صلاة العيد لا تُسقِط صلاة الجمعة
بِسمِ اللهِ الرَّحمـنِ الرَّحِيم
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ
كثر السؤال عن إذا وافق يوم العيد يوم الجمعة فصلينا العيد هل تسقط الجمعة ؟
إذا وافق يومُ العيد يومَ جمعة لا تسقط صلاة الجمعة بصلاة العيد، لأن صلاة العيد سنة مؤكدة، بينما صلاة الجمعة فريضة محتمة، والسنة لا تُسقط الفريضة ولا تجزئ عنها، وذلك لقول الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ سورة الجمعة ءاية 9.
وإنما رخص الشرع الحنيف إن اتفق يوم عيد ويوم جمعة فحضر أهل السواد فصلوا العيد أن ينصرفوا ويتركوا الجمعة ؛ لما رواه البخاري في صحيحه عن عثمان رضي الله عنه أنه قال في خطبته: « أيها الناس قد اجتمع عيدان في يومكم فمن أراد من أهل العالية أن يصلي معنا الجمعة فليصل ومن أراد أن ينصرف فلينصرف » ولم ينكر عليه أحد، ولأنهم إذا قعدوا في البلد لم يتهيأوا بالعيد، فإن خرجوا ثم رجعوا للجمعة كان عليهم في ذلك مشقة والجمعة تسقط بالمشقة. والعالية بالعين المهملة هي قرية بالمدينة من جهة الشرق ؛ وأهل السواد هم أهل القرى، والمراد هنا أهل القرى الذين يبلغهم النداء ويلزمهم حضور الجمعة في البلد في غير العيد.
قال الشافعي والأصحاب: إذا اتفق يوم جمعة يوم عيد وحضر أهل القرى الذين تلزمهم الجمعة لبلوغ نداء البلد فصلوا العيد لم تسقط الجمعة بلا خلاف عن أهل البلد، وفي أهل القرى وجهان الصحيح المنصوص للشافعي في «الأم» والقديم أنها تسقط، والثاني: لا تسقط.
قال الإمام الشافعي في كتاب الأم في باب اجتماع العيدين: أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرنا إبراهيم بن عقبة عن عمر بن عبد العزيز قال: اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال « من أحب أن يجلس من أهل العالية فليجلس في غير حرج » أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبى عبيد مولى ابن أزهر قال: شهدت العيد مع عثمان بن عفان فجاء فصلى ثم انصرف فخطب فقال " إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظرها ومن أحب أن يرجع فليرجع فقد أذنت له " (قال الشافعي) وإذا كان يوم الفطر يوم الجمعة صلى الإمام العيد حين تحل الصلاة ثم أذن لمن حضره من غير أهل المصر في أن ينصرفوا إن شاءوا إلى أهليهم ولا يعودون إلى الجمعة والاختيار لهم أن يقيموا حتى يجمعوا أو يعودوا بعد انصرافهم إن قدروا حتى يجمعوا وإن لم يفعلوا فلا حرج إن شاء الله تعالى (قال الشافعي) ولا يجوز هذا لأحد من أهل المصر أن يدعوا أن يجمعوا إلا من عذر يجوز لهم به ترك الجمعة وإن كان يوم عيد (قال الشافعي) وهكذا إن كان يوم الأضحى لا يختلف إذا كان ببلد يجمع فيه الجمعة ويصلى العيد ولا يصلى أهل منى صلاة الأضحى ولا الجمعة لأنها ليست بمصر.اهـ
قال الإمام أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري في كتابه الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي، قال: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن أبي عبيد، مولى ابن أزهر قال: " شهدت العيد مع عثمان بن عفان فجاء فصلى ثم انصرف فقال: إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظرها، ومن أحب أن يرجع فليرجع فقد أذنت له " وقال الشافعي مثله، وقال: لا يجوز هذا لأحد من أهل المصر أن يدعوا أن يجمعوا إلا من عذر، وقال النعمان في العيدين يجتمعان في يوم واحد: يشهدهما جميعا الأول سنة والآخر فريضة، ولا يترك واحد منهما . قال أبو بكر: أجمع أهل العلم على وجوب صلاة الجمعة، ودلت الأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن فرائض الصلوات خمس، وصلاة العيدين ليس من الخمس، وإذا دل الكتاب والسنة والاتفاق على وجوب صلاة الجمعة، ودلت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن فرائض الصلوات الخمس، وصلاة العيدين ليس من الخمس، وإذا دل الكتاب والسنة والاتفاق على وجوب صلاة الجمعة ودلت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن صلاة العيد تطوع، لم يجز ترك فرض بتطوع.اهـ
قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني في (الجامع الصغيـر): [محمد عن يعقـوب عن أبي حنيفـة: عيدان اجتمعا في يوم واحد فالأول سنة والآخـر فريضـة، ولا يترك واحد منهما –يعني العيد والجمعة-].
