صفات الله الواجب معرفتها. العقيدة الإسلامية السنية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الأمين وبعد،
قال علماء أهل السُّنّة : إنَّ الواجبَ العيني المفروضَ على كل مكلفٍ - أي البالغ العاقل - أن يعرفَ من صفاتِ الله ثلاثَ عشرةَ صفةً أي أن يعرفَ معانيها ، ولا يَجبُ عليه حِفظُ ألفاظها، وذلك لتكرر ذِكرها كثيرًا في القرآن والحديث إما لفظًا وإما معنىً وهي صفاتٌ أزليةٌ أبديةٌ باتفاق أهل الحق لا تُشبِهُ صفاتِ البشر. وهي: الوجودُ والوحدانيةُ والقدمُ (أي الأزلية) والبقاءُ وقِيامُهُ بِنفسه والقُدرة والإرادةُ والعلمُ والسمعُ والبصرُ والحياةُ والكلامُ وتَنَـزُّهُه عن المشابَهةِ للحادث.
صِفةُ الله الوُجُود
اللهُ تعالى موجودٌ أزلاً وأبداً قال الله تعالى: ﴿ أَفِي اللهِ شَكٌّ ﴾ أي لا شك في وجوده فليس وجوده تعالى بإيجادِ مُوجِدٍ . واللّه تعالى موجودٌ لا يُشبِهُ الموجُوداتِ، موجودٌ بلا كيفٍ ولا مكانٍ كما قال الإمامُ عليٌّ رضي اللهُ عنه: « كان اللهُ ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان ». وقال الإمام أحمد الرفاعي: « غايةُ الـمعرفةِ بالله الإيقانُ بوجوده تعالى بلا كيفٍ ولا مكان ». فمعرفتنا نَحنُ بالله ليست على سبيلِ الإحاطةِ بل بمعرفةِ ما يَجبُ لله من الصفاتِ كالعلمِ ، ومعرفةُ ما يَستحيلُ في حقه تعالى كالشريكِ ، ومعرفةُ ما يَجوزُ في حقهِ سُبحانَهُ كإيجاد شىءٍ وإعدامِه.
صِفةُ الله الوحدانية
الله تعالى واحدٌ لا شريكَ لَه أي ليس له ثانٍ ، وليس مركبًا مؤلفًا كالأجسام فالعرشُ وما دونه من الأجرام مؤلَّفٌ من أجزاءٍ فيستحيلُ أن يكون بَينَهُ وبين اللهِ مشابـهة، فلا نظير له تعالى في ذاته ولا في صفاتِه ولا في أفعاله ، قال تعالى: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَـهٌ وَاحِدٌ ﴾ [سورة البقرة آية 163]، فالله تعالى لو لم يكن واحدًا وكان متعددًا لم يكن العالَم منتظمًا، لكن العالَم مُنتظَمٌ فَوَجَبَ أنَّ اللهَ تعالى واحدٌ، قال الإمام أبو حنيفة: « والله واحدٌ لا من طريقِ العَدَد ولكن من طريق أنه لا شريك له ».
فالله سبحانه مُباينٌ أي غيرُ مُشابهٍ لجميع المخلوقات في الذات (أي ذاتُه لا يُشبه ذواتِ المخلوقاتِ، ذاته ليس جسما) والصفاتِ (فصفاتُه لا تُشبه صفاتِ المخلوقاتِ، صفاته ليس لها بداية ولا نهاية ولا تتغيّر) والفعلِ (أي فِعلُه لا يُشبه فِعلَ المخلوقات، فعل الله بدون مُماسة ولا أعضاء).
صِفة الله القِدَم
الله تعالى قديمٌ بِمعنى أنه لا بداية لوجوده أي أزلي، لأن الإله لا بدَّ أن يكون أزليّاً وإلا لكان محتاجًا إلى غيره والمحتاج إلى غيره لا يكون إلَهاً وما سواه تعالى فهو حادثٌ مَخلوق قال تعالى: ﴿ هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ ﴾ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَىءٌ غَيْرُهُ ». أي أن الله لم يزل موجودًا في الأزل ليس معه غيره لا ماءٌ ولا هواءٌ ولا أرضٌ ولا سَمَاءٌ ولا عرشٌ ولا كرسيٌ ولا ملائكةٌ ولا زمانٌ ولا مكانٌ فهو الذي خلق المكان فليس بِحاجة إليه، ومن قال العالَمُ أزلي بِجنسِهِ فقط أو بـجنسِهِ وأفراده فهو كافرٌ مكذِّبٌ لله ورسوله.
صِفة الله البَقـَاء
اللهُ تعالى موجودٌ باقٍ إلى ما لا نـهاية له، فلا يلحقه فَنَاء لأنه لَما ثبت وجوبُ قدَمه تعالى وجب له البقاء، والبقاء الذي هو واجبٌ لله هو البقاء الذاتي أي ليس بإيجاب غيره البقاءَ له، بل هو يستحقه لذاته لا لشىء ءاخر، قال تعالى: ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الـجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ﴾. وأما البقاء الذي يكون لبعض خلق الله كالجنة والنار الثابت بالإجـماع فهو ليس بقاءً ذاتيّاً لأن الجنة والنار حادثتان والحادث لا يكون باقيًا لذاتِه، فبقاء الـجنة والنار ليس بذاتِهما بل لأن الله شاء لهما البقاء، فلا شريك لله في صفاته.
صِفة الله القيام بالنفسِ
اللهُ تعالى مُستغنٍ عن كُلِّ ما سِواهُ فلا يحتاجُ إلى أَحَدٍ من خَلقهِ إذ الاحتياجُ للغيِر علامةُ الحدوثِ والله منـزَّهٌ عن ذلك وكلُّ شىءٍ سوى اللهِ مَحتاجٌ إلى الله لا يَستغني عن اللهِ طرفَةَ عَين. قالَ اللهُ تعالى: ﴿ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ ﴾ [سورة آل عمران آية 98] وقال الإمام عليٌ رضي الله عنه: « إنَّ الله خلقَ العرشَ إظهارًا لقدرته ولَم يتخذه مكانًا لذاته ».
والله تعالى لا ينتفعُ بطاعة الطائعين ولا ينضرُّ بعصيان العُصاة، فقد خَلَقَ السمواتِ والأرضَ في ستةِ أيامٍ ليُعَلِّمنا التأني في الأمورِ، ولا يُصِيبُه تَعَبٌ لأنه مُنَـزَّهٌ عن التَعَبِ. الله خالق الأماكن والجهات ولا يحتاج إليها، فالله موجودٌ بلا مكانٍ ولا جهةٍ لأنه ليس جسمًا.
صِفةُ الله القُدرة
الله تعالى موصوف بقدرة أزلية أبدية يؤثر بِها في الممكنات أي في كل ما يَجوز في العقل وجوده وعدمه. قال تعالى: ﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ ﴾ [سورة المائدة آية 120] فالله تعالى يستحيلُ عليه العجزُ، لأنه لو لَم يكن قادرًا لكان عاجزًا، ولو كان عاجزًا لَما وُجِدَ هذا العالم.
صفة الله الإرادة
الله تعالى موصوفٌ بالإرادة وهي بِمعنى المشيئة يُخصِّصُ الله بِها الممكن العقلي بصفةٍ دون صفةٍ، وهي واجبة له تعالى وشاملةٌ لجميع أعمالِ العباد الخير منها والشر. وقد ورد أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم علَّم بنته فاطمة أن تقول: « مَا شَاءَ اللهَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ».
صِفة الله العِلم
الله تعالى يعلم بعلمهِ الأزلي كلَّ شىءٍ، يَعلَم ما كانَ وما يكون وما لا يكون قال تعالى: ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَىءٍ عَلِيمٌ ﴾ [سورة الحديد آية 3]. وعلم الله لا يتغير، لا يزيد ولا ينقص وكذلك كل صفاته لا تتغير فالتغير من صفات الخلق. ونسبة التغير إلى الله فيه تشبيه لله بخلقه وهذا مخرج من الإسلام.
