ضَيف إبراهيم الملائكة - قصة نبي لوط - تفسير سورة الحجر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمين لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهَ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَن صَلَوَاتُ اللَّهِ البَرِّ الرَّحيم وَالملائِكَةِ المُقَرَّبين عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أشْرَفِ الْمُرْسَلين وَخَاتَمِ النَّبِيين وَحَبيبِ رَبِّ العَالَمين وَعَلَى جَميعِ إخْوَانِهِ مِنَ النَّبيينَ وَالمُرْسَلين وَءَالِ كُلٍّ وَالصَّالِحين وَسَلامُ اللهِ عَلَيْهِم أجْمَعين.
يقولُ الله تبارك وتعالى: ﴿ نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {49} وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ {50} وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ {51} إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ {52} قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ {53} قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ {54} قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ {55} قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ {56} قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ {57} قَالُواْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ {58} إِلاَّ ءالَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ {59} إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ {60} فَلَمَّا جَاء ءالَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ {60} قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ {62} قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ {63} وَأَتَيْنَاكَ بَالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ {64} فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ {65} وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ {66} وَجَاء أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ {67} قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ {68} وَاتَّقُوا اللهَ وَلاَ تُخْزُونِ {69} قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ {70} قَالَ هَؤُلاء بَنَاتِي إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ {71} لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ {72} فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ {73} فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ {74} إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ {75} وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقيمٍ {76} إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤمِنِينَ {77}﴾ [سورة الحِجر 49 إلى 77].
أخبرَ اللهُ نبيَّهُ محمّدًا صلى الله عليه وسلم أن يُخبِرَ أمَّتَهُ بأنه يغفِرُ لِمَن شَاءَ مِنْ عِبادِهِ ويَرحَمُ مَنْ شاءَ منهم وأنَّ عذابَهُ هو العذابُ الأليم، يقولُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام: "لو يعلمُ العبدُ قدرَ عفوِ اللهِ لما تورَّعَ عن حرام، ولو يعلمُ قدرَ عذابِهِ لبَخَعَ نفسَهُ [لبخعَ: أي أجْهَدَها] في العبادة ولما أقدَمَ على ذنبٍ" رواهُ الطبريُّ عَن قَتادَةَ بلاغًا.
وأخبرَهُم عن ضَيفِ إبراهيمَ أي أضيافَهُ وهو جبريلُ عليهِ السَّلام مع أحدَ عشرَ مَلَكًا ﴿إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا﴾ أي فسُلِّمَ عليكَ سلامًا، ﴿قَالَ﴾ أي إبراهيمُ ﴿إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ﴾ أي خائفونَ لامتناعِهِم مِنَ الأكلِ أو لِدخُولِهم بغيرِ إذنٍ وبغيرِ وقتٍ، ﴿قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ﴾ أي لا تَخَف ﴿إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ﴾ وهو إسحاقُ عليه السَّلام لقولِهِ في سورةِ هود: ﴿فبشَّرْناها بإسْحـٰق﴾، ﴿قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ﴾ أي مع مَسِّ الكِبَرِ بأن يولَدَ لي، أي أنَّ الوِلادَةَ أمرٌ مُستَنكرٌ عادَةً مع الكِبَرِ ﴿فَبِمَ تُبَشِّرُونَ﴾ كأنه يقول فبأيِّ أعجوبَةٍ تُبشِّرون ؟ ﴿قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ﴾ أي باليقينِ الذي لا لُبْسَ فيه ﴿فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ﴾ أي الآيسينَ مِنْ ذلك، قال إبراهيم: ﴿وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ﴾ أي إلا المخطئونَ طريقَ الصَّواب أو إلا الكافرونَ كقولِهِ: ﴿إنه لا ييئسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إلا القومُ الكافرون﴾، أي لَم أستَنكر ذلك قُنُوطًا مِنْ رحمَةِ الله ولكن استبعادًا له فِي العادَةِ التي أجراها.
﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ﴾ أي فما شأنُكم ﴿أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ {57} قَالُواْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ﴾ أي قومِ لوطٍ ﴿إِلاَّ ءالَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ أي إلا أهلَهُ المؤمنين، كأنه قيل أُرسِلنا إلَى قومٍ قد أجرَموا كلُّهم إلا ءالَ لوطٍ، يعني أنهم أرسِلوا إلى القومِ المجرِمينَ خاصَّةً ولَم يُرسَلوا إلى ءالِ لوطٍ أصلاً، ومعنَى إرسالِهِم إلى القومِ المجرمين كإرسالِ السَّهمِ إلى المرْمى في أنه في معنى التعذيبِ والإهلاكِ كأنه قيل إنا أهلَكنا قومًا مُجرمين ولكنَّ ءال لوطٍ أنجيناهم ﴿إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ﴾ أي الباقين في العذابِ.
﴿فَلَمَّا جَاء ءالَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ {60} قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ﴾ أي لا أعرِفكُم أي ليس عليكم زِيَّ السَّفرِ ولا أنتم مِنْ أهلِ الحَضَرِ فأخافُ أن تطرُقونِي بِشَرٍّ ﴿قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ أي ما جئناكَ بما تُنكِرُنا لأجلِهِ بل جئناكَ بِما فيهِ سرورُك وتَشَفِّيكَ مِنْ أعدائِكَ وهو العَذابُ الذي كنتَ تتوعَّدُهم بنزولِهِ فيمترونَ فيه أي يشكّون ويُكذّبونَكَ.
