خطبة الجمعة عن النبي مُحَمَّد صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَهْدِيهِ ونَسْتَغْفِرُهُ ونَشْكُرُهُ ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا ومِنْ سَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَن يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ومَن يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَه، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ولا مَثِيلَ لَهُ، ولا نِدَّ ولا ضِدَّ لَه، أَيَّنَ الأَيْنَ فَلا أَيْنَ ولا مَكانَ ولا جِهَةَ لَه، وكَيَّفَ الكَيْفَ فَلا كَيْفَ ولا شَكْلَ ولا صُورَةَ ولا أَعْضاءَ لَه، وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا وحَبِيبَنا وعَظِيمَنا وقائِدَنا وقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ صَلَواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلى مُحَمَّدٍ وعَلى كُلِّ رَسُولٍ أَرْسَلَه، صَلَواتُ اللهِ البَرِّ الرَّحِيمِ والْمَلائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ والنَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَداءِ والصّالِحِينَ ما سَبَّحَ للهِ مِنْ شَىْءٍ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ خاتـَمِ النَّبِيِّينَ وسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وإِمامِ الْمُتَّقِينَ وحَبِيبِ رَبِّ العالَـمِين، الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَيْكَ يا سَيِّدِي يا عَلَمَ الهُدَى يا أَبا الزَّهْراءِ يا أَبا القاسِمِ يا مُحَمَّدُ ضاقَتْ حِيلَتُنا وأَنْتَ وَسِيلَتُنا أَدْرِكْنا يا رَسُولَ اللهِ بِإِذْنِ الله.
أَمّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ فَإِنّي أُوصِيكُمْ ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ القائِلِ في مُحْكَمِ كِتابِهِ ﴿ لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالـمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (۱۲٨)﴾سورة التوبة .
إِخْوَةَ الإِيـمانِ إِنَّ كَلامَنا اليَوْمَ عَنْ قائِدِنا وسَيِّدِنا وعَظِيمِنا وقُرَّةِ أَعْيُنِنا نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مَنْ قالَ عَنْهُ رَبُّهُ ﴿وما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعالَـمِينَ (١٠٧)﴾ سورة الأنبياء .
مُحَمَّدٌ تَحِنُّ إِلَيْهِ القُلُوب ... محمَّدٌ تَطِيبُ بِهِ النُّفُوس ... محمَّدٌ تَقَرُّ بِهِ العُيُون ... محمَّدٌ دُمُوعُ العاشِقِينَ تَسِيلُ لِذِكْرِهِ ... كَيْفَ لا ... كَيْفَ لا تَشْتاقُ إِلى مَنْ بَكَى الجَمَلُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ وشَكَى إِلَيْهِ ثِقَلَ أَحْمالِهِ ... كَيْفَ لا تَشْتاقُ إِلى مَنْ حَنَّ الجِذْعُ اليابِسُ لِفِراقِه.
كَيْفَ لا تَشْتاقُ إِلى مَنْ أَنَّ الجِذْعُ أَنِينَ الصَّبِيِّ حِينَ مَسَحَ عَلَيْهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَيَا مَعْشَرَ المسْلِمِينَ الخَشَبَةُ تَحِنُّ إِلى رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلمَ شَوْقًا إِلى لِقائِهِ فَأَنْتُمْ أَحَقُّ أَنْ تَشْتاقُوا إِلَيْهِ صلّى اللهُ عليه وسلم، ولا تَخْجَلْ أَخِي الْمُؤْمِنُ يا مُحِبَّ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلم مِنْ دُمُوعٍ بَدَتْ لِذِكْرِهِ صَلّى اللهُ عليه وسلمَ شَوْقًا إِلَيْه.
يا مُحِبِّي رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلم أَوْصافُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ تَحْمِلُكَ عَلى مَحَبَّتِهِ وشَمائِلُهُ تَدْفَعُكَ لِزِيادَةِ تَعْظِيمِهِ ومَكارِمُ أَخْلاقِهِ دَلِيلٌ عَلى عُلُوِّ شَأْنِه، حُسْنُ الْمُعاشَرَةِ، ولِينُ الجانِبِ، وبَذْلُ الْمَعْرُوفِ، وإِطْعامُ الطَّعامِ، وإِفْشاءُ السَّلامِ، وعِيادَةُ الْمَرِيضِ، وتَشْيِيعُ الجِنازَةِ، وحُسْنُ الجِوارِ، والعَفْوُ والإِصْلاحُ بَيْنَ النّاسِ، والجُودُ والكَرَمُ وكَظْمُ الغَيْظِ والعَفْوُ عَنِ النّاس، وٱجْتِنابُ ما حَرَّمَهُ الإِسْلامُ كَالغِيبَةِ والكَذِبِ والـمَكْرِ والخَدِيعَةِ والنَّمِيمَةِ وسُوءِ الخُلُقِ والتَّكَبُّرِ والحِقْدِ والحَسَدِ والظُّلْمِ وكُلِّ ما هُوَ مُنَفِّرٌ عَنْ قَبُولِ الدَّعْوَةِ مِنْهُ صَلّى اللهُ عليه وسلَّم.
فَأَحْلَمُ النّاسِ محمَّد، وأَشْجَعُ النّاسِ محمَّد، وأَعْدَلُ النّاسِ محمَّد، وأَعَفُّ النّاسِ محمَّدٌ وأَسْخَى النّاسِ محمَّد، وأَجْوَدُ الناسِ محمَّدٌ وأَعْقَلُ الناسِ محمَّد، وأَشَدُّ النّاسِ حَياءً محمدٌ صلى اللهُ عليه وسلّم.
كانَ صَلّى اللهُ عليْهِ وسلّمَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ ويَرْقَعُ ثَوْبَهُ ويَعْمَلُ في بَيْتِهِ كَما يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ في بَيْتِهِ، وكانَ صلّى اللهُ عليه وسلم يَعْصِبُ الحَجَرَ عَلى بَطْنِهِ مِنَ الجُوع، وكانَ يَأْكُلُ ما حَضَرَ ولا يَرُدُّ ما وَجَدَ، صَدَقَ اللهُ القائِلُ ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾
وكانَ أَفْصَحَ الناسِ مَنْطِقًا وأَجْلاهُمْ كَلامًا فَصْلاً يَفْهَمُهُ كُلُّ مَنْ يَسْمَعُهُ، وكانَ عليْهِ الصَّلاةُ والسّلامُ جَهِيرَ الصَّوْتِ أَحْسَنَ النّاسِ نَغْمَةً قالَ البَراءُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ما سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا مِنْهُ.
إِخْوَةَ الإِيمانِ كانَ سَيِّدُنا داودُ إِذا سَبَّحَ اللهَ سَبَّحَتِ الجِبالُ والطَّيْرُ مَعَهُ لