خطبة عيد الأضحى المبارك
بسم الله الرحمن الرحيم
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، أَسْبَغَ عَلَيْنَا وَافِرَ نِعَمِهِ، وَزَادَنَا مِنْ عَظِيمِ فَضْلِهِ، اللهم إنا نوحدك ولا نحدُّك. ونؤمن بك ولا نكيفك. ونعبدك ولا نشبهك. ونعتقد أن من شبهك بخلقك ما عرفك. وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَصَلِّ اللَّهُمَّ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى القائل: {وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاتَّقُوهُ ۖ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة العنكبوت آية 16].
أيها المصلون: نسأل الله تعالى أن يعيد علينا عيد الأضحى ونحن في هناء وسعادة، ومن الخير في زيادة، فإنه عيد بر وإحسان ؛ نقدم فيه الأضاحي شكرا للرحمن، وتقربا إلى الكريم المنان، فقد أمر عز وجل سيدنا ونبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بالأضحية فقال: (فصل لربك وانحر) وهي سنة خليل الرحمن، سيدنا إبراهيم عليه السلام، الذي جعل الله تعالى من ذريته الأنبياء والمرسلين، قال عز وجل: (وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب). فلم يوجد نبي بعد إبراهيم عليه السلام ممن ذكرهم الله تعالى لنا في القرآن، إلا وهو من سلالته، كإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى، حتى كان آخرهم خاتم الرسل سيدنا ونبينا محمدا صلى الله عليه وسلم. وكلهم إخوة دينهم واحد ورثوا صفات أبيهم إبراهيم وأخلاقه وقيمه، من تسامح ومحبة، وحثوا عليها أقوامهم.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر،
الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
أيها المسلمون: إن منزلة إبراهيم عليه السلام عند الله عظيمة، فقد اختاره عز وجل واصطفاه، فقال جل في علاه: {ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين} وامتثل لأمر ربه؛ بالاستسلام له وطاعته، والإخلاص في عبادته، {إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين} فاتخذه الله تعالى خليلا، قال سبحانه: {واتخذ الله إبراهيم خليلا} والخليل أرفع مقاما في المحبة. ورسخ الله تعالى في قلبه اليقين، وقوة الدين، وحفظه الله من الكفر والشرك كسائر الأنبياء فلم يشك في ألوهية الله بل كان ينكر على قومه عبادتهم للكواكب والأصنام، قال الله تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [سورة آل عمران 67]. ووهبه الله تعالى العقل والحكمة، قال سبحانه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴿٥١﴾} [سورة الأنبياء] فكان كلامه قوي الإقناع، بالغ الحجة. قال تعالى: (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه).
عباد الله: لقد اتصف سيدنا إبراهيم عليه السلام بشمائل عظيمة، وأخلاق كريمة، فإنه عليه السلام كان توابا إلى ربه، حليما في طبعه، فوصفه الله سبحانه بقوله: (إن إبراهيم لحليم أواه منيب) والحلم خلق يحبه الله تعالى ويرضاه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه: (إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة) وتحرى عليه السلام الصدق؛ حتى كتبه الله تعالى عنده صديقا، فقال عز وجل عنه: (إنه كان صديقا نبيا) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا) وقد كان إبراهيم عليه السلام صادقا في وعوده، وفيا بعهوده، قال الله سبحانه: (وإبراهيم الذي وفى) أي: وفى لربه عز وجل بكل ما كلفه به. وكان عليه السلام كريم النفس، سخي اليد، فقد ذكر لنا القرآن الكريم نموذجا من كرمه، وجوده وبذله، فقال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ ﴿٢٤﴾ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ ﴿٢٥﴾ فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ ﴿٢٦﴾ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ ﴿٢٧﴾} فقد استقبل ضيفانه بوجه بشوش، وأجلسهم في أحسن المواضع وألطفها، وسارع إلى إحضار الطعام لهم، واختار لهم أجوده وأسمنه، وخدمهم بنفسه زيادة في إكرامهم.
أيها المحبون لخليل الرحمن إبراهيم: إن حياة سيدنا إبراهيم عليه السلام كانت مليئة بالإنجازات العظيمة، ومنها بناء البيت الحرام، الذي جعله الله تعالى مثابة للناس وأمنا، ودعا هنالك ربه قائلا: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿١٢٩﴾} [سورة البقرة] فاستجاب الله عز وجل لدعاء إبراهيم عليه السلام، وأرسل إلينا خاتم الأنبياء والمرسلين: سيدنا ونبينا محمدا صلى الله عليه وسلم الذي كان أشبه الناس بأبيه إبراهيم عليه السلام في خلقه وصورته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أشبه ولد إبراهيم به) كما كان صلى الله عليه وسلم أشبه الناس بإبراهيم عليه السلام في عبادته وأخلاقه، عاملا بقول الله تعالى: { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿١٢٣﴾} [سورة النحل] فعلى المؤمن أن يقتدي بسيدنا إبراهيم عليه السلام في عبادته وخشيته، وإخلاصه وأخلاقه، وصدقه ووفائه، وصبره وكرمه، وتربية أبنائه، ويتبع هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من الذين قال الله سبحانه فيهم {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ۗ وَاللَّـهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴿٦٨﴾} [سورة آل عمران]
يقول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [سورة المائدة 3]
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران 102]
فعلينا أن نحافظ على نعمة الإسلام إلى الممات وذلك باجتناب ما يبطله، ثبتني الله وإياكم على هذا الدين العظيم.
فاللهم اجعلنا بسيدنا إبراهيم مقتدين، ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم متبعين، وبقيمهما وأخلاقهما عاملين، ووفقنا لطاعتك أجمعين، وطاعة رسولك محمد الأمين صلى الله عليه وسلم.
نَفَعَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَبِسُنَّةِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَقُولُ هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ،
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ
اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيِّدَنَا مُحمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الطيبين الطاهرين.
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِحَمْدِهِ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَشُكْرِهِ، واعلموا أن الله تعالى أمركم بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَى رسول الله، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا " [رواه مسلم].
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الميامين. وارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ السابقين الأولين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْعِيدَ عَلَيْنَا سَعَادَةً وَتَلَاحُمًا، وَطُمَأْنِينَةً وَتَرَاحُمًا، وَهَنَاءً وَتَبَسُّمًا، وَوَفَاءً وَسَلَامًا، وَمَحَبَّةً وَوِئَامًا، وَبَهْجَةً وَرَخَاءً، وَاجْعَلْنَا مِنَ الْبَارِّينَ بِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، الْمُكْرِمينَ زَوْجَاتِهِمْ وَأَخَوَاتِهِمْ وَبَنَاتِهِمْ، اللَّهُمَّ أَدْخِلِ السُّرُورَ عَلَى قُلُوبِهِنَّ وَأَسْعِدْهُنَّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الْوَاصِلِينَ أَرْحَامَهُمْ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ اغفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، وَأَدْخِلِ اللَّهُمَّ فِي عَفْوِكَ وَغُفْرَانِكَ وَرَحْمَتِكَ آبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَجَمِيعَ أَرْحَامِنَا وَمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا من المؤمنين.
أَعَادَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْعِيدَ عَلَيْكُمْ بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَاتِ. وَكُلُّ عَامٍ وَأَنْتُمْ بِخَيْرٍ.
وَالسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
https://www.islam.ms/ar/?p=370