وفي (الموطأ) للإمام محمد أيضـا عن الإمام مالك بن أنس عن محمد بن شهاب الزهري عن أبي عبيد مولى ابن أزهر أنه قال في حديثه: [شهدت العيد مع عثمان بن عفان –رضي الله عنه-، فصلى ثم انصرف، فخطب فقال: إنـه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان فمن أحب من أهل العالية أن يرجع فقد أذنت له] ثم قال محمد:[وبهذا كله نأخذ، وإنما رخص عثمان في الجمعة لأهل العالية لأنهم ليسـوا من أهل المصـر وهو قول أبي حنيفة].
والعالية على أميال من المدينة وأخرج البخاري هذا الحديث في صحيحه في الأضاحي كما أخرجه يحيى الليثي في الموطأ.
وقال أبو الوليد الباجي المالكي في شرحه: [روى ابن وهب ومطرف وابن الماجشـون عن مالك أن ذلك (أي الإذن لأهل العوالي والقرى) جائـز ... وبذلك قال أبو حنيفة والشافعي].
وقال البدر العيني في (البناية شرح الهداية): [قال ابن عبد البر: سقـوط الجمعة والظهـر بصلاة العيد متروك مهجور لا يعول عليه].
قال النووي الشافعي في المجموع: قد ذكرنا أن مذهبنا وجوب الجمعة على أهل البلد وسقوطها عن أهل القرى وبه قال عثمان بن عفان وعمر بن عبد العزيز وجمهور العلماء،.. وقال أحمد: تسقط الجمعة عن أهل القرى وأهل البلد ولكن يجب الظهر، وقال أبو حنيفة: لا تسقط الجمعة عن أهل البلد ولا أهل القرى. واحتج الذين أسقطوا الجمعة عن الجميع بحديث زيد بن أرقم وقال: «شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلّم عيدين اجتمعا فصلى العيد ثم رخص في الجمعة وقال: من شاء أن يصلي فليصل» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه بإسناد جيد، ولم يضعفه أبو داود؛ وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال «قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أخر أمر الجمعة وَإنّا مُجَمّعُونَ» رواه أبو داود وابن ماجه بإسناد ضعيف؛ واحتج لأبي حنيفة بأن الأصل الوجوب....واحتج أصحابنا بحديث عثمان.اهـ
وقال أيضا في روضة الطالبين: إذا وافق يوم العيد يوم جمعة، وحضر أهل القرى الذين يبلغهم النداء لصلاة العيد، وعلموا أنهم لو انصرفوا لفاتتهم الجمعة، فلهم أن ينصرفوا، ويتركوا الجمعة في هذا اليوم على الصحيح المنصوص في القديم والجديد.اهـ
وفي نهاية المحتاج للرملي الشافعي: لو وافق العيد يوم الجمعة فحضر أهل القرية الذين بلغهم النداء لصلاة العيد فلهم الرجوع قبل صلاتها وتسقط عنهم وإن قربوا منها وسمعوا النداء وأمكنهم إدراكها لو عادوا إليها لخبر { من أحب أن يشهد معنا الجمعة فليفعل ومن أحب أن ينصرف فليفعل } رواه أبو داود ولأنهم لو كلفوا بعدم الرجوع أو بالعود إلى الجمعة لشق عليهم والجمعة تسقط بالمشاق. ومقتضى التعليل أنهم لو لم يحضروا كأن صلوا العيد بمكانهم لزمتهم الجمعة وهو كذلك ومحل ما مر ما لم يدخل وقتها قبل انصرافهم فإن دخل عقب سلامهم من العيد لم يكن لهم تركها.اهـ
قال ابن عابدين الحنفي في حاشيته في باب العيدين: وتجب على من تجب عليه الجمعة. ثم قال: قال في الهداية ناقلا عن الجامع الصغير عيدان اجتمعا في يوم واحد فالأول سنة والثاني فريضة ولا يترك واحد منهما اهـ قال في المعراج احترز به عن قول عطاء تجزي صلاة العيد عن الجمعة ومثله عن علي وابن الزبير. قال ابن عبد البر سقوط الجمعة بالعيد مهجور. وعن علي أن ذلك في أهل البادية ومن لا تجب عليهم الجمعة اهـ
وبهذا ظهر مذهب الأئمة الثلاثة وأصحابهم ودليلهم الكتاب والسنة المستفيضة والعمل المتوارث والإجماع في فريضة الجمعة على أهل الأمصار من الرجال غير المعذورين فرضا عاما.