وأما قول اللهُ تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنّكُمْ حَتّـٰى نَعْلَمَ المُجَـٰهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصّـٰبِرِينَ ﴾[سورة محمد آية 31] فمَعنَاهُ: أنّ اللهَ يبتلي عبادَه حتى يُظهِرَ ويُمَيِّزَ لعبادِه مَنْ هو الصّادقُ المجاهِدُ الذي يَصبِرُ على المشَقّاتِ، ومَنْ هو غيرُ الصّادقِ الذي لا يَصبِر، وليسَ معناهُ أن اللهَ لم يكُنْ عالما مَنْ يُجاهِدُ ويصبِرُ فيبتلي النّاسَ لينكشِفَ له ذلك، ليسَ هذا المعنى، فاللهُ لا يَخفَى عن عِلمِهِ شىء. الله تعالى يَعلَمُ بعلمِهِ الأزليّ كلّ شىء، يَعلمُ ما كانَ وما يكونُ وما لا يكون وعلمه لا يتغير. قال تعالى: ﴿ وَأنّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىءٍ عِلمًا ﴾[سورة الطلاق آية 12].
فعِلْمُ الغيبِ جميعهِ خاصٌ بالله تعالى، أما بعضُ الغيب فإن الله يُطلِعُ عليه بعضَ خَلقِهِ وهُمُ الأنبياءِ والأولياءِ. قال تعالى: ﴿ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّـهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)﴾ [سورة النمل آية 65]
ويكفر من يقول إنَّ الرسولَ يعلم كلَّ شىءٍ يَعلَمهُ الله، لأنه جعل الرسولَ مُساويًا لله في صفة العلم. إنَّ من المقرَّر بين الموَحّدين أنّ الله تعالى لا يساويه خلقُه بصفةٍ من صفاته. قال تعالى: ﴿ قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّـهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿(188)﴾[سورة الأعراف آية 188]
وأما قولُهُ تعالى: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ﴾ [سورة الجن ءاية 26 و 27] فمعناه أنَّ الذي ارتضاه الله من رسول يجعل له رصداً أي حفظةً يحفظونه من بين يديه ومن خلفه من الشيطان. فإلا في ﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ﴾ ليست استثنائية بل هي بمعنى لكن، فيُفْهَمُ من الآية أنَّ علمَ الغيب جميعِهِ خاصٌ بالله تعالى، فلا يتطرّق إليه الاستثناء، فتكونُ الإضافةُ في قوله تعالى {عَلَى غَيْبِهِ} للعموم والشمول من باب قولهم المفردُ المضافُ للعموم، فيكون معنى غيبِه أي جميع غيبِه، وليس المعنى أنَّ اللهَ يُطْلِعُ على غيبِه مَنْ ارتضَى مِنْ رسول.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّـهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)﴾[سورة لقمان آية 34].
صِفة الله الحياة
الله تعالى موصوفٌ بِحياةٍ أزليةٍ أبديةٍ ليست بروحٍ ولحمٍ ودمٍ، وهو سُبحانه وتعالى يستحيل عليه الموتُ لأنه لو لَم يكن حيًّا لم يوجد شىءٌ من هذا العالَم لأنّ من ليس حيّاً لا يتصف بالقدرة والإرادة والعِلم، ولو كان الله تعالى غير متصف بِهذه الصفات لكان متصفًا بالضِّد وذلك نقص والله مُنَـزَّهٌ عن النقص. أما حياةُ المخلوقين فهي باجتماع الروحِ والجَسَدِ ولحمٍ وعظمٍ ودمٍ ويَدخُلُها التقطع وأما حياةُ الله فكسائرِ صفاتِه لا يَدخُلها التَّقَطُّعُ ولا التَّغَيُّرُ. قال اللهُ تعالى: ﴿ اللهُ لا إِلَـهَ إِلا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ ﴾ [سورة البقرة آية 255].
صفة الله السمع
الله تعالى يسمع بسمع أزلي أبدي كل المسموعات بلا أذن ولا آلة أخرى، وأما سمع المخلوقات فهو حادث مخلوق. قال تعالى: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ﴾ [سورة المجادلة آية 1].
صفة الله البصر
الله تبارك وتعالى يرى الحادثاتِ برؤيتهِ الأزلية، وبصرُهُ لا يُشبِهُ بَصرَ المخلوقاتِ لأنه سبحانه يرى كلَّ الـمُبصَرَات من غير حاجةٍ إلى حَدَقةٍ ولا إلى شعاعِ ضوءٍ، أما بَصَرُ المخلوقاتِ فهو بآلةٍ. قال تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ [سورة الشورى آية 11].
فلابد لمن أراد النجاة أن يتعلّم عِلمَ التَنْـزيهِ تفهُّمًا من أفواهِ أهلِ العِلمِ كي لا يقع في تشبيه الله بِخلقه.
