ وهو ابنُ ثمان سنينَ. وقيلَ: ماتتْ أُمُّهُ وهو ابنُ ستِّ سِنينَ.
رضاعه صلى الله عليه وسلم
وأرضعته صلى الله عليه وسلم: ثُوَيْبةُ جاريةُ أبي لَهَبٍ.
وأرْضَعتْ معه حمزةَ بنَ عبد المطَّلب، وأبا سَلَمةَ عبدَ الله بنَ عبد الأسد المخزوميَّ.
أرضَعتهم بلبنِ ابنِهَا مَسْرُوح.
وأرضعته: حليمةُ بنتُ أبي ذُؤيبٍ السَّعْديَّة.
فصل في أسمائه صلى الله عليه وسلم
رَوَى جُبَيرُ بنُ مُطْعم قالَ: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني محمَّدٌ، وأنا أحمدُ، وأنا الماحِي الذي يَمْحو اللهُ بي الكفرَ، وأنا الحاشرُ الذي حَشَرَ الناس، وأنا العاقِبُ الذي ليس بعدي نبي"، صحيحٌ متفقٌ عليه.
ورَوَى أبو موسى عبدُ الله بنُ قيس، قال: سَمَّى لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نفسَه أسماء، منها ما حَفِظنا، فقالَ: "أنا محمدٌ، وأنا أحمدُ، والمقفِّي، ونبيُّ التوبة، ونبيُّ الرحمةِ".
وفي روايةٍ: "ونبيُّ الملحَمة"، وهي الـمَقْتلةُ. صحيحٌ، رواه مسلمٌ.
ورَوَى جابرُ بنُ عبد الله قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أحمدُ، وأنا محمدٌ، وأنا الحاشُر، وأنا الماحِي الذي يمحو الله بيَ الكفرَ، فإذا كانَ يومَ القيامةِ لواءُ الحَمْد معي، وكنتُ إمامَ المرسلينَ، وصاحبَ شفاعتهِمْ".
وسمَّاه الله عز وجل في كتابه العزيز:
﴿بشيرًا ونذيرًا﴾ [سورة البقرة/ 119].
و﴿رَءُوفٌ﴾ [سورة التوبة / 128].
و﴿رحيمٌ﴾ [سورة التوبة / 128].
و﴿رحمةً للعالمينَ﴾ [سورة التوبة / 107].
نشأته صلى الله عليه وسلم بمكةَ، وخروجه مع عمِّه أبي طالب إلى الشام، وزواجه بخديجة
ونَشَأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يتيمًا يَكْفلُهُ جدُّه عبدُ المطَّلب، وبعده عمُّه أبو طالب بنُ عبد المطَّلب.
وَطَهَّره الله عز وجل من دَنَس الجاهلية، ومن كلِّ عيبٍ، ومَنَحه كل خُلُقٍ جميلٍ، حتى لم يكنْ يُعرَف بينَ قومه إلا بالأمينِ، لِمَا شَاهَدوا من أمانتِهِ، وصِدْقِ حديثِهِ، وطهارتِهِ.
فلمَّا بَلَغ اثنتيْ عَشْرة سنةً، خَرَج مع عمِّه أبي طالبٍ إلى الشام حتى بَلَغ بُصرَى، فرآه بَحِيرا الراهب، فعَرَفه بصفتِهِ.
فَجَاءَ وأخَذ بيدِهِ، وقالَ: هذا سيدُ العالمينَ، هذا رسولُ ربِّ العالمينَ، هذا يبعثُهُ الله رحمةً للعالمينَ.
فقيلَ له: وما عِلْمُكَ بذلكَ ؟ قال: إنكم حين أقبلتُمْ مِنَ العَقَبة لم يَبْقَ شجرةٌ ولا حجرٌ إلا خرَّ ساجدًا، ولا يَسْجدونَ إلا لنبيٍّ، وإنَّا نَجِدُهُ في كُتُبنا، وسألَ أبَا طالبٍ، فَردَّه خوفًا عليه من اليهود.
ثم خَرَج ثانيًا إلى الشام مَعَ مَيْسَرة غُلام خديجةَ رضي الله عنه في تجارةٍ لها قبلَ أن يتزوَّجها، حتى بلغَ إلى سوق بُصْرَى، فبَاعَ تجارتَه. فلمَّا بَلَغ خمسًا وعِشرينَ سنة تزوَّج خديجةَ رضي الله عنها.
ابتداءُ الوحي
فلمَّا بَلَغ أربعينَ سنةً اختَصَّه الله بكرامتِهِ، وابتعَثه برسالتِهِ. أتاهُ جبريلُ عليه السلام وهو بغَارِ حِرَاء (جَبَلٌ بمكة)، فأقامَ بمكَّة ثلاثَ عشرةَ سنةً.
وقيلَ: خمسَ عشرةَ. وقيلَ: عشرًا.
والصحيحُ الأولُ.
وكانَ يُصلِّي إلى بيتِ المقْدسِ مدةَ إقامتِهِ بمكَّة، ولا يَسْتدبرُ الكعبةَ، ويَجْعلها بينَ يَدَيه.
وصلى إلى بيتِ المقدس أيضًا بعد قُدُومِهِ المدينةَ سبعةَ عشرَ شهرًا، أو ستةَ عَشَر شهرًا.
هجرتُه صلى الله عليه وسلم
ثمَّ هَاجَر إلى المدينةِ، ومعه أبو بكرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنه ومولى أبي بكرٍ عَامِرُ بنُ فُهيرة.
ودليلُهمْ عبدُ الله بن الأُرَيْقِطِ الليثي، وهو كافرٌ، ولم يُعْرف له إسلامٌ.
وأقامَ بالمدينةِ عَشْرَ سنينَ.
وفاتُه صلى الله عليه وسلم
وتُوُفِّيَ وهو ابنُ ثَلاثٍ وستينَ.
وقيلَ: خمسٍ وستينَ. وقيلَ: ستينَ، والأولُ أصحُّ.
وتوفيَ صلى الله عليه وسلم يومَ الاثنينِ حينَ اشتدَّ الضُّحَى، لاثْنتَي عَشْرة ليلةً خَلَتْ من شهر ربيعٍ الأوَّل.
وقيل: لِلَيلتينِ خَلَتا منه، وقيلَ: لاستِهلالِ شهر ربيعٍ الأوَّل.
وَدُفِنَ ليلةَ الأربعاء، وقيلَ: ليلةَ الثلاثاءِ.
وكانت مدة عِلَّتِهِ اثْنَي عَشَر يومًا، وقيلَ: أربعةَ عَشَر يومًا.
وغَسَّلَه عليُّ بنُ أبي طالبٍ، وعَمُّه العبَّاس، والفَضْلُ بن العبَّاس، وقُثَم بن العبَّاس، وأُسَامَة بن زَيْدٍ، وشُقران مَوْلَيَاه، وحَضَرهُم أوْس بن خوليِّ الأنصاريُّ.
وكُفِّنَ في ثلاثة أثوابٍ بِيضٍ سَحُوليَّةٍ ( بَلْدة باليَمَن) ليسَ فيها قميصٌ، ولا عمامةٌ.
وصَلَّى عليه المسلمونَ أفْذاذًا، لم يؤُمَّهمْ عليه أحدٌ.
وَفُرِشَ تحته قطيفةٌ حمراء كان يَتغطَّى بها .
ودَخَل قبرَه العباسُ، وعليٌّ، والفَضلُ، وقُثَم، وشقْران، وأُطْبِقَ عليه تسعُ لَبِناتٍ.
ودُفِنَ في الموضع الذي توفَّاه الله فيه حول فِراشِهِ.
وحُفِرَ له وأُلحِدَ في بيته الذي كان بيتَ عائشة.
ثم دُفِنَ معه أبو بكرٍ وعمرُ رضي الله عنهما.
فصل في أولاده صلى الله عليه وسلم
وله صلى الله عليه وسلم من البنينَ ثلاثةٌ:
القاسم: وبهِ كان يُكْنى، وُلِدَ بمكة قبلَ النُّبوَّةِ، وماتَ بها وهو ابنُ سنتين. وقالَ قَتادةُ: عاشَ حتى مَشَى.
وعبدُ الله: ويُسمَّى الطَّيِّبَ والطاهرَ، لأنه وُلِدَ في الإسلامِ.
وقيلَ: إنَّ الطاهرَ والطيِّبَ غيرُهُ، والصحيحُ الأولُ.
وإبراهيم عليه السلام: وُلِدَ بالمدينةِ، وماتَ بها سنةَ عَشْرٍ، وهو ابنُ سبعةَ عشرَ شهرًا، أو ثمانيةَ عَشرَ.
(ليس صحيحًا أن له ابن يسمى عبد العزى. قول باطل غير صحيح).
البنات:
زينبُ: تزوَّجها أبو العاص بنُ الربيع بن عبد العُزَّى بن عبد شمسٍ، وهو ابنُ خالَتها، وأُمُّهُ هالة بنت خُوَيْلد.
وَلَدت له عليًا (ماتَ صغيرًا) ، وأُمَامَةَ التي حَمَلها النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وبلغتْ حتى تزوَّجها عليٌّ بعد موتِ فاطمةَ.
