الثباتُ على طاعةِ الله وخدمةِ الدّين. خطبة الجمعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى :
إنَّ الحَمدَ للهِ نَحمدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشْكرُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هادِيَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ ولا ضدَّ ولا نِدَّ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائِدَنا وقُرَّةَ أَعْيُنِنَا محمَّدًا عبْدُهُ ورَسولُهُ وصَفِيُّهُ وحَبيبُهُ صلَّى اللهُ وسلم عليهِ وعلى كلّ رسولٍ أرسلَهُ.
أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ، فإني أوصيكُمْ ونَفْسي بتقوَى اللهِ العَلِيّ العَظيمِ القائِلِ في مُحْكَمِ كتابِهِ: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلاَدِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [سورة ق]. ويقولُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: « ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ ألا وهِيَ القَلْبُ ». فأَصْلِحْ قلبَكَ أخي المؤمِنَ تَصْلُحْ جوارِحُكَ بإِذْنِ اللهِ، نَظّفْ قلبَكَ مِنَ الدَّنائِسِ والشَّوائِبِ ولْيَكُنْ عندَكَ الخَوْفُ منَ اللهِ وثِقةُ القلبِ باللهِ وشدَّةُ التوكلِ على اللهِ، مهما كانَ عُمُرُكَ ومهما كَبِرَتْ سِنُّكَ فلا تَتْرُكِ العملَ بِخِدْمَةِ الدّينِ، لا تَتْرُكْ خدمةَ الدينِ بِدَعوَى أنَّكَ أصْبَحْتَ منْ كبارِ السّنّ بلْ لِيَكُنْ قَلْبُكَ كما يُقالُ القلبُ الشابُ.
ماذا عَنَيْتُ إخوةَ الإيمانِ بصاحبِ القلبِ الشابِ ؟ عنيتُ بهِ صاحبَ الهمَّةِ العاليةِ في الطاعاتِ والإقبالِ للآخرةِ، عنيتُ بهِ منْ لمْ يَجْعَلْهُ كِبَرُ سِنّهِ يَقْعُدُ ويَتْرُكُ العملَ لإحْياءِ مَذْهَبِ أهلِ السنةِ، فإنَّ مَنْ تَرَكَ العَمَلَ لخدْمَةِ الدَّعْوَةِ قلبُهُ ميّتٌ، هذا منْ مَوْتِ القُلوبِ. وها هو نَبِيُّ اللهِ ءادمُ عليهِ السلامُ عاشَ ألفَ سنَةٍ وبَقِيَ إلى أنْ ماتَ يُعَلّمُ أولادَهُ أمورَ دينِهِمْ ودُنْياهُمْ. انظروا إخوةَ الإيمانِ إلى نَبِيّ اللهِ نوحٍ عليهِ السلامُ الذي عاشَ ألفَ سنةٍ وسبعَمائةٍ وثمانينَ سنةً فقدْ رُوِيَ أنَّهُ لمّا حَضَرَتْهُ الوفاةُ قيلَ لهُ : كيفَ رأيْتَ الدُّنيا. فقالَ: كَبَيْتٍ لهُ بابانِ دَخَلْتُ مِنْ أَحَدِهِمَا وخَرَجْتُ مِنَ الآخَرِ. معَ كِبَرِ السنّ كانَ للأنبياء هِمَّةٌ عاليةٌ في تَعْليمِ النَّاسِ الخيرَ وفي تحذيرِهِمْ ممّا يُهْلِكُهُمْ في الآخرةِ، كانوا يَنْشرونَ الإسلامَ ليلاً نهارًا ولمْ يقلْ واحدٌ منهمْ « أنا صِرْتُ كبيرًا في السّنّ فلأَقْعُدْ بالبيتِ »، كما هوَ حالُ بعضِنا في هذهِ الأيامِ، فبعضُ الناسِ تَفْتُرُ هِمَمُهُمْ عنِ الإقبالِ للطَّاعاتِ فيقولُ لكَ بالعاميةِ: « راحِتْ علينا، اليوم دورُ الشبابِ ». ها هو ذو القرنينِ عاشَ ألفيْ عامٍ وجاهدَ في اللهِ حقَّ الجهادِ ولمْ يقلْ كما يقولُ البعضُ « فاتَنِي القطارُ ». وهذا سيّدُنا سلْمانُ الفارِسِيُّ الصَّحابِيُّ الجليلُ رَضِيَ اللهُ عنهُ عاشَ ثلاثمائة عامٍ وكان ناصرًا لِدِينِ اللهِ. إخوةَ الإيمانِ قولوا لمنْ قَصُرَتْ همّتُهُ بدعوَى كِبَرِ السّنّ إن الدَّعوَةَ إلى اللهِ تَحْتاجُكُمْ، ورُبَّ همَّةٍ أَنْقَذَتْ أُمَّةً. ويحضرني مثال في هذا الزَّمَنِ، عالِمٌ جليلٌ قُدْوَةُ المُحَقّقينَ وصدرُ العلماءِ العاملينَ، جَمَعَ بينَ العِلْمِ والوَرَعِ والتُّقَى والزُّهْدِ والعِبادَةِ، حَفِظَ القُرءانَ والمُتونَ في الصّغَرِ وأتْقَنَ العُلومَ وسَاعَدَهُ ذَكاؤُهُ وحافِظَتُهُ العَجيبَةُ على التَّحَقُّقِ في الفقهِ وأصولِهِ فَنَصَرَ اللهُ بِهِ الأمَّةَ حتى صارَ يُشارُ إليهِ بالأيدِي والبَنَانِ وتُشَدُّ الرّحالُ إليهِ، ولَكِنَّهُ مَعَ كِبَر سِنّهِ بقيَ صاحبَ القلبِ الشابِ ينْشُرُ الفضيلةَ ويُحارِبُ الرَّذيلَةَ، يُعَلّمُ الناسَ العقيدةَ ويُحارِبُ الكُفْرَ. معاشِرَ المسلمينَ، لَكَمْ هوَ عظيمٌ أنْ نَتَفَكَّرَ بهؤلاءِ الرجالِ العظماء ونقتديَ بهمْ. فهذا العبَّاسُ عمُّ رسولِ اللهِ ماتَ وبقيَتْ أسنانُهُ سليمةً بدعاءِ رسولِ اللهِ لهُ، وهذا أَنَسُ بنُ مالكٍ قارَبَ التسعينَ وبَقِيَ ذا هِمَّةٍ عالِيَةٍ في الطَّاعاتِ، وهذا القاضِي أبو شجاعٍ الشافعيُّ المذهبِ رحِمَهُ اللهُ عاشَ مائةً وأربعينَ عامًا على قولِ بعضِ العلماءِ وبقيَتْ جوارِحُهُ سليمَةً فقيلَ لهُ بمَ حُفِظَتْ عليكَ فقالَ: « حَفِظْناها في الصّغَرِ فَحَفِظَهَا اللهُ لنَا في الكِبَرِ ». هكَذا إخوةَ الإيمانِ، ليَكُنْ قلبُكَ قلبَ الشَّبابِ المُقْبِلينَ إلى الطَّاعاتِ.