صِفة الله الكـلام
الله تبارك وتعالى مُتكلمٌ بكلامٍ أزليٍ أبديٍ لا يُشبِهُ كلامَ المخلوقيَن ليس لِكلامِه ابتداء، ليس له انتهاء، لا يطرأ عليه سُكوتٌ أو تَقطّع لأنه ليس حرفًا ولا صوتًا ولا لغةً وأمَّا كلامُ المخلوقين فهو بِحرفٍ وصوتٍ وبالآلات. قال تعالى: ﴿ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾، أَيْ أَسْمَعَ اللهُ مُوسى كَلامَهُ الأَزَلِيَّ الأَبَدِيَّ الَّذِي لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلا صَوْتٍ. أزال اللهُ المانعَ عن سمع موسى، فسَمِعَ كلامَ اللهِ منْ غير أن يَحُلَّ الكلامُ الأزليُّ في أُذن موسى، فموسى عليه السلام حادثٌ وسمعُه مخلوق وأمّا مسموعهُ وهو كلام الله فليس بحادثٍ.
قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه: « ويتكلم لا ككلامنا ، نَحن نتكلم بالآلات من المخارج والحروف والله متكلمٌ بلا ءالةٍ ولا حرفٍ ».
صِفَةُ الله المخالفةِ للحوادث
الله تعالى مُتصفٌ بكل كمالٍ يليقُ به وهو مُنَـزَّهٌ عن كلِ نقصٍ أي ما لا يليقُ به تعالى كالجهلِ والعجزِ والمكانِ والحيِّزِ واللونِ والحَدِّ. قال اللهُ تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ ﴾ [سورة الشورى آية 11].
قال الإمام أبو جعفر الطحاوي (المتوفى 329 هـ): « تعالى (يعني الله) عن الحدودِ والغاياتِ والأركانِ والأعضاءِ والأدواتِ ولا تـحويه الجِهاتُ السِّتُ كسائر المُبْتَدَعَات ». أي لا تحوي الَله تعالى الجهاتُ السِّتُ كما تحوي جميعَ الأحجام، إذ الأحجامُ لا تَخلُو عن التحيز في إحدى الجهات الستِ، لأن الحجم لا بدَّ أن يكونَ في مكانٍ. إذن الله موجود بلا مكانٍ ولا جهةٍ.
صفات الله ثابة له
في حق الله لا يجوز أن يقال أن صفاته هي عين ذاته ولا أنها تنفك عن الذات بل صفاته ثابتة له، لا تنفك عن ذاته، وهذا معنى قول أهل السنة عن صفات الله : ليست هي هو وليست هي غيره. وفي هذا رد على الملحدين والمعتزلة
شرح عن صفة الله الكلام
يجبُ لله تعالى الكلامُ وهو صفةٌ أزليةٌ أبديةٌ لا يشبهُ كلامَ المخلوقينَ ويُعبرُ عنهُ بالقرءانِ وغيرِهِ من الكتبِ المنزلةِ. وكلامُ المخلوقينَ حادثٌ، فكلامُ الإنسانِ صوتٌ يعتمدُ على مخارجَ ومقاطعَ ومنهُ ما يحصلُ بتصادمِ جسمينِ كصوتِ الحديدِ إذا جُرَّ على الصفا. وليست هذه الكتبُ المنزلةُ عينَ الكلامِ الذاتي بل هي عباراتٌ عنهُ، والدليلُ على ذلكَ من حيثُ العقلُ أنه لو لم يكن متكلمًا لكانَ أبكم، والبَكمُ نقصٌ والنقصُ مستحيلٌ على الله.