وفاطمة: بنتُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، تزوَّجها عليُّ بن أبي طالب، فوَلَدتْ له الحَسَنَ والحُسَينَ، ومُحسِنًا (ماتَ صغيرًا)، وأمَّ كُلْثوم، تزوَّجها عُمَرُ بنُ الخطاب، وزينب تزوَّجها عبدُ الله بن جعفر بن أبي طالبٍ.
ورُقيَّة: بنتُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، تزوَّجها عثمان بن عفان، فماتتْ عندَه، ثمَّ تزوج أمَّ كُلْثوم، فماتَتْ عنده.
ووَلَدتْ رُقيَّة ابنًا، فسمَّاه عبدَ الله ، وبه كانَ يُكْنى.
فالبناتُ أربعٌ بلا خلافٍ.
والصحيحُ في البنين: أنهمْ ثلاثةٌ.
وأول من وُلد له:
القاسمُ، ثم زينبُ، ثم رقيَّة، ثم فاطمة، ثم أُمُّ كُلْثوم، ثم في الإسلامِ: عبد الله، ثم إبراهيم بالمدينةِ.
وأولادُهُ كلُّهم من خديجةَ إلا إبراهيمَ، فإنه من مَاريَة القِبطيَّة.
وكُلُّهم ماتوا قبله إلا فاطمةَ، فإنها عاشتْ بعده ستةَ أشهرٍ.
فصل في حجِّه وعُمَرِهِ صلى الله عليه وسلم
رَوَى هَمَّام بنُ يَحيى، عن قَتادةَ، قالَ: قلتُ لأنَسٍ: كمْ حَجَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من حَجَّةٍ ؟ قال: حجةً واحدةً، واعْتَمر أربعَ عُمَراتٍ: عُمرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم حين صدَّه المشركونَ عن البيتِ، والعُمْرة الثانية حيثُ صالَحُوه من العامِ المقبلِ، وعُمْرة من الجَعِرَّانَةَ حيثُ قَسَم غنيمةَ حُنَين في ذي القَعْدة، وعُمْرته مع حَجَّتِهِ. صحيحٌ، متفقٌ عليه.
هذا بعد قدومِهِ المدينةَ، وأما ما حجَّ بمكة واعتمر فلم يُحْفَظْ.
والذي حَجَّ حجةُ الوَدَاع، ودَّع الناسَ فيها، وقال: " عَسَى ألا تَرَوْني بعد عامِي هذا ".
فصلٌ في غزواته
غَزَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بنفسِه خمسًا وعِشرينَ غزوةً -هذا هو المشهورُ- قالَه محمد بنُ إسحاقَ، وأبو مَعْشر، وموسى بن عُقْبة، وغيرُهم.
وقيلَ: غزا سبعًا وعِشرينَ.
والبُعُوثُ والسرايا خمسونَ، أو نحوها.
ولم يُقَاتل إلا في تسعٍ: بدرٍ، وأُحُد، والخَنْدق، وبني قُريظة والـمُصطَلِق، وخَيْبر، وفتح مكة، وحُنَين، والطائف.
وقد قيلَ: إنه قاتلَ بوادي القُرَى، وفي الغابة، وبني النَّضِيرِ.
فصل في كُتَّابه ورسله
كتب له صلى الله عليه وسلم:
أبو بَكْرٍ الصِّدِّيق، وعُمَر بنُ الخَطَّاب، وعُثمانُ بن عَفَّان، وعليُّ بنُ أبي طالبٍ، وعامرُ بن فُهَيرة، وعبد الله بنُ الأَرْقم الزُّهريُّ، وأُبيُّ بنُ كعبٍ، وثابتُ بن قَيْس بنِ شَمَّاس، وخالدُ بنُ سعيد بنِ العاص، وحَنْظلةُ بن الربيع الأسَديُّ، وزَيْد بن ثابتٍ، ومعاويةُ بن أبي سُفْيانَ، وشُرَحبيلُ بنُ حَسَنة.
وكان معاويةُ بن أبي سفيان، وزيدُ بن ثابتٍ ألزَمَهم لذلكَ وأخصَّهم به.
وبعثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عَمْرو بنَ أُميَّة الضَّمري رسولا إلى النَّجاشيِّ، واسمُهُ: أصحمة -ومعناه: عَطِيَّة- فأخذ كتابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووَضَعه على عينيه، ونَزلَ عن سريرِه، فجَلَس على الأرض، وأسْلَم، وحَسُنَ إسلامُهُ، إلا أنَّ إسلامَهُ كانَ عندَ حضورِ جَعفر بن أبي طالبٍ وأصحابِهِ.
وصَحَّ أنَّ النبيَّ صلَّى عليه يومَ مات، ورُوِيَ أنه كان لا يزالُ يُرَى النورُ على قبرهِ.
وبَعَثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم دِحْيةَ بن خليفةَ الكلبيَّ إلى قيصرَ مَلِكِ الروم، واسمُهُ هِرَقل.
فسألَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وثَبتَ عندَهُ صِحَّةُ نبوَّته، فهمَّ بالإسلامِ، فلم تُوَافقه الروم، وخَافَهم على مُلْكه فأمْسَك.
وبَعَثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بنَ حُذاقَةَ السَّهميَّ إلى كِسْرَى مَلِكِ فارس، فمزَّق كتابَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم : "مَزَّقَ الله مُلْكَه"، فَمَزَّقَ الله مُلْكَهُ ومُلْكَ قَومِهِ.
وبَعَثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حاطِبَ بنَ أبي بَلْتَعَةَ اللَّخْميَ إلى الـمُقَوْقِس مَلِكِ الإسكندرية ومصر، فقالَ خيرًا، وقاربَ الأمر، ولم يُسْلِمْ، فأهْدَى إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ماريَةَ القبطيَّة وأُخْتَها سيرين، فوهَبها لحسَّانَ بن ثابتٍ، فَولَدتْ له عبدَ الرَّحمنِ بنَ حَسَّانَ.
وبَعَثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَمْروَ بن العاص إلى مَلِكَي عُمَان جَيفَرَ وعبدٍ ابْنَيْ الجُلَنْدي، وهما من الأَزْدِ، والملك جَيْفَر، فأسْلَما وصَدَّقا، وخلَّيا بين عمرو وبينَ الصدقةِ والحُكْمِ فيما بينهُم، فلم يَزَلْ عندهُم حتى تُوفِّي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
وبَعَثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سَلِيطَ بن عمروِ بنِ العامريِّ إلى اليَمَامةِ إلى هَوْذة بن عليٍّ الحنفيِّ، (نسبة إلى بني حنيفة) فأكرَمه وأنْزلَه، وكتَب إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ما أحْسَنَ ما تدعو إليه وأجملهُ، وأنا خطيبُ قومي وشاعِرُهُمْ، فاجعَلْ لي بعضَ الأمر، فأبى النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ولم يُسْلِمْ، وماتَ زَمَن الفَتْحِ.
وبَعَثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم شُجَاعَ بن وَهْبٍ الأسديَّ إلى الحَارِثِ بن أبي شِمر الغَسَّانيِّ ملكِ البَلْقاءِ من أرضِ الشَّام.
قال شجاع: فانتهيتُ إليه وهو بغُوطةِ دمشق، فقرَأ كتابَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم رمَى به، وقالَ: إني سائرٌ إليه، وعَزَمَ على ذلكَ، فمنَعه قيصر.
وبعَث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المهَاجرَ بنَ أبي أميَّة المخزوميَّ إلى الحارثِ الحميريِ أحدِ مقاولةِ اليَمَن، وبَعَثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم العلاءَ بنَ الحضرميِّ إلى الـمُنْذرِ بن سَاوَى العَبديِّ مَلِكِ البحرين، وكَتَبَ له كتابًا يدعُوه إلى الإسلامِ، فأسْلمَ وصدَّقَ.
وبَعَثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبا مُوسَى الأشعريَّ، ومُعاذَ بن جبلٍ الأنصاريَّ رضي الله عنهما إلى جملة اليَمَن، داعِيَينِ إلى الإسلامِ، فأسلمَ عامَّةُ أهل اليَمَن وملوكُهم طَوْعًا من غير قتالٍ.
فصلٌ في أعمامهِ وعمَّاتهِ
وكانَ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم من العُمُومةِ أحدَ عَشَر، منهم:
الحارث: وهو أكبر ولدِ عبد المطلب، وبه كان يُكْنى، ومن ولدِهِ وولدِ ولدِهِ جماعةٌ لهم صحبة النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وقُثَم: هَلَك صغيرًا، وهو أخو الحارث لأمِّه.
والزبير بن عبد المطلب: وكان من أشرافِ قريش.
وابنُهُ عبد الله بن الزُّبير، شَهِدَ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حُنينًا، وثَبتَ يومئذٍ، واستُشهد بأَجْنادينَ، ورُوِيَ أنه وُجِدَ إلى جَنْبِ سبعةٍ قد قتلَهم وقتلُوه.
وضُبَاعة بنت الزُّبير، لها صحبةٌ.
