بيان في تمييز الكبائر. ما هي الذنوب الكبيرة
بِسمِ اللهِ الرَّحمـنِ الرَّحِيم
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ
اعلم أن أهل الحقّ اتفقوا على أن الذنوب كبائرُ وصغائرُ قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَة ﴾ [سورة النجم]، وقال تعالى: ﴿ إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا (٣١)﴾[سورة النساء] والمرادُ هنا باللمم وبالسيئات الصغائر وفي الصحيح: « الصلوات الخمس كفّارات لما بينهنَّ ما لم تُغشَ الكبائر » أي ما لم تُرتكب الكبائر.
ولم يَثبُت بحديثٍ حصرُ الكبائر بعددٍ معيَّن. روى عبدُ الرزاقِ في تفسيره أنه قيل لابن عباس: كم الكبائر أهيَ سبعٌ قال: "هيَ إلى السبعينَ أقربُ"، وورد مما ثبت أنها تسعةٌ وليس المرادُ بذلك الحصر. روى البخاري في الأدب المفرد بسنده إلى ابن عمر موقوفًا: « إنما هي تسع: الإشراك بالله، وقتل نَسَمَةٍ (يعني بغير حق)، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والذي يَستسحر، والإلحاد في المسجد (يعني الحرامَ)، وبكاءُ الوالدين من العقوق ».
وأما عدُّ نسيان القرءان من الكبائر فلا يصح لأن حديث: "نظرتُ في الذنوب فلم أرَ أعظمَ من سورةٍ من القرءان أوتِيَها رجُلٌ فنسِيَها" ضعيفٌ وهو مُشكلٌ معنىً.
وقد تكلَّف الشيخ ابن حجر الهيتمي تعديد الكبائر إلى أن أوصلها إلى أربعمائةٍ وزيادةٍ فليس ذلك منه بِجَيِّدٍ لأن في خلال ما عدَّه ما يَبْعُدُ أن يكونَ كبيرةً.
ثمَّ إنه عُرّفت الكبيرة بألفاظ متعددة ومن أحسن ما قيل في ذلك:
"كل ذنبٍ أُطلقَ عليه بنصِ كتاب أو سنةٍ إو إجماع أنه كبيرةٌ أو عظيمٌ أو أُخبرَ فيه بشدة العقاب أو عُلّق عليه الحد وشُددَ النكيرُ عليه فهو كبيرةٌ".
وقد أوصل عدَدَها تاجُ الدين السبكي إلى خمسة وثلاثين من غير ادّعاء حصر في ذلك، ونظّم ذلك السيوطي في ثمانية أبيات من الرجز. قال:
كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَمُطْلَقِ الْمُسْكِرِ ثُمَّ الْسِّحْرِ
وَالْقَذْفِ وَاللِّوَاطِ ثُـمَّ الْفِطْرِ وَيَأْسِ رَحْمَةٍ وَأَمْنِ الْمَكْرِ
والغَصْبِ وَالْسِّرْقَةِ وَالْشَّهادَةِ بِالزُّورِ والرِّشْوَةِ والقِيـادَةِ
مَنْعِ زَكـاةٍ وَدِيَـاثَةٍ فِرَار خِيانَةٍ في الكَيْلِ والوزن ظِهَـار
نَمِيمَةٍ كَتْمِ شَهـادَةٍ يَمِين فاجِرَةٍ على نَبِيِّنَا يَمِيـنْ
وَسَبِّ صَحْبِهِ وَضَرْبِ الْمُسْلِمِ سِعَـايَةٍ عَقٍّ وَقَطْعِ الرَّحِمِ
حَرَابَةٍ تَقْديـمِهِ الصَّلاةَ أَوْ تَأخِيـرِهَـا ومالِ أَيْتـامٍ رَأَوا
وَأَكْلِ خِنْزِيرٍ وَمَيْتٍ والرِّبَـا والغَلِّ أوْ صَغيرَةٍ قَدْ وَاظَبَـا
ومن الأحاديث القوية الواردة في هذا الباب حديث « ثلاثةٌ لا يدخلون الجنة العاقّ لوالديه، والديوث، ورجلة النساء » رواه البيهقي. ويَحسن عدُّ الجماع للحائض في الكبائر.
تنبيه: المعروفُ عند الشافعية عدُّ اليأس من رحمة الله والأمنِ من مكر الله من الكبائر التي دون الكفر، والمعروف عند الحنفية عدُّهما ردّةً أي خروجًا من الإسلام، ويزول الإشكال في ذلك بأن يقال معناهما عند الشافعية غيرُ معناهما عند الحنفية.
https://www.islam.ms/ar/?p=341