وفي كتاب المغني للحنابلة: وإن اتفق عيد في يوم جمعة سقط حضور الجمعة عمن صلى العيد إلا الإمام فإنها لا تسقط عنه إلا أن يجتمع له من يصلي به الجمعة، وقيل: في وجوبها على الإمام روايتان، وممن قال بسقوطها: الشعبي والنخعي والأوزاعي، وقيل: هذا مذهب عمر وعثمان وعلي وسعيد وابن عمر وابن عباس وابن الزبير، وقال أكثر الفقهاء تجب الجمعة لعموم الآية والأخبار الدالة على وجوبها، ولأنهما صلاتان واجبتان فلم تسقط إحداهما بالأخرى كالظهر مع العيد. ولنا: ما روى إياس بن أبي رملة الشامي قال: «شهدت معاوية يسأل زيد بن أرقم هل شهدت مع رسول الله عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ قال: نعم. قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال: «من شاء أن يصلي فليصل» رواه أبو داود والإمام أحمد ولفظه: من شاء أن يجمع فليجمع» وعن أبي هريرة عن رسول الله قال: «اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون» رواه ابن ماجه. اهـ
وفي كتاب الانصاف للحنابلة: قوله: (وَإِذَا وَقَعَ العِيدُ يَوْم الجمعَةِ فَاجْتَزأَ بِالعِيد وَصَلّى ظُهْرًا جَازَ) هذا المذهب بلا ريب. وعليه الأصحاب. وهو من المفردات. وعنه لا يجوز، ولا بد من صلاة الجمعة.فعلى المذهب: إنما تسقط الجمعة عنهم إسقاط حضور لا وجوب. فيكون بمنـزلة المريض لا المسافر والعبد. فلو حضر الجامع لزمته كالمريض. وتصح إمامته فيها. وتنعقد به، حتى لو صلى العيد أهل بلد كافة كان له التجميع بلا خلاف. وأما من لم يصل العيد فيلزمه السعي إلى الجمعة بكل حال.اهـ
وفي كتاب كشاف القناع للحنابلة: (وإذا وقع عيد يوم الجمعة فصلوا العيد والظهر جاز) ذلك (وسقطت الجمعة عمن حضر العيد) مع الإمام لأنّه صلى العيد، وقال: «من شاء أن يجمع فليجمع» رواه أحمد من حديث زيد بن أرقم، وحينئذٍ فتسقط الجمعة (إسقاط حضور، لا) إسقاط (وجوب)، فيكون حكمه (كمريضٍ ونحوه) ممن له عذرٌ أو شغلٌ يبيح ترك الجمعة، و(لا) يسقط عنه وجوبها فيكون (كمسافرٍ وعبدٍ) لأنّ الإسقاط للتخفيف، فتنعقد به الجمعة، ويصحّ أن يؤمّ فيها (والأفضل حضورها) خروجًا من الخلاف، (إلا الإمام فلا يسقط عنه) حضور الجمعة.اهـ
ولذلك كله فالاحتياط في الدين يقضي بالمحافظة على الصلاتين في ذلك اليوم، وهو ما ذهب إليه جماهير فقهاء المسلمين من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة. وذهب الحنابلة في الرواية الأخرى: أنَّ مَن صلى العيد لا يطالب بصلاة الجمعة مطلقا، وإنما يصلي الظهر.
وأما القول بسقوط صلاة الظهر فهذا لم يقل به أي مذهب من مذاهب أهل السنة، وهو مخالف للنصوص الموجبة للصلوات الخمس في اليوم والليلة، فلا يجوز العمل به، ولا تقليده، ولا الإفتاء به. والله تعالى أعلم
https://www.islam.ms/ar/?p=328