وأمُّ الحَكَم بنت الزُّبير، رَوَتْ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وحمزة بن عبد المطلب: أسدُ الله ، وأسدُ رسولِهِ، وأخوه من الرضاعةِ، أسلمَ قديمًا، وهاجَر إلى المدينةِ، وشَهِدَ بدرًا، وقُتل يومَ أُحُدٍ شهيدًا، ولم يكنْ له إلا ابنةٌ.
وأبو الفضل العباس بن عبد المطلب: أسْلمَ، وحَسُنَ إسلامُهُ، وهاجَر إلى المدينة.
وكانَ أكبرَ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم بثلاثِ سنينَ.
وكانَ له عشرةٌ من الذُّكُور: الفضلُ، وعبد الله، وقُثم، لهم صحبةٌ. وماتَ سنة اثنتينِ وثلاثينَ في خلافةِ عثمان بن عفان بالمدينةِ.
ولم يُسلم من أعمام النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلا العبَّاسُ وحمزة.
وأبو طالب بنُ عبد المطلب: واسمُهُ عبدُ مَنَافٍ، وهو أخو عبد الله (أبي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم) لأمِّه، وعاتكةُ صاحبةُ الرؤيا في بَدْرٍ، وأمهم فاطمةُ بنت عَمرو بنِ عائذِ بنِ عمرانَ بنِ مخزوم.
وله من الولد: طالب (ماتَ كافرًا)، وعقيل، وجعفر، وعلي، وأم هانىء (لهم صحبةٌ)، واسمُ أمِّ هَانىءٍ: فَاخِتَةُ، وقيلَ: هِنْد. وجمانة ذُكِرَتْ في أولادِهِ أيضًا.
وأبو لهب بنُ عبد المطلب: واسمُهُ عبد العُزَّى، وكنَّاه أبوه بذلكَ لحُسْنِ وجهِهِ.
ومن ولدِهِ: عُتبة ومُعَتِّب، ثَبتَا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم يوم حُنَين، ودَرَّة، لهم صحبةٌ.
وعُتَيبة قتلَه الأسدُ بالزَّرقاء من أرض الشام على كُفره بدعوة النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وعبدُ الكعبة. وحَجل: واسمه الـمُغيرَة.
وضِرار: أخو العباس لأمِّه.
والغَيْدَاق: وإنما سُمِّي الغَيْداق، لأنه أجودُ قريش، وأكثرهُم طعامًا.
وعماته صلى الله عليه وسلم ست:
صفية بنت عبد المطلب: أسلمتْ وهاجَرتْ، وهي أمُّ الزُّبير بن العَوامِّ، توفيتْ بالمدينةِ في خِلافةِ عمر بن الخطاب، وهيَ أختُ حمزةَ لأمِّه.
وعَاتِكَة بنت عبد المطلب: قيلَ: إنها أسلمَتْ، وهيَ صاحبةُ الرؤيا في بَدْرٍ، وكانتْ عندَ أبي أمية بنِ الـمُغيرةِ بنِ عبد الله بن عُمَر بن مَخْزومٍ. وَلَدتْ له عبد الله، أسْلم وله صحبةٌ، وزُهيرًا، وقريبة الكبرى.
وأروى بنت عبد المطلب: كانت عند عُمير بنِ وهبِ بنِ عبدِ الدار بن قُصي، فولَدتْ له طُلَيب بن عُمَير، وكان من المهاجرينَ الأولين، شَهِدَ بدرًا، وقُتِلَ بأجنادين شهيدًا، ليس له عَقِبٌ.
وأميمة بنت عبد المطلب: كانتْ عند جَحْشِ بن رِئَابٍ. وَلَدتْ له عبدَ الله المقتول بأُحُدٍ شهيدًا، وأبا أحمد الأعمى الشاعر، واسمُهُ عبدٌ، وزينب زوج النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَحَبيبة، وحَمْنة، كلهم لهم صحبةٌ، وعُبيدَ الله بنَ جَحْش، أسْلَم ثمَّ تنصَّر، ومات بالحبشة كافرًا.
وَبَرَة بنت عبد المطلب: كانتْ عندَ عبد الأسد بن هِلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، فولدت له أبَا سَلَمة، واسمه: عبد الله ، وكان زوج أم سلمة قبل النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتزوَّجها بعد عبدِ الأسد، أبو رُهْمِ بنُ عبدِ العُزَّى بن أبي قَيْس، فوَلَدتْ له أبا سَبْرَة بن أبي رُهم.
وأم حكيم: وهيَ: البيضاءُ بنت عبد المطلبِ، كانتْ عند كُريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، فولدتْ له أروى بنتُ كُرَيزٍ، وهي أمُّ عثمان بن عفان رضي الله عنه.
ذكر أزواجه عليه وعليهن الصلاة والسلام
وأول من تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم: خديجةُ بنتُ خُوَيلد بنِ أسَدِ بن عبد العزَّى بن قُصَيِ بن ِكلابٍ.
تزوَّجها وهو ابنُ خمسٍ وعشرينَ سنة.
وبقيت معه حتى بعثه الله عز وجل، فكانتْ له وزيرَ صِدْقٍ، وماتتْ قبلَ الهجرة بثلاثِ سنينَ، وهذا أصحُّ الأقوال.
وقيلَ: قبل الهجرة بخمسِ سنينَ، وقيلَ: بأربعِ سنينَ.
ثم تزوج سَوْدَةَ بنت زَمْعَةَ بنِ قيسِ بنِ عبد شمسِ بن عبد ودِّ بن نصر بن مالك بن حِسْل بنِ عامر بنِ لؤيٍ، بعد خديجةَ بمكة قبل الهِجرة.
وكانت قبلَه عند السَّكْران بن عمرو (أخِي سُهَيل بن عَمْرو)، وكَبِرَتْ عندَه، وأراد طلاقَها، فوهبتْ يومَها لعائشةَ، فأمسَكها.
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة بنت أبي بكر الصِّديق بمكة قبل الهجرة بسنتين.
وقيلَ: بثلاثِ سنينَ، وهي بنت ستِّ سنين، وقيل: سبع سنين، والأولُ أصح.
وبنى بها بعد الهجرة بالمدينةِ وهي بنتُ تسعِ سنين، على رأس سبعة أشهرٍ، وقيل: على رأس ثمانية عشرَ شهرًا.
وماتَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهيَ بنت ثمان عشرة.
وتوفيتْ بالمدينةِ، ودفنتْ بالبقيعِ، أوصتْ بذلكَ، سنة ثمانٍ وخمسينَ، وقيلَ: سنة سبعٍ وخمسينَ. والأول أصحُّ، وصلَّى عليها أبو هُرَيرة.
ولم يتزوج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِكرًا غيرها، وكُنْيتُها أمُّ عبدِ الله، ورُوِيَ أنها أسقَطَت من النبيِّ صلى الله عليه وسلم سقطًا، ولم يَثْبُتْ. (ما وُلِدَ لها من رسول الله).
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصةَ بنتَ عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنهما.
وكانتْ قبله عند خُنيس بن حُذَاقة، وكان من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، توفِّي بالمدينةِ، وقد شَهِدَ بدرًا.
ويُرْوى أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم طلقها، فأتاه جبريلُ عليه السلام فقال: " إنَّ الله يَاْمُرُك أنْ تُرَاجعَ حفصةَ، فإنها صوَّامةٌ قوَّامةٌ، وإنها زوجتك في الجنة ".
ورَوَى عُقبة بن عامر الجُهَني قال: طَلَّق رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حفصةَ بنت عمر، فبلغ عمر، فحَثَا على رأسِهِ التراب، وقال: ما يَعْبأ الله بعمر وابنتِهِ بعد هذا، فنزل جبريلُ من الغَدِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقال: " إنَّ الله عزَّ وجل يَأمرك أن تُرَاجعَ حفصة رحمةً لعُمَر ".
تُوفِّيتْ سنة سبعٍ وعشرينَ، وقيلَ: سنةَ ثمانٍ وعشرينَ، عام أفريقيَّة.
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبةَ بنتَ أبي سفيان، واسمها: رَمْلة بنت صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مَنَافٍ.
هاجَرتْ مع زوجها عبيد الله بن جَحْش إلى أرض الحبشة، فتنصَّر بالحبشة، وأتمَّ الله لها الإسلامَ.
وتزوَّجها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وهيَ بأرضِ الحبشةِ.
وأصْدَقها عنهُ النجاشيُ بأربعِ مئة دينارٍ، بعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أميَّة الضَّمري فيها إلى أرض الحبشة.
ووَلِيَ نكاحها عثمان بن عفان، وقيلَ: خالد بن سعيد بن العاص. توفيتْ سنةَ أربعٍ وأربعينَ.
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة، واسمُها: هندُ بنتُ أبي أميَّة الـمُغِيرة بنِ عبدِ الله بنِ عمرَ بنِ مخزوم بن يَقَظة بن مُرَّة بن كعب بن لُؤيِّ بن غالب.
وكانت قبلَه عند أبي سَلَمة عبدِ الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مَخزوم.