وأما دليلُه النقليُّ النصوصُ القرءانيةُ والحديثيةُ من ذلكَ قولُه تعالى: ﴿ وَكَلَّمَ الله موسى تكليمًا ﴾ [سورة النساء آية 164] أي أسمعَهُ كلامَهُ الأزليَّ الأبديَّ ففهمَ منه موسى ما فهمَ، فتكليمُ الله تعالى أزليٌّ وموسى وسماعهُ لكلامِ الله حادثٌ. فالقرءانُ يرادُ به الكلامُ الذي هو معنى أي صفةٌ قائمة بذاتِ الله الذي ليس حرفا ولا صوتا، ويطلق على اللفظِ المنزلِ على سيدنا محمدٍ، قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ {192} نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ {193} عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ {194} ﴾[سورة الشعراء]. فالقرءانُ بمعنى اللفظِ المنزلِ هو الذي يكتبُ بأشكالِ الحروفِ ويسمَعُ بالآذانِ ويحفظُ في الأذهانِ بالألفاظِ المتخيَّلةِ ويقرأ باللفظِ، أما الكلامُ الذاتيُّ فلا يحلُّ في المصاحف لكنه يُطلقُ على كلا الأمرينِ أنه كلام الله فهو باعتبارِ إطلاقِهِ على الكلامِ النفسيِ حقيقةٌ عقليةٌ وشرعيةٌ، أما باعتبارِ إطلاقِهِ على اللفظِ المنزل فهو حقيقةٌ شرعيةٌ لأن اللفظَ المنزلَ ليسَ عينَ الكلامِ الذاتيِ الأزلي الأبديِ، وتقريبُ ذلكَ للفهمِ أنه يصحُّ أن يقالَ تلفظتُ الله أي تلفظتُ بلفظٍ يدُلُّ على ذاتِ الله المقدسِ، ويقال كتبتُ الله أي أشكالَ الحروفِ الدالةِ على الذاتِ القديمِ، ويقال للفظِ الجلالةِ المكتوبِ على لوحٍ ونحوِهِ مكتوب الله، ويقالُ قرأ فلانٌ قراءة حسنةً صحيحةً ويقالُ قرأ فلانٌ قراءةً غيرَ صحيحةٍ، فلا يصحُّ أن يكونَ قولُ القائلِ تلفظتُ الله وكتبتُ الله أن يكونَ على الحقيقةِ العقليةِ لأن الله تعالى لا يَحلُّ بألسِنتنا وكذلكَ كلامهُ الذي هو ذاتيٌّ لا يَحُلُّ بألسنتنا، إنما العبارةُ هي التي تحلُّ بألسنتنا.
كيفَ كانَ نُزُولُ القرآن على سيدِنا محمدٍ ؟ فالجوابُ: ما قالَهُ بعضُ العلماء إن جبريل وجَدهُ مكتوبًا في اللوحِ المحفوظِ فأنزلَهُ بأمرِ الله له على سيدنا محمدٍ قراءةً عليهِ لا مكتوبًا في صحفٍ ويدلُ لذلكَ قولُهُ تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾ أي مقروء جبريل، فلو كان هذا اللفظُ المنزلُ عين كلامِ الله الذاتي لم يقل الله تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾ أي جبريل لأن جبريل هو المراد بالرسولِ الكريمِ. أما المشبهةُ فتقول الله يتكلم بالحروفِ كما نحن نتكلم بالباء ثم السين ثم ما يلي ذلك من الحروف في بسم الله الرحمن الرحيم وغيرِ ذلك من ألفاظ القرءان، وفيما قالوه تشبيهٌ لله بخلقهِ لأنه لو كان يتكلمُ بحروف تخرج من ذات الله تعالى كما تخرج من ألسنتنا لكانَ مثلنا ولا يجوزُ أن يكونَ مثلنا لأنه نفى عن نفسِه مشابهةَ غيره لَهُ بقولِه: ﴿ليس كمثله شىء﴾، فرضي الله عن أئمةِ أهلِ السنة حيثُ بيَّنوا الصوابَ من الاعتقاد الذي لولا بيانُهُم لخفيَ على كثيرٍ من الخلقِ وَلَوَقَعُوا في تجسيم الله تعالى وهو كفر.
واستدلالنا بقولِ الله تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ {19} ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ {20} مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ {21}﴾ [سورة التكوير] من أوضح الدلائل على صحةِ ما يقولُهُ أهلُ السنة المنزهونَ لخالقهم عن شبه المخلوقينَ، وإلى هذا ذهبَ الفريقانِ من أهلِ السنةِ الماتريدية والأشعرية، فقولُ من قال من أهلِ السنةِ القرءان كلامُ الله تعالى بالحقيقةِ ينزل على التبصيرِ الذي قرَّبوه أي القرآن بمعنى صفة الكلام لله تعالى.