﴿وَأَتَيْنَاكَ بَالْحَقِّ﴾ أي باليقينِ مِنْ عذابِهم ﴿وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ فِي الإخبارِ بنزوِلِهِ بِهم ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ﴾ [أي سِرْ بهم ليلاً] أي في ءاخرِ اللَّيل ﴿وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ﴾ أي وسِرْ خلفَهم لتكونَ مُطَّلِعًا عليهم وعلى أحوالِهم ﴿وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ﴾ لئلا يرَوا ما يَنْزِلُ بقومِهِم مِنَ العذاب فيَرِقّوا لَهم، أو جُعِلَ النهيُ عن الالتفاتِ كِنايَةً عن مواصَلَةِ السَّيرِ وتركِ التوانِي والتوقفِ لأنّ مَنْ يلتفتُ لابدَّ له مِنْ ذلك في أدنَى وَقفَة، ﴿وَامْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ﴾ أي حيثُ أمرَكُم الله بالمُضِيّ إليه وهو الشَّامُ أو مِصر.
﴿وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ﴾ أي أوحينا إليه مقضيًّا مَبتوتًا ﴿أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ﴾ أي يُستأصَلونَ عن ءاخرِهم حتى لا يَبقى منهم أحدٌ، ﴿مُّصْبِحِينَ﴾ أي وقتَ دخولِهم في الصُّبحِ.
﴿وَجَاء أَهْلُ الْمَدِينَةِ﴾ أي مدينَةِ سَدُوم التي ضُرِبَ بِقاضِيها المثَلُ في الجَور، ﴿يَسْتَبْشِرُونَ﴾ بالملائكةِ طَمَعًا منهم في ركوبِ الفاحِشةِ، قال لوطٌ: ﴿قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ﴾ بفضيحَةِ ضيفي، لأنَّ مَنْ أساءَ إلى ضيفي فقد أساءَ إلَيَّ ﴿وَاتَّقُوا اللهَ وَلاَ تُخْزُونِ﴾ أي ولا تُذِلُّونِي بإذلالِ ضيفي مِنَ الخِزيِ وهو الهَوانُ ﴿قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ أي عَنْ أن تُجِيرَ منهُم أحدًا أو تَدفَعَ عنهم، فإنهم كانوا يتعرّضونَ لكلِّ أحدٍ وكان عليه السَّلامُ يقومُ بالنهيِ عنِ المنكرِ والحَجزِ بينَهُم وبينَ المُتَعَرَّضِ له فأوعَدوهُ وقالوا: ﴿لَئِن لم تنتَهِ يا لوط لتكونَّنَ مِنَ المُخرَجين﴾ ؛ ﴿قَالَ هَؤُلاء بَنَاتِي﴾ أي فانكحوهُنَّ ولا تتعرّضوا لهم أي للضّيوف، وكانَ نكاحُ المؤمناتِ مِنَ الكفَّارِ جائزًا، ﴿إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ﴾ أي إن كنتُم تُريدونَ قضَاءَ الشَّهوةِ فيما أحلَّ الله دونَ ما حرَّم، فقالتِ الملائكةُ للوطٍ عليهِ السلام: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ﴾ [هذا قَسَمٌ أي لَحَياتُكَ قَسَمٌ يُقسَمُ به] أي في غَوَايتهِم التي أذهبَت عقولَهُم وتَمييزَهم بينَ الخطإ الذي هم عليه وبينَ الصَّواب الذي تُشيرُ به عليهم مِنْ تركِ البَنينِ إلى البنات، ﴿يَعْمَهُونَ﴾ أي يتحيَّرون فكيفَ يقبَلونَ قولَكَ ويُصْغونَ إلَى نصيحَتِكَ، أو الخِطابُ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو قسَمٌ بِحياتِهِ وما أقسَمَ بحياةِ أحدٍ قطُّ تعظيمًا له.
﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ﴾ وهي صَيحَةُ جبريلَ عليه السَّلام ﴿مُشْرِقِينَ﴾ أي داخلين في الشّروقِ وهو بزوغُ الشَّمسِ ﴿فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا﴾ أي رَفَعهَا جبريلُ عليه السَّلام بأمرِنا إلى السَّماءِ ثم قَلَبَها والضَّميرُ لقُرى قومِ لوط، ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ﴾ أي مِنْ طينٍ، قال الراغبُ في مفرادِتِهِ: "السِّجيلُ حجرٌ وطينٌ مُختلط".
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ أي للمُتفرّسينَ المتأمِّلين كأنهم يعرفونَ باطِنَ الشىءِ بِسِمَةٍ ظاهرة، ﴿وَإِنَّهَا﴾ أي وإنَّ هذهِ القُرى يعنِي ءاثارَها ﴿لَبِسَبِيلٍ مُّقيمٍ﴾ أي ثابتٌ يسلُكُهُ الناسُ لَم يندرس بعدُ، وهم يُبصرون تلكَ الآثارَ وهو تنبيهٌ لقريش، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤمِنِينَ﴾ لأنهم المنتفعونَ بذلك.
اللهم اهدنا وعافِنا واعفُ عنا واجعلنا هداةً مهديين غيرَ ضالين ولا مُضلّين
ولا تجعلِ الدنيا أكبرَ هَمّنا ولا مبلغ عِلمنا ولا تسلّط علينا من لا يرحمنا
يا أرحم الراحمين
https://www.islam.ms/ar/?p=560