توفِّيتْ سنةَ اثنتين وستِّينَ، ودفِنتْ بالبقيعِ بالمدينةِ، وهيَ آخرُ أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وفاة. وقيل: إنَّ ميمونة آخرهنَّ.
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش بن رئاب ين يَعْمر بن صَبِرة بن مُرة بن كبير بن غَنم بنِ دُودانِ بنِ أسدِ بن خزيمةَ بن مُدركة بن إلياس بنِ مضر بن نزار بنِ معد بنِ عدنان.
وهيَ بنتُ عمتِهِ أُمَيمة بنت عبد المطلب.
وكانتْ قبلَه عند مولاه زيد بن حارثة، فطلقها، فزوجها الله إياه من السماء، ولم يَعْقِد عليها.
وصحَّ أنها كانت تقول لأزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "زوَّجكُنَّ آباؤكن، وزوجني الله من فوق سبعِ سماواتٍ".
توفِّيتْ بالمدينة سنةَ عِشرين، ودُفنتْ بالبقيع.
(وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ لِنِسَاءِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وَزَوَّجَنِى اللَّهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ) فَلَيْسَ فِيهِ إِثْبَاتُ الْحَيِّزِ وَالْمَكَانِ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا زَعَمَ بَعْضُ الْمُشَبِّهَةِ انْسِيَاقًا خَلْفَ وَهْمِهِمُ الْفَاسِدِ وَإِنَّمَا الَّذِى يُثْبِتُهُ هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّ تَزْوِيجَ زَيْنَبَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا لَمْ يَقَعْ بِوَلِىٍّ وَشَاهِدَيْنِ كَمَا هُوَ شَأْنُ غَيْرِهَا مِنَ النِّسَاءِ وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ حُكْمٌ خَاصٌّ بِحَيْثُ وَقَعَ تَزْوِيجُهَا فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ أَىْ حَصَلَ زِوَاجُ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا بِأَمْرٍ حَدَثَ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ سَمَاوَاتٍ (فَمَعْنَاهُ أَنَّ تَزَوُّجَ النَّبِىِّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِهَا) حَصَلَ بِكِتَابَةٍ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ الْمَوْجُودِ فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ فَهُوَ (مُسَجَّلٌ في اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَهَذِهِ كِتَابَةٌ خَاصَّةٌ بِزَيْنَبَ لَيْسَتِ الْكِتَابَةَ الْعَامَّةَ) فَإِنَّ (الْكِتَابَةَ الْعَامَّةَ لِكُلِّ شَخْصٍ فَكُلُّ زِوَاجٍ يَحْصُلُ إِلَى نِهَايَةِ الدُّنْيَا مُسَجَّلٌ) فِي اللَّوْحِ أَىْ إِنَّ زِوَاجَ مَنْ يَتَزَوَّجُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ مُسَجَّلٌ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِحُصُولِ كَذَا وَكَذَا مِنْهُمْ فَيَحْصُلُ مِنْهُمُ الأَمْرُ عَلَى مَا كُتِبَ وَبِذَلِكَ يَنْعَقِدُ زِوَاجُهُمْ وَأَمَّا زِوَاجُ زَيْنَبَ فَقَدِ انْعَقَدَ بِمُجَرَّدِ حُلُولِ الْوَقْتِ الَّذِى سُجِّلَ في اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ فِيهِ فَكَانَ زِوَاجُهَا مِنْ غَيْرِ مُشَارَكَةٍ لِأَهْلِ الأَرْضِ فِي انْعِقَادِهِ بَلْ بِمُجَرَّدِ كِتَابَةٍ خَاصَّةٍ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِى سُورَةِ الأَحْزَابِ ﴿زَوَّجْنَاكَهَا﴾ (وَاللَّوْحُ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ) فَهَذَا هُوَ الَّذِي كَانَتْ زَيْنَبُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا تَفْتَخِرُ بِهِ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ وَغَيْرُهُ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْهَا مَا فِيهِ عِبَارَةُ فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ وَمِنْهَا مَا لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ وَمَعْنَاهُ مَا تَقَدَّمَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ مُتَعَلِّقَانِ بِفِعْلِ زَوَّجَ لا بِلَفْظِ الْجَلالَةِ كَمَا لَوْ قُلْتَ جَلَبْتُ لَكَ هَذِهِ الْبِضَاعَةَ مِنَ الصِّينِ فَإِنَّ الْجَلْبَ قَدْ حَصَلَ مِنَ الصِّينِ وَلا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّكَ كُنْتَ بِذَاتِكَ مَوْجُودًا هُنَاكَ. أنظر: اللهُ مَوْجُودٌ بِلاَ كَيْفٍ وَلاَ مَكَان ولا يجري عليه زمان. توحيد الله
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينبَ بنتَ خُزيمة بنِ الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بنِ هلال بنِ عامرِ بنِ صعصعة بن معاوية.
وكانت تسمى: أمَّ المساكين، لكثرة إطعامِها المساكين.
وكانت تحت عبدِ الله بنِ جحشٍ، وقيلَ: عبد اللطيف بن الحارث، والأول أصحُّ.
وتزوجها سنةَ ثلاثٍ من الهجرة، ولم تلبث عنده إلا يسيرًا: شهرين أو ثلاثةً.
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم جويريةَ بنتَ الحارث بنِ أبي ضِرَار بن (حبيب) بن عائذ بن مالك بن المصطلق الخزاعيَّة.
سُبِيَتْ في غَزْوة بني الـمُصطلق، فوقعتْ في سهم ثابت بن قيس بن شماس، فكاتبها، فقضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كتابَتها، وتزوجها في ستٍّ من الهجرة. وتوفيتْ في ربيعٍ الأول سنة ستٍّ وخمسينَ.
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم صفيةَ بنتَ حُييّ بن أخطب بن أبي يحيى بن كعب بن الخَزْرج النَّضريَّة، ومن وَلَدِ هارون بن عمران (أخي موسى بن عمران عليه السلام).
سُبِيَتْ في خَيبرَ سنة سبعٍ من الهجرةِ، وكانتْ قبله تحتَ كنانة بن أبي الحقيق، قتلَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأعتقَ صفيةَ، وجعل عِتقها صداقَها. وتوفِّيتْ سنةَ ثلاثينَ. وقيلَ: سنةَ خمسينَ.
وتزوج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ميمونةَ بنتَ الحارثِ بنِ حَزْن بن بُجَيْر بن الهرم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صَعْصَعة بن معاوية. وهيَ خالةُ خالدُ بنُ الوليد، وعبد الله بن عباس.
تزوجها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِسَرِفٍ، وبنى بها فيه، وماتتْ به. وهو ماءٌ على تسعةِ أميالٍ من مكةَ.
وهي آخرُ من تزوجَ من أمهاتِ المؤمنينَ. توفِّيتْ سنةَ ثلاثٍ وستِّينَ.
فهذه جملةُ مَنْ دَخَل بهنَّ من النِّساء، وهُنَّ إحدى عشرة. وعَقَد على سبعٍ، ولم يدخُل بهنَّ.
ذكر خدمه صلى الله عليه وسلم
أنَسُ بن مالك بن النَّضْر الأنصاريُّ.
وهندُ وأسماء ابنتا حارثةَ الأسْلميَّان.
وربيعةُ بن كعبٍ الأسلميُّ.
وكانَ عبدُ الله بنُ مسعودٍ صاحبَ نَعْلَيهِ، كان إذا قامَ ألبسه إياهما، وإذا جلس جَعَلهما في ذراعيه حتى يقومَ.
وكان عُقبةُ بن عامرٍ الجُهنيُّ صاحبَ بغلتِهِ، يقودها في الأسْفار.
وبلالُ بن رباحٍ المؤذِّن.
وسَعْد مولى أبي بكرٍ الصدِّيق.
وذو مِخْمَرا بن أخي النجاشي، ويقال: ابنُ أختِهِ.
ويقال: ذو مِخبر بالباء.
وبُكير بن شَدَّاخ الليثي، ويقال: بكر.
وأبو ذرٍّ الغفاريُّ.
ذكر مواليه صلى الله عليه وسلم
زيدُ بن حارثةَ بن شُرَاحيل الكَلْبيُّ.
وابنُه أسامةُ بنُ زيدٍ، وكان يقالُ لأسامةَ بنِ زيدٍ: الحِبُّ ابن الحِبِّ.
وثَوْبَانُ بن بُجْدُد، وكان له نَسَبٌ في اليَمَن.
وأبو كَبشة من مُولَّدي مكة. يقال اسمه سُلَيم، شهد بدرًا، ويقال: كان من مولَّدي أرض دَوْسٍ.
وَأنَسة من مُولَّدي السَّرَاة.
وصالح: شُقران.
ورباح ، أسود.
ويَسَار، نُوبي.
وأبو رافع، واسمه: أَسْلم. وقيلَ: إبراهيم، وكانَ عبدًا للعباسِ، فوهَبه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأعتَقه.
وأبو مُوَيْهِبة، من مُولَّدي مُزينَة.
وفَضَالة، نَزَل بالشام.