الدليل على أن الله واحد. دليل التمانع
مَعْنَى الوَحْدَانِيَةِ أَنَّهُ لَيْسَ ذَاتَا مُؤَلَّفَا مِن أَجْزَاءِ، فَلَا يُوْجَدُ ذاتٌ مِثْلُ ذَاتِه ولَيْسَ لغيره صفة كصفته أو فعل كفعله وليس المُرَادُ بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَحْدَانِيَّةَ العَدَدِ إذ الوَاحِدُ فِي العَدَدِ لَه نِصْفُ وأَجْزَاء أَيْضًا، بَل المُرَادُ أَنَّه لا شبيه له .
وبرهان وحدانيته هو أنه لا بد للصانع من أن يَكُونَ حَيًّا قادرًا عالمًا مُرِيدًا مُختَارًا، فَإِذَا ثبت وصف الصانع بما ذكرناه قلنا لو كان للعالم صانعان وجب أن يكون كُلِّ وَاحِدٍ مِنهُما حَيًّا قادرًا عالمًا مُرِيدًا مُختَارًا وَالمُختاران يجوز اختلافهما في الاختيار لأنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنهُما غَيْرُ مُجبر على موافقة الآخر في اختياره، وإلا لكانا مجبورين والمجبور لا يكون إلها، فإذا صح هذا فلو أراد أحدهما خلاف مراد الآخر في شَيْءٍ كأن أراد أحدهما حياة شخص وأراد الآخر مونه لَم يَخْلُ مِن أَنْ يَتِمَّ مُرَادُهُما أَوْ لَا يَتِمَّ مُرَادُهُما أَوْ يتم مراد أحدهما ولا يَتِمَّ مُراد الآخرِ ، وَمُحَالٌ تَمَامُ مُرَادَيْهما لتضادهما أي إن أراد أحدهما حياة شخص وأراد الآخر موته يستحيل أن يكون هذا الشخص حَيًّا وميتًا فِي ءَانِ وَاحِدٍ، وَإِنْ لم يَتِمَّ مُرَادُهُما فَهُمَا عَاجزان والعاجز لا يَكُونُ إِلَهَا، وَإِنْ تَمَّ مراد أحدهما ولم يَتِمَّ مُرَادُ الآخرِ فَإِنَّ الَّذِي لَم يَتِمَّ مُرَادُهُ عَاجِزٌ ولا يَكُونُ العاجز إلها ولا قديمًا، وهذه الدلالة معروفة عند الموحدين تُسَمَّى بدلالة التمانع .
قال تعالى ﴿وَلَوْ كَانَ فِيهِمَا عَالِمَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَنَا ﴾ [سورة الأنبياء].
ومعنى قوله تعالى ﴿وَلَوْ كَانَ فِيهِمَا ) أي لو كان لهما ، هنا «في» بمعنى اللام أي للأرض والسَّمَاءِ، عَالِمَةٌ إِلَّا اللَّهُ أي غير الله لَفَسَدَنَا ) أي السموات والأرض أي ما كانتا تستمران على انتظام.
وقد أدخلت في دين الله الحشوية المحدثون وهم الوهابية بدعة لم يقلها المسلمون وهي قولهم توحيد الربوبية وحده لا يكفي للإيمان بل لا بد من توحيد الألوهية وهذا ضد قول رسول الله ﷺ: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها [أخرجه البخاري في صحيحه] جعل الرسول اعتراف العبد بتفريد الله بالألوهية وبوصف رسول الله بالرسالة كافيا ولم يشرط توحيدين وكان رسول الله ﷺ إذا نطق الكافر بهذا يحكم بإسلامه وإيمانه ثم يأمره بالصلاة قبل غيرها من أمور الدين للحديث الذي رواه البيهقي في كتابه الاعتقاد وهؤلاء عملوا دينا جديدا وهو عدم الاكتفاء بالأمرين المذكورين وهذا من غباوتهم فإن توحيد الربوبية هو توحيد الألوهية بدليل أنه جاء في سؤال القبر حديثان حديث بلفظ الشهادة [أخرجه البخاري في صحيحه] وحديث بلفظ الله ربي [أخرجه مسلم في صحيحه] وهذا دليل على أن شهادة أن لا إله إلا الله شهادة بربوبية الله، وما أعظم مصيبة المسلمين بهذه الفرقة.
الحمد لله رب العالمين
https://www.islam.ms/ar/?p=10