فصاحِبُ القلبِ الشَّابِ أردتُ بهِ منْ يُؤَدّي الواجباتِ ويجتنبُ المحرماتِ ويلتزمُ طاعةَ اللهِ. صاحبُ القلبِ الشابِ أردتُ بهِ منْ يُقبلُ على العِلْمِ تَعَلُّمًا وتعليمًا يَشْغَلُ وَقْتَهُ بمجالسِ العلمِ. صاحبُ القلبِ الشابِ هذا الذي يُواظِبُ على الصَّلواتِ جماعةً ويكونُ قدوَةً لأولادِهِ وأحفادِهِ بملازَمَةِ المساجِدِ. صاحبُ القلبِ الشاب كالإمامِ بدرِ الدينِ الحسنِيّ الذي كانَ يدرّسُ في عِدَّةِ فُنونٍ ويَشْغَلُ لِسانَهُ بِذِكْرِ اللهِ وبالصَّلاةِ على رسولِ اللهِ، كانَ يُصَلّي على رسولِ اللهِ في اليومِ ثمانينَ ألفَ مرةٍ. صاحبُ القلبِ الشابّ الذي يَتَخَلَّصُ مِنَ التَّبِعاتِ فَيُؤَدّي حقوقَ اللهِ وحقوقَ الناسِ ويحفظُ لسانَهُ وجوارِحَهُ ممّا يُغْضِبُ اللهَ. صاحبُ القلبِ الشابِ هذا الذي سَلِمَ المُسْلِمونَ مِنْ لسانِهِ ويَدِهِ وكانَ مُوَجَّهًا للْخَيْرِ حيثُمَا كانَ. صاحبُ القلبِ الشاب ِ كالسيّدَةِ نفيسةَ التي حَفَرَتْ قَبْرَها في بيتِها وخَتَمَتِ القرءانَ ستَّةَ ءالافِ خَتمةٍ. صاحبُ القلبِ الشابِ مَنْ لا يَرْكَنُ للشَّهواتِ والملذّاتِ التي لا خَيْرَ فيها، ولا يَشْغَلُ وقتَهُ بالجلوسِ في المقاهِي وأمام الفَضائِياتِ وباللَّعِبِ بالنَّرْدِ وبالقيلِ والقالِ.
كُنْ يا أخي المؤمنَ مهما صَغُرَ سنُّكَ أو كَبرَ مجتهدًا في خدمةِ الإسلامِ والدعوةِ إلى الإسلامِ واترُكِ الكسل وأصْلِحْ ما بينَكَ وبينَ ربّكَ وقُلْ: « اللَّهُمَّ نَقّ قلبي منَ الخطايا كما يُنَقَّى الثَّوبُ الأبيضُ منَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ باعِدْ بَيْنِي وبينَ خَطايايَ كما باعَدْتَ بينَ المشرِقِ والمغْرِبِ، اللَّهُمَّ إني أعوذُ بكَ منَ الكَسَلِ والهَرَمِ والمأْثَمِ والـمَغْرَمِ، اللَّهُمَّ إني أعوذُ بكَ مِنْ زوالِ نِعْمَتِكَ وتَحَوُّلِ عافِيَتِكَ وفجأَةِ نِقْمَتِكَ وجميعِ سخَطِكَ ». هذا وأسْتَغْفِرُ الله لي ولَكُم.
الخطبةُ الثانيةُ :
إنَّ الحَمدَ للهِ نَحمدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشْكرُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هادِيَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ ولا ضدَّ ولا نِدَّ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائِدَنا وقُرَّةَ أَعْيُنِنَا محمَّدًا عبْدُهُ ورَسولُهُ وصَفِيُّهُ وحَبيبُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وعلى كلّ رسولٍ أرسلَهُ. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإنّي أوصيكُمْ ونَفْسِي بِتَقْوى اللهِ العلِيّ العَظيمِ، واعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَسْتَعيذُ باللهِ مِنْ فِتْنَةِ المحيا والممَاتِ.
واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾. اللّهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم، وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ. يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾. اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا، فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنَا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ، إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ، واشكُروهُ يزِدْكُمْ واستغفروه يغفِرْ لكُمْ، واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا. وَأَقِمِ الصلاةَ.
https://www.islam.ms/ar/?p=277