ورافع، كان لسعيدِ بنِ العَاصِ، فورِثَهُ ولدُهُ، فأعتَقه بعضُهم، وتمسك بعضُهم، فجاءَ رافع إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم يَستعينُهُ، فَوُهِبَ له، وكان يقول: أنا مولى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
وَمِدْعَمٌ، أسود، وَهَبه له رِفَاعَةُ بنُ زَيد الجُذامِي، وكان من مُولَّدي حِسْمَى، قُتِلَ بوادي القُرَى.
وكِرْكِرة، كان على ثَقَلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وزيد، جدُّ هِلال بن يَسَار بن زيدٍ.
وعُبيد.
وطَهمان، أو كَيسان، أو مِهران، أو ذَكوان، أو مَروان.
ومأبور القبطي، أهداه المقوقسُ.
وواقد، وأبو واقد، وهشام، وأبو ضُميرة، وحُنين، وأبو عسيب واسمُهُ: أحمر، وأبو عبيد.
وسفينةُ كان عَبْدًا لأمِّ سَلَمة (زوج النبيِّ صلى الله عليه وسلم)، فأعتقتهُ، وشرطتْ عليه أن يخدمَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حياتَه، فقال: لوْ لمْ تشترطي علي، ما فارقتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.
هؤلاءِ المشهورونَ، وقيلَ: إنهم أربعونَ.
ومن الإماء:
سلمى أمُّ رافع.
وبرَكَةُ أمُّ أيمن، وَرِثَها من أبيِهِ، وهي أمُّ أسامةَ بن زيد.
وميمونة بنت سعد، وخَضِرَة، ورَضْوى.
ذكر أفراس رسول الله صلى الله عليه وسلم
أول فرس ملكه "السَّكْب"، اشتراه من أعرابيِّ من بني فَزَارة بعشرِ أواقٍ، وكان اسمُهُ عند الأعرابيِّ: "الضرس"، فسمَّاه: "السَّكْب"، وكان أغرَّ مُحجَّلا، طَلقَ اليَمَن، وهو أول فرسٍ غزا عليه.
وكان له سَبْحة، وهو الذي سَابق عليه فَسَبَق، ففرح به.
والـمُرتَجَز، وهو الذي اشتراه من الأعرابيِّ الذي شَهِدَ له خُزَيمة بن ثابتٍ، والأعرابيُّ من بني مرَّة.
وقالَ سهلُ بن سعد السَّاعدي: كان لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم عندي ثلاثةُ أفراسٍ: لِزاز، والظَّرِب، واللُّحَيف.
فأما لِزاز: فأهدَاه له المقوقسُ.
وأما اللحيف: فأهداه له ربيعةُ بن أبي البراء، فأثابه عليه فرائض مِنْ نَعَم بني كِلاب.
وأما الظرب: فأهداه له فَروةُ بنُ عمروٍ الجذامي.
وكان له فرس يقال له: الوردُ، أهداهُ له تميمٌ الدَّاريُّ، فأعطاه عمر، فَحَمَل عليه، فوجده يُباع.
وكانت بغلته الدُّلْدُل، يركبها في الأسفار.
وعاشت بعده حتى كَبِرتْ وزالتْ [أسنانها]، وكان يُجَشُّ لها الشعيرُ، وماتتْ بينبع.
وحماره (عُفير) ماتَ في حَجَّة الوَدَاع.
وكان له عشرون لِقْحَةً بالغابة، يُرَاح إليه كلَّ ليلةٍ بقربتينِ عظيمتينِ من لبنٍ.
وكان فيها لقاحٌ غزارٌ: الحنَّاء، والسمراء، والعُرَيسُ، والسعدية، والبَغوم، واليُسَيرَة، والرِّيَّا.
وكانتْ له لِقحةٌ تدعى بُردة، أهداها له الضَّحَّاكُ بنُ سفيان، كانت تُحْلَب كما تُحلب لَقحتِان غَزِيرتانِ.
وكانت له مُهرَةٌ أرسَل بها سعد بن عُبَادة من نَعَم بني عقيل والشقراء.
وكانت له العضباء، ابتاعَهَا أبو بكرٍ من نَعَم بني الحَريش، وأخرى بثمان مئةِ دِرهمٍ، فأخذها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بأربعِ مئةِ دِرهمٍ.
وهي التي هاجَر عليها، وكانت حين قَدِمَ المدينةَ رباعية، وهي القَصْواء والجَدْعاء، [وقد] سُبِقَت، فشقَّ على المسلمين.
وكان له مَنَائح:
سَبْعٌ من الغَنَم: عجزة، وزمزم، وسُقيا، وبَركة، وورشة، وأطلال، وأطراف.
وكان له مئةٌ من الغنم.
سلاحه صلى الله عليه وسلم
وكان له ثلاثة رماح أصابها من سلاحِ بني قينقاع، وثلاثة قِسيّ: قوسٌ اسمُهَا: الرَّوحاء، وقوسٌ شَوْحَط، وقوسٌ صفراء تدعى الصفراء.
وكان له تُرْس فيه تمثالُ رأسِ كبشٍ، فَكَرِهَ مكانَهُ، فأصبح وقد أذهبه الله عز وجل.
وكان سيفُهُ " ذُو الفقار " تنفَّله يومَ بدرٍ، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أُحُدٍ، وكان لـمُنبِّه بن الحجاج السَّهميِّ. (ليس كما يقال نزل من الجنة وأعطاه لعلي).
وأصابَ من سلاح بني قَينُقاع ثلاثةَ أسيافٍ: سيف قُلَعيّ، وسيف يدعى: بتَّارًا، وسيف يدعى: الحتف.
وكان عنده بعد ذلك الـمِخْدَم، ورسوب، أصابها من الفُلْس، وهو صنم لِطَيِّىء.
قال أنسُ بنُ مالكٍ: كان نَعْلُ سيف رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فضةٌ، وقبيعتُهُ فضةٌ، وما بينَ ذلكَ حَلَق فِضَّةٍ.
وأصابَ من سلاح بني قينقاع دِرْعَينِ: درعٌ يقال له: السُغديَّة، ودرعٌ يقال له: فضَّة.
ورُوِيَ عن محمدِ بنِ سَلَمة قال: رأيتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم (يوم أُحُدٍ) دِرعينِ: دِرعه ذاتِ الفُضُول، ودِرْعه فِضَّة، ورأيتُ عليه يوم خَيْبر دِرْعين: ذات الفُضُول، والسغديَّة.
فصل في صفته صلى الله عليه وسلم
رُوِيَ عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قالَ: كانَ أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم مُقْبلا يقول: [الوافر]
أمينٌ مصطفى بالخير يَدْعو كضوءِ البَدْرِ زَايَله الظلامُ
ورُوِيَ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كانَ عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه يُنْشِد قول زُهير بن أبي سلمى في هَرم بنِ سِنَان، حيث يقول:[الكامل ]
لو كنتَ من شىءٍ سوى بَشَرٍ كنتَ المضيء لليلة البدرِ.
ثم يقولُ عُمَرُ لجلسائه: كذلكَ كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكنْ كذلكَ غيره.
وعن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه قال: "كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبيضَ اللون، مُشْرَبًا حُمْرَةً، أدْعجَ العَينينِ، سَبْط الشعر، كثَّ اللحية، ذا وَفْرةٍ، دقيقَ الـمَسْرُبَةِ، كأنَّ عنُقُه إبريقُ فِضَّةٍ، من لَبَّته إلى سُرَّته شعرٌ يجري كالقَضِيبِ، ليس في بطنِهِ ولا صدْره شعرٌ غيرُهُ، شَئْنُ الكفَّين والقدمين، إذا مشى كأنما ينحطُّ من صَبَبٍ، وإذا مشى كأنما يتقلع من صخرٍ، إذا التفتَ التفتَ جميعًا، كأنَّ عَرَقَهُ اللؤلؤ، ولَرِيحُ عَرَقِهِ أطيبُ من رِيحِ الـمِسْكِ الأذْفر، ليسَ بالطويل، ولا بالقصير، ولا الفاجر، ولا اللئيم، لم أرَ قبله ولا بعده مثلَه ". (اللئيم الخسيس وحاشا لرسول الله أن يكون كذلك).
وفي لفظٍ: "بينَ كتفيه خاتمُ النبوة، وهو خاتمُ النَّبيِّين، أجود الناس كفًّا، وأوسع الناس صدرًا، وأصدق الناس لهجةً، وأوفى الناس ذِمَّةً، وأليَنهم عَرِيكةً، وأكرَمهم عِشْرِةً، مَنْ رآه بديهةً هابَه، ومَنْ خالَطه أحبَّه، يقول ناعِتُهُ: لم أرَ قبله ولا بعده مثلَه صلى الله عليه وسلم".
وقال البَرَاء بن عازبٍ: "كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مَرْبوعًا، بعيدَ ما بينَ الـمَنكِبين، له شَعْرٌ يبلغُ شَحْمة أُذَنيه، رأيتُهُ في حُلَّةٍ حمراء، لم أرَ شيئًا قطُّ أحسنَ منه صلى الله عليه وسلم".
