مِنْ شُرُوطِ الصَّلاةِ الطَّهَارَةُ عَنِ النَّجَاسَةِ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ وَالْمَحْمُولِ لَهُ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الأمين وبعد،
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فَصْلٌ): وَمِنْ شُرُوطِ الصَّلاةِ الطَّهَارَةُ عَنِ النَّجَاسَةِ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ وَالْمَحْمُولِ لَهُ (كَقِنِّينَةٍ يَحْمِلُهَا فِي جَيْبِهِ).
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الصَّلاةِ الطَّهَارَةَ عَنِ النَّجَاسَةِ فِي الْبَدَنِ كَدَاخِلِ الْفَمِ وَالأَنْفِ وَالْعَيْنِ وَفِي الثَّوْبِ وَالْمَحْمُولِ لَهُ كَالشَّىْءِ الَّذِي يَحْمِلُهُ فِي جَيْبِهِ سَوَاءٌ كَانَ قِنِّينَةً أَوْ وَرَقَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ طَهَارَةُ الْمَكَانِ الَّذِي يُلاقِي بَدَنَهُ أَيْ يُمَاسُّ ذَلِكَ، فَلا تَضُرُّ الْمُحَاذَاةُ بِلا مُمَاسَّةٍ فَلَوْ كَانَ يُحَاذِي بِصَدْرِهِ نَجَاسَةً فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَضُرُّ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَإِنْ لاقَاهُ نَجَسٌ أَوْ مَحْمُولَهُ بَطَلَتْ صَلاتُهُ إِلَّا أَنْ يُلْقِيَهُ حَالًا أَوْ يَكُونَ مَعْفُوًّا عَنْهُ كَدَمِ جُرْحِهِ.
الشَّرْحُ أَنَّ مَنْ طَرَأَ لَهُ فِي الصَّلاةِ نَجَسٌ لاقَاهُ أَوْ لاقَى ثَوْبَهُ أَوْ شَيْئًا يَحْمِلُهُ بَطَلَتْ صَلاتُهُ إِلَّا أَنْ يُلْقِيَهُ حَالًا كَأَنْ وَقَعَ عَلَى رِدَائِهِ فَأَلْقَى الرِّدَاءَ فَوْرًا أَوْ نَفَضَهُ وَكَانَ يَابِسًا بِغَيْرِ نَحْوِ كُمِّهِ فَإِنَّهُ لا يَضُرُّهُ أَمَّا لَوْ أَزَالَهُ بِكُمِّهِ يَكُونُ كَأَنَّهُ أَزَالَهُ بِيَدِهِ فَتَفْسُدُ بِذَلِكَ صَلاتُهُ. أَمَّا النَّجِسُ الرَّطْبُ الَّذِي أَصَابَ الْبَدَنَ أَوِ الثَّوْبَ الَّذِي لا يَتَمَكَّنُ مِنْ إِلْقَائِهِ فَوْرًا فَيَضُرُّهُ، وَكَذَلِكَ الْيَابِسُ إِنْ لَمْ يُلْقِهِ حَالًا أَفْسَدَ صَلاتَهُ.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ مُلاقَاةِ النَّجِسِ أَيْ أَنْ يُصِيبَهُ نَجِسٌ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ دَمُ جُرْحِهِ فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ أَيْ يُسَامَحُ فِيهِ وَلَوْ سَالَ وَلَوَّثَ الثَّوْبَ. وَكَذَلِكَ يُعْفَى عَنِ الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ وَهُوَ الدَّمُ الْمُخْتَلِطُ بِالْقَيْحِ أَوْ بِمَاءٍ مِنَ الْجُرْحِ وَنَحْوِهِ وَدَمِ نَحْوِ الدُّمَّلِ وَإِنْ عُصِرَ وَالْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ رِيْحُهُ الْخَارِجِ مِنَ الْجُرْحِ فَإِنَّهُ لا يَضُرُّ قَلِيلُهُ وَلا كَثِيرُهُ، وَكَذَلِكَ لا يَضُرُّ دَمُ الْبُرْغُوثِ وَالْقَمْلِ وَالْبَعُوضِ وَلَوْ كَثِيرًا وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ وَدَمُ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَرَوْثُ الذُّبَابِ وَالْخُفَّاشِ وَسَلَسُ الْبَوْلِ فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِ ذَلِكَ وَكَثِيرِهِ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ، وَكَذَا دَمُ الْبُرْغُوثِ الَّذِي يَكُونُ بِمُصَلَّاهُ، وَيُعْفَى أَيْضًا فِي الْمَكَانِ عَنْ رَوْثِ وَبَوْلِ الْخُفَّاشِ وَالذُّبَابِ، وَالْقَلِيلِ مِنْ دَمِ الأَجْنَبِيِّ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَيُعْفَى عَنْ ذَلِكَ لَوْ خَالَطَهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْ نَحْوِ مَاءِ الطُّهْرِ وَالشُّرْبِ وَالتَّنَظُّفِ وَالتَّبَرُّدِ وَالْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ حَالَ تعَاطِيهِ كَأَنْ كَانَ يَشْرَبُ الْحَلِيبَ مَثَلًا فَنَزَلَ مِنْهُ شَىْءٌ عَلَى هَذِهِ النَّجَاسَةِ الْمَعْفُوِ عَنْهَا وَنَحْوِ بَلَلِ رَأْسِهِ عِنْدَ حَلْقِهِ وَسَائِرِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فَلا تَضُرُّ مُخَالَطَةُ ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ دَمُ الْحِلاقَةِ فِي الرَّأْسِ يُعْفَى عَنْهُ عَنِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَلَكِنْ بِشَرْطِ عَدَمِ مُجَاوَزَةِ الْمَكَانِ الَّذِي يَغْلِبُ سَيَلانُ الدَّمِ إِلَيْهِ، بِمَعْنَى أَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي وَصَلَ إِلَيْهِ الدَّمُ وَاسْتَقَرَّ فِيهِ إِذَا انْتَقَلَ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ لا يُعْفَى عَنِ الْكَثِيرِ إِلَّا الْقَلِيلِ، فَلَوْ لَمْ يَسْتَقِرَّ دَمُ نَحْوِ الرَّأْسِ إِلَّا بَعْدَ الْوُصُولِ إِلَى الْقَدَمِ عُفِيَ عَنْ كَثِيرِهِ وَقَلِيلِهِ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَجِبُ إِزَالَةُ نَجِسٍ لا يُعْفَى عَنْهُ بِإِزَالَةِ الْعَيْنِ أَيْ جِرْمِهَا مِنْ طَعْمٍ وَلَوْنٍ وَرِيحٍ بِالْمَاءِ الْمُطَهِّرِ، وَالْحُكْمِيَّةِ بِجَرْيِ الْمَاءِ عَلَيْهَا، وَالنَّجَاسَةُ الْحُكْمِيَّةُ هِيَ الَّتِي لا يُدْرَكُ لَهَا لَوْنٌ وَلا طَعْمٌ وَلا رِيحٌ.
الشَّرْحُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلاةِ إِزَالَةُ النَّجِسِ غَيْرِ الْمَعْفُوِ عَنْهُ، أَمَّا الْمَعْفُوُّ عَنْهُ فَلا يُشْتَرَطُ كَالْقَلِيلِ مِنْ دَمِ جُرْحِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ هُنَا أَنَّ إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ يَكُونُ بِإِزَالَةِ عَيْنِهَا [وَالْمُرَادُ بِالْعَيْنِ هُنَا صِفَاتُهَا لا جِرْمَهَا فَقَطْ] أَيْ أَوْصَافِهَا مِنْ طَعْمٍ وَلَوْنٍ وَرِيحٍ فَإِنَّ هَذَا يُسَمُّونَهُ عَيْنًا أَمَّا الْحَجْمُ فَيُسَمُّونَهُ جِرْمًا، فَبَعْدَ إِزَالَةِ جِرْمِهَا يُشْتَرَطُ إِزَالَةُ الْعَيْنِ أَيِ اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ وَالرَّائِحَةِ. وَأَمَّا أَثَرُ لَوْنِ النَّجَاسَةِ الَّذِي يَبْقَى عَلَى الثَّوْبِ بَعْدَ غَسْلِهِ جَيِّدًا [وَكَذَا الرَّائِحَةُ وَحْدَهَا] فَلا يَضُرُّ بَلْ يُعْفَى عَنْهُ وَتَصِحُّ الصَّلاةُ مَعَ وُجُودِهِ.
وَقَوْلُهُ «بِالْمَاءِ الْمُطَهِّرِ» يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الشَّمْسَ وَالرِّيحَ لا تُطَهِّرَانِ بَلِ الْمُطَهِّرُ هُوَ الْمَاءُ، وَفِي بَعْضِ الْمَذَاهِبِ تُطَهِّرُ الشَّمْسُ الأَرْضَ إِذَا ذَهَبَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ بِسَبَبِهَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَقَوْلُهُ «وَالْحُكْمِيَّةِ بِجَرْيِ الْمَاءِ عَلَيْهَا» يُرِيدُ بِهِ أَنَّ النَّجَاسَةَ الْحُكْمِيَّةَ وَهِيَ الَّتِي لا يُدْرَكُ لَهَا عَيْنٌ [وَالْمُرَادُ هُنَا بِالْعَيْنِ الْجِرْمُ] وَلا وَصْفٌ كَبَوْلٍ جَفَّ لا رِيحَ لَهُ وَلا طَعْمَ وَلا لَوْنَ تَحْصُلُ إِزَالَتُهَا بِجَرْيِ الْمَاءِ عَلَيْهَا مَرَّةً وَاحِدَةً. وَأَمَّا حَبٌّ نُقِعَ فِي بَوْلٍ وَلَحْمٌ طُبِخَ بِهِ فَيَطْهُرُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِجَرْيِ الْمَاءِ عَلَى ظَاهِرِهِ.
وَيُعْفَى عَنْ خَزَفٍ [وَهُوَ الْفَخَّارُ] عُجِنَ بِنَجِسٍ وَءَاجُرٍّ عُمِل بِسِرْجِينٍ وَهُوَ الزِّبْلُ أَيْ يُعْفَى عَنِ الطِّينِ الْمُخْتَلِطِ بِرَوْثِ الْحِمَارِ وَنَحْوِهِ، وَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَبِنَاءُ مَسْجِدٍ بِهِ وَفَرْشُ عَرْصَتِهِ وَالصَّلاةُ عَلَيْهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ. وَالْعَرْصَةُ فِي اللُّغَةِ الْبُقْعَةُ لا بِنَاءَ فِيهَا كَمَا يُقَالُ لِمَوَاقِفِ الْقِيَامَةِ عَرَصَاتُ الْقِيَامَةِ.
https://www.islam.ms/ar/?p=582