وقالتْ أمُّ معبد الخزاعيةُ في صفته صلى الله عليه وسلم: "رأيتُ رجلا ظاهر الوَضَاءة، أبْلج الوجه، حَسَن الخَلْق، لم تَعِبْهُ ثُجْلة، ولم تُزْرِ به صَعْلة، وسيمًا، قسيمًا، في عينيه دَعَجٌ، وفي أشْفارِهِ غَطَفٌ، وفي صوته صَحَلٌ، وفي عنُقُهِ سَطَعٌ، وفي لحيته كثاثةٌ، أزجَّ أقرن، إنْ صَمَتَ فعليه الوَقَار، وإن تكلم سَمَا وعَلاه البهاءُ، أجمل الناس وأبهاه من بعيدٍ، وأحلاه وأحسَنه من قريبٍ، حلو المنطقِ، فصلٌ، لا نَزْرٌ، ولا هَذَرٌ، كأنَّ منطقَهُ خَرَزاتُ نَظْمٍ تحدَّرت، [رَبْعَة] لا بائن من طولٍ، ولا تقتحمُهُ عينٌ من قِصَرٍ، غُصنًا بين غصنين، وهو أنضر الثلاثة منظرًا، وأحسنهُم قَدرًا، له رُفقاء يَحُفُّون به، إنْ قال أنْصَتُوا لقولِهِ، وإنْ أمر تبادروا لأمره، محفودٌ محشودٌ، لا عابسٌ ولا مُفَنَّدٌ".
وعن أنس بن مالكٍ الأنصاريِّ رضي الله عنه أنه وصفَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ: " كانَ رَبعةً من القوم، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير المتردِّد، أزهر اللون، ليس بالأبيضِ الأمْهقِ، ولا بالآدَمِ، ليس بجعدٍ، ولا قَطَطٍ، ولا سبطٍ، رَجِلَ الشَّعَر".
وقالَ هندُ بن أبي هَالةَ: " كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فخمًا مُفَخمًا، يتلألأ وجهُهُ تلألؤ القمر ليلةَ البدر، أطولَ من المربوع، وأقصرَ من الـمُشَذب، عظيمَ الهَامَة، رَجِلَ الشَّعَر، إنْ انفرَقَتْ عَقِيقتُهُ فَرَقَ، وإلا فلا يُجَاوز شَعَره شَحمةَ أُذُنيه إذا هو وفَّره، أزهرَ اللون، واسعَ الجبين، أزجَّ الحواجب، سَوَابغ في غير قَرَن، بينهما عِرْقٌ يُدِرُّه الغَضَب، أقنى العِرْنِينَ، له نورٌ يَعْلوه، يَحْسبُهُ من لم يتأمله أشمَّ، كثَّ اللحية، أدْعَجَ العينينِ، سَهْلَ الخَدَّين، ضليعَ الفَمِ، أشْنبَ مُفلَّجَ الأسنان، دقيقَ الـمَسْرُبة، كأنَّ عُنُقه جِيدُ دُمْية في صفاء الفضة، معتدلَ الخَلْق، بادنًا متماسكًا، سواءَ البطن والصدر، مَسِيحَ الصدر، بعيدَ ما بين المنكبين، ضخمَ الكَرَاديس، أنورَ الـمُتجرد، موصول ما بين اللبَّة والسُّرَّة بشَعَرِ يجري كالخطِّ، عاري الثدْيين والبطْن، مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين، عريض الصدر، طويل الزَّنْدَين، رَحْبَ الراحة، شَئْنَ الكفَّين والقدمين، سَائِلَ الأطراف، سَبْطَ القصب، خُمْصانُ الأخمصينِ، مسيحَ القدمين يَنْبو، عنهما الماء، إذا زالَ زال قَلَعًا، ويخطو تكفُّؤًا، ويمشي هونًا، ذريعَ الـمِشية، إذا مشى كأنما يَنْحطُّ من صَبَبٍ، وإذا التفتَ التفتَ جميعًا، خَافِضَ الطَّرف، نظرُهُ إلى الأرض أطولَ من نظره إلى السماء، جُلُّ نظرِهِ الملاحظة، يَسُوق أصحابه، ويبدأ من لقيه بالسلام".
فالوَضَاءة: الحُسْن والجمال.
والأبْلَجُ الجبينُ: الـمُشرق المضيء، ولم يُرِدْ به الحاجب، لأنها وصفته بالقَرَن.
والثُّجْلَة بالثاء الـمُثلَّثة والجيم: عِظَمُ البطن مَعَ استِرخاء أسفلِهِ، ويُروى بالنونِ والحاءِ المهملة، وهو: النُّحُول وضَعف التركيب.
والإزْرَاء: الاحتقارُ للشىء والتهاون به.
والصَّعْلَةُ: صِغَرُ الرأس، ويُروى: صُقْلَة -بالقاف- والصَّقَل: منقطع الأضلاع من الخَاصِرَةِ، أي: ليس بأثجلَ عظيمَ البطن، ولا بشديد لُحُوق الجنبين، بل هو كما لا تَعِيبُ صفةً من صفاتِهِ صلى الله عليه وسلم.
والوسيمُ: المشهور بالحُسْنِ، كأنه صارَ الحُسنُ له علامةٌ.
والقَسِيمُ: الحَسَنُ قِسمَةُ الوجه.
والدَّعَجُ: شِدَّةُ سَوَاد العين.
والأشفار: حُرُوف الأجفان التي تلتقي عند التغميض، والشعرُ النابتٌ عليها، ويقال لهذا الشَّعر: الأهداب، فأراد به: في شعر أسفاره.
والغَطَفُ: بالغين والعين، الطول، وهو بالـمُعْجمة أشهر، ومعناه: أنها مع طولها منعطفة مَثنيَّة، وفي روايةٍ: وَطَف: وهو الطول أيضًا.
والصَّحَلُ: شبه البُحَّة، وهو غِلَطٌ في الصوت، وفي روايةٍ: صَهَل: وهو قريبٌ منه أيضًا، لأنَّ الصَّهيل صوتُ الفَرَس، وهو يَصْهل بشدةٍ وقوةٍ.
والسَّطَعُ: طولُ العُنُق.
والكَثَاثة: كَثْرَةٌ في التفافٍ واجتماعٍ.
والأزجُّ: الـمُتقوِّسُ الحاجبين، وقيل: طولُ الحاجبين ودِقتهما، وسُبُوغهما إلى مؤخِرِ العين.
والأقرن: المتصل أحد الحاجبين بالآخر.
وسَمَا: أي عَلا برأسه. وفي روايةٍ: "سَمَا به"، أي: بكلامه على مَنْ حوله من جُلَسائِهِ.
والفصل (فَسَّرَتْهُ) بقولها: لا نَزْر، ولا هَذَر، أي: ليس كلامه بقليلٍ لا يُفهم، ولا بكثيرٍ يُمَلُّ، والهَذَرَ: الكثير.
وقولُها: لا تَقتَحمه عينٌ من قِصَرٍ، أي: لا تزدريه لِقِصَرِهِ فتُجاوزَهُ إلى غيره، بل تَهابُهُ وتَقْبَلُهُ.
والمحفود: المخدوم.
والمحشود: الذي يجتمع الناسُ حوله.
وأنْضَر: أحسن.
والعابس: الكالحُ الوجه.
والمفَنَّد: المنسوب إلى الجهل وقلة العقل.
وفخمًا مفخمًا: عظيمًا مُعَظمًا.
والـمُشَذَّب: الطويل.
والعقيقة: الشَّعَر.
والعِرْنين: الأنف.
والأقنى: فيه طولٌ، ودِقة أرْنبته، وحَدَبٌ في وَسَطه.
والشَّمَم: ارتفاع القصبةِ، واستواء أعلاها، وإشراف الأرْنَبة قليلا.
وضَلِيع الفَم: أي واسعه.
والشَّنَبُ في الأسنان: وهو تَحدُّد أطرافها.
والـمَسْرُبة: الشعر المستدقُّ ما بين اللبَّة إلى السُّرَّة.
والجِيدُ: العُنُق.
والدُّمية: الصُّورة.
والبادن: العظيم البدن.
والمتماسك: المستمسك اللحمِ غيرِ مُسترخيه.
وقوله: سواء البطن والصدر. يريد: أنَّ بطنَه غير مُستفيضٍ، فهو مساوٍ لصَدره، وصدرُهُ عريضٌ، فهو مُساوٍ لبطنه.
وأنور المتجرِّد: يعني شديدَ بياض ما جرِّد عنه الثوب.
ورحب الراحة: واسع الكفِّ.
والشئن: الغليظ.
وقوله: خمص��ن الأخمصين.
الأخمص: ما ارتفع عن الأرض من باطنِ القَدَم، أراد أنَّ ذلك مرتفعٌ منها، وقد رُوِيَ بخلاف ذلك.
وقوله: "مسيح القدمين"، يريد: ممسوح ظاهر القدمين، فالماءُ إذا صُبَّ عليهما مرَّ مرًّا سريعًا لاستوائهما وإملاسهما.
وقوله : "يخطو تكفؤًا"، يريد: أنه يمتدُّ في مِشيتِهِ، ويمشي في رفقٍ غير مختالٍ.
والصَّبَب: الانحدار
فصل في أخلاقه صلى الله عليه وسلم
كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أشجعَ الناس.
قال عليُّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: "كنَّا إذا احمرَّ البأسُ، ولقيَ القومُ القومَ، اتَّقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم".
وكان أسخى الناس، ما سُئِلَ شيئًا قطُّ، فقال: لا.
وكان أحلمَ الناس.
وكان أشدَّ حياءً من العَذْراء في خِدْرها، لا يُثْبِتُ بَصَرَه في وجهِ أحدٍ.
وكان لا ينتقمُ لنفسِهِ، ولا يغضب لها، إلا أن تُنتَهكَ حُرُماتُ الله، فيكون لله يَنتقم، وإذا غَضِبَ لله، لم يَقُمْ لغضبِهِ أحدٌ.
والقريبُ والبعيدُ، والقويُّ والضعيفُ عنده في الحقِّ واحدٌ.
وما عابَ طعامًا قطُّ، إِنِ اشتَهاه أكله، وإنْ لم يَشْتهه ترَكَه.
وكان لا يأكُلُ مُتَّكئًا. (تواضعًا كان لا يفعل ذلك).
ولا يأكُلُ على خواٍن.
ولا يَمتنع من مباحٍ، إنْ وجد تمرًا أكَله، وإنْ وَجَد خبزًا أكَله، وإنْ وَجَد شِواءً أكَله، وإنْ وَجَد خُبْزَ بُرٍّ أو شعيرٍ أكَله، وإنْ وجدَ لبنًا اكتفَى به.
أكلَ البطيخ بالرُّطَب.
وكان يحبُّ الحَلواء والعَسَل.
قال أبو هُرُيرة رضي الله عنه: "خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الدُّنيا ولم يَشْبَعْ من خُبز الشَّعير".
"وكانَ يأتي على آل محمدٍ الشَّهرُ والشهران لا يُوقَد في بيتٍ من بيوتِهِ نارٌ، وكان قوتُهم التمر والماء".
يأكلُ الهدية، ولا يأكلُ الصدقةَ، ويُكَافىء على الهدية.
لا يتأنَّق في مأكلٍ ولا ملبسٍ.
يأكلُ ما وجَد، ويلبس ما وَجَد.
وكان يَخْصفُ النَّعْلَ، ويَرْقع الثوب، ويَخْدم في مِهْنةِ أهلِهِ، ويعود المرضَى.
وكان أشدَّ الناسِ تواضعًا، يُجيبُ مَنْ دَعَاه من غنيٍّ أو فقير، أو دنيءٍ أو شريفٍ.
وكان يحبُّ المساكينَ، ويشهدُ جنائزَهُم، ويَعُود مرضَاهم، لا يَحْقر فقيرًا لفقره، ولا يَهَاب ملكًا لـمُلكِهِ.
وكان يركبُ الفَرَسَ، والبعيرَ، والحمارَ، والبَغلةَ، ويُردِف خلفه عبدَه أو غيره، لا يَدع أحدًا يَمْشي خلفه، ويقول: "خَلُّوا ظهري للملائكة".
ويلبَسُ الصُّوفَ، ويَنْتَعِلُ المخصوفَ.
وكان أحبَّ اللباس إليه الحِبَرة، وهيَ من بُرُودِ اليمن، فيها حُمرةٌ وبَياضٌ.
وخاتمُهُ فِضَّةٌ، فَصُّه منه، يَلْبسهُ في خِنصره الأيمن، وربما لَبِسَهُ في الأيْسَر.
وكان يَعْصِبُ على بطنهِ الحجرَ من الجوع، وقد آتاهُ الله مفاتيحَ خزائن الأرض كلَّها، فأبى أن يأخذها، واختار الآخرةَ عليها.
وكان يُكْثر الذِّكرَ، ويُقِلُّ اللغو، ويُطيل الصلاة، ويُقصِّر الخُطبة.
أكثرُ الناسِ تَبَسُّمًا، وأحسَنهم بِشرًا، مع أنه كانَ متواصلَ الأحزانِ، دائمَ الفِكْرِ.
وكان يحبُّ الطِيبَ، ويكرَهُ الريحَ الكريهةَ.
يَتألفُ أهلَ الشرف، ويُكرم أهلَ الفضل، ولا يَطْوي بِشْرَهُ عن أحدٍ، ولا يَجْفو عليه.
يرى اللعب المباح فلا [يُنْكِرُهُ].
يمزح ولا يقول إلا حقًا، ويقبل معذرةَ المعتذر إليه، له عبيدٌ وإماءٌ، لا يَرتفع عليهم في مَأكلٍ، ولا مَلبسٍ.
لا يَمْضي له وقتٌ في غير عملِ لله، أو فيما لا بدَّ له ولأهلِهِ منه.
رَعى الغنمَ، وقال: "ما من نبيِّ إلا وقد رَعَاها".
وسُئِلتْ عائشةُ رضي الله عنها عن خُلُقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالتْ: "كانَ خُلُقُهُ القرءان" يَغضب لغضبِهِ، ويَرضى لرضَاهُ.
وصحَّ عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: "ما مَسسْتُ ديباجًا ولا حريرًا ألينَ من كفِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شَمَمْتُ رائحةً قطُّ كانت أطيبَ من رائحةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد خَدَمتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عشرَ سنين، فما قالَ لي: أُفٍّ قطُّ، ولا لشىء فعلتُهُ: لِمَ فعلتَ كذا ؟ ولا لشىءٍ لم أفعله: ألا فعلتَ كذا وكذا ؟".
قد جمع الله تعالى له كمالَ الأخلاق، ومحاسنَ الأفعالِ، وآتاه الله تعالى عِلْمَ الأولينَ والآخرينَ، وما فيه النجاة والفوز، وهي أُمِّيٌّ، لا يقرأ، ولا يكتبُ، ولا مُعلِّمَ له من البشر، نشأ في بلادِ الجهل والصَّحَاري.
آتاهُ الله ما لم يُؤتِ أحدًا من العالمين، واختاره على جميعِ الأولينَ والآخرينَ.
فصلواتُ الله عليه دائمةٌ إلى يوم الدِّين.
فصل في معجزاته صلى الله عليه وسلم
فمِنْ أعظم معجزاتِهِ، وأوضح دلالاتِهِ: القرآنُ العزيزُ، الذي لا يأتيهِ الباطلُ من بين يَدَيه ولا من خَلفه، تنزيلٌ من حكيمٍ حميدٍ، الذي أعجزَ الفُصَحاءَ، وحَيَّرَ البُلغَاء، وأعياهُم أن يأتُوا بعشر سورٍ مثله، أو بسورةٍ، أو آيةٍ، وشهد بإعجازِهِ المشركونَ، وأيقنَ بصدقِهِ الجاحدونَ والملحدون.
وسألَ المشركونَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُريَهُمْ آيةً، فأراهم انشِقاقَ القمر، فانشقَّ حتى صارَ فِرقتينِ. وهو المرادُ بقولِهِ تعالى: ﴿اقتربتِ الساعةُ وانشقَّ القمرُ﴾ [القمر:1]
وقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله تعالى زَوَى لي الأرض، فرأيتُ مشارقَها ومغاربها، وسيبلغ مُلْكُ أمتي ما زُوِيَ لي منها". وصدَّقَ الله قولَه بأن مُلكَ أمَّتهِ أقصى المشرقِ والمغرب، ولم ينتشرْ في الجنوبِ ولا في الشَّمالِ.
وكانَ يَخْطبُ إلى جِذْعٍ، فلما اتخذَ الـمِنبر، وقامَ عليه حنَّ الجذعُ حَنينَ العِشَارِ، حتى جاءَ إليه والتزَمه، وكان يَئِنُّ كما يَئِنُّ الصبيُّ الذي يُسَكَّتُ، ثم سَكَن.
ونَبَعَ الماءُ من بين أصابعِهِ غير مرَّةٍ.
وسَبَّح الحَصَى في كَفِّه، ثم وضَعَهُ في كفِّ أبي بكرٍ، ثم عمر، ثم عثمان، فسَبَّحَ.
وكانوا يسمعونَ تسبيحَ الطعام عندَه، وهو يؤكَل.
وَسلَّم عليه الحَجَرُ والشجرُ ليالي بُعِثَ.
وكَلَّمَتْهُ الذِّراعُ المسمومةُ، وماتَ الذي أكل معه من الشاة المسمومةِ، وعاشَ هو صلى الله عليه وسلم بعده أربعَ سنين.
وشَهِدَ الذئبُ بنبوَّتِه.
ومرَّ في سفرٍ ببعيرٍ يُستقى عليه، فلما رآه، جَرْجَر، ووضعَ جِرَانَه، فقال: "إنه شَكَا كثرةَ العمل، وقِلَّة العَلَفِ".
ودخل حائطًا فيه بعير، فلما رآه حنَّ وذَرَفتْ عيناه، فقالَ لصاحبِهِ: "إنه شَكَا إليَّ أنك تُجيعُهُ وتُدئبُهُ". ودخَل حائطًا آخر فيه فَحْلان من الإبل، وقد عَجَز صاحبُهُما عن أخذِهِمَا، فلما رآه أحدُهما جاءه حتى بَرَكَ بين يديه، فخطَمَهُ، ودفعه إلى صاحبه، فلما رآه الآخرُ، فَعَلَ مِثْلَ ذلك.
وكان نائمًا في سَفَرٍ، فجاءتْ شجرةٌ تشقُّ الأرضَ حتى قامتْ عليه، فلما استيقظَ ذُكِرَت له، فقال: "هيَ شجرةٌ استأذنَت ربَّها أن تُسلِّمَ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأَذِنَ لها".
وأمَر شجرتين فاجتمعتا، ثم أمرهما فافترقَتا.
وسأله أعرابيٌّ أن يُرِيَه آيةً، فأمرَ شجرةً، فقُطِعَتْ عُرُوقُها حتى جاءت فقامتْ بين يديه، ثم أمرها فرجعتْ إلى مكانها.
وأرادَ أن ينحَرَ سِتَّ بَدَنَاتٍ، فجَعَلْنَ يَزْدَلِفْنَ إليه بأيَّتِهِنَّ يبدأ.
ومَسَحَ ضَرْعَ شاةٍ حائلٍ لم يَنْزُ عليها الفحلُ، فحَفَلَ الضَّرعُ، [فحلبَ] فشربَ، وسقَى أبا بكرٍ.
ونحوُ هذه القصة في خَيمتي "أمُّ مَعْبدٍ الخزاعية".
ونَدَرَتْ عينُ قَتادة بن النُّعمان الظَّفَريِ حتى صارتْ في يدِهِ، فردَّها، وكانتْ أحسنَ عَيْنيه وأحدَّهما، وقيل: إنها لم تُعرف.
وتَفَلَ في عَيْني عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه وهو أرْمد، فبرأ من ساعتِهِ، ولم يَرْمد بعد ذلك.
ودَعَا له أيضًا وهو وَجِعٌ، فَبَرَأَ، ولم يَشْتكِ ذلكَ الوجَعَ بعدَ ذلكَ.
وأُصيبتْ رِجلُ عبد الله بن عتيكٍ الأنصاريِّ، فمسَحها، فبرأتْ من حِينها.
وأخبرَ أنه يَقتُل أُبيَّ بنَ خلفٍ الجُمَحِي يومَ أُحُدٍ، فخَدَشه خدشًا يسيرًا فماتَ.
وقالَ سعدُ بنُ معاذٍ لأخيه أُميَّة بن خلفٍ: سمعتُ محمدًا يَزْعم أنه قاتِلك، فقُتِلَ يومَ بَدْرٍ كافرًا.
وأخبرَ يومَ بدرٍ بمَصَارع المشركينَ، فقالَ: "هذا مصرعُ فلانٍ غدًا إنْ شاءَ الله، وهذا مصرعُ فلانٍ غدًا إنْ شاءَ الله"، فلم يَعُدْ واحدٌ منهم مصرَعَه الذي سَمَّاه.
وأخبرَ أنَّ طوائفَ من أُمتِهِ يَغْزونَ البحرَ، وأنَّ أمَّ حَرَامٍ بنت مِلْحان منهم، فكانَ كما قال.
وقال لعثمانَ: "إنَّه سيُصيبُهُ بَلْوى" ، فقُتِلَ عثمانُ.
وقال للحسنِ بنِ عليٍّ : "إنَّ ابني هذا سيِّدٌ، ولعلَّ الله أن يُصْلحَ به بين فئتينِ من المؤمنينَ عظيمتين"، فكانَ كذلك.
وأخبر بمقتلِ الأسودِ العنسيِّ الكذَّاب ليلةَ قتلِهِ وبمنْ قَتَلَهُ وهوَ بصَنْعاء اليَمَن. وبمِثلِ ذلكَ في قَتْلِ كِسرى.
وأخبرَ عن الشَّيماء بنت بُقيلة الأزدية أنها رُفِعَتْ له في خمارٍ أسودَ على بغلةٍ شَهْباء، فأُخِذَتْ في زمَن أبي بكرٍ الصديق في جيش خالد بن الوليد بهذه الصفة.
وقال لثابتِ بنِ قيسِ بنِ شماس: "تعيشُ حميدًا، وتُقتل شهيدًا"، فعاشَ حميدًا، وقُتِلَ يومَ اليَمَامةِ شهيدًا.
وقالَ لرجلٍ ممنْ يدَّعي الإسلامَ وهو معه في القتال: "إنه من أهل النار"، فصدَّقَ اللهُ قَولَه، بأنه نَحَر نفسَه.
ودعا لعمَر بن الخطاب أن يعز الله به الإسلام أو بأبي جهل بن هشام، فأصبح عمرُ فأسلَم.
ودَعَا لعليِّ بن أبي طالبٍ أن يُذْهبَ الله عنه الحرَّ والبردَ، فكان لا يجد حرًا ولا بردًا.
ودعا لعبد الله بن عباس أن يُفقِّهه الله في الدين، ويُعلِّمه التأويلَ، فكان يسمى الحَبرُ والبحرُ، لكثرة علمِهِ. (السيوطي يقول الحِبر أصح).
ودَعَا لأنس بنِ مالكٍ بطولِ العُمُر، وكثرة المال والولد، وأن يبارك الله له فيه، فوُلِدَ له مئةٌ وعشرونَ ذكرًا لِصُلبِهِ، وكان نخلُهُ يحمل في السنة مرتين، وعاشَ مئةً وعشرينَ سنة، أو نحوها.
وكان عُتيبة بنُ أبي لهبٍ قد شَقَّ قميصَه وآذَاه، فدَعَا عليه أن يُسلِّط الله عليه كلبًا من كلابه، فقَتَله الأسدُ بالزرقاءِ من أرض الشام.
وشُكِيَ إليه قُحُوط المطر وهو على المنبر، فدعا الله عز وجل وما في السماء قَزَعَةٌ، فثارَ سحابٌ أمثال الجبالِ، فمُطِرُوا إلى الجُمُعة الأخرى حتى شُكِيَ إليه كثرةُ المطر، فدعا الله عز وجل فأقْلَعَتْ، وخرجوا يَمْشونَ في الشمس.
وأطْعَم أهلَ الخندقِ (وهمْ ألفٌ) من صاع شعيرٍ، أو دونه، وبهمةٍ، فشَبِعُوا وانصرفوا والطعامُ أكثرُ مما كان.
وأطعَم أهلَ الخَنْدق أيضًا من تمرٍ يسيرٍ أتتْ به ابنةُ بشير بن سعدٍ إلى أبيها وخالها عبد الله بن رَوَاحة.
وأمرَ عمرَ بن الخطاب أن يزوِّدَ أربع مئة راكبٍ من تمرٍ كالفصيل الرابض، فزُوِّد، وبقي كأنه لم ينقص تمرةً واحدةً.
وأطعمَ في منزل أبي طلحة ثمانينَ رجلا من أقراص شعيرٍ جعلها أنسٌ تحت إبطِهِ، حتى شَبِعُوا كلُّهم وبقي كما هو.
[وأطعَمَ الجيشَ من مِزْوَد أبي هريرة حتى شَبِعُوا كلُّهم]، ثم ردَّ ما بقيَ فيه، ودعا له فيه، فأكل منه حياةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأبي بكرٍ، وعمر، وعثمانَ رضي الله عنهم، فلما قُتِلَ عثمان نُهِبَ، وحُمِلَ منه -فيما روي عنه- خمسونَ وسقًا في سبيل الله عز وجل.
وأطعم في بنائِهِ بزينب من قَصعةٍ أهدتها له أمُّ سليم خَلقًا، ثم رُفِعَتْ، ولا يُدْرَى الطعام فيها أكثرُ حين وُضِعتْ أو حين رُفِعَتْ.
ورمى الجيشَ يومَ حُنين بقبضةٍ من ترابٍ، فهزمهم الله عز وجل.
وقال بعضُهم: لم يبقَ منا أحدٌ إلا امتلأت عيناه تُرابًا، وفيه أنزلَ الله عز وجل: ﴿وما رَمَيْتَ إذْ رميتَ ولكنَّ الله رَمَى﴾ [الأنفال : 17].
وخرج على مئةٍ من قريشٍ وهم ينتظرونَه، فوضع الترابَ على رؤوسِهم، ومَضَى ولم يَرَوه.
وتَبِعَهُ سُرَاقَةُ بنُ مالكٍ بن جُعشُمٍ يريدُ قتلَه أو أسْرَه، فلما قربَ منه، دَعَا عليه، فساختْ يدُ فرسِهِ في الأرض، فناداه بالأمانِ، وسأله أن يدعو له، فنجَّاه الله.
وله صلى الله عليه وسلم معجزاتٌ باهرةٌ، ودِلالاتٌ ظاهرةٌ، وأخلاقٌ طاهرةٌ، اقتصَرنا منها على هذا تخفيفا.
https://www.islam.ms/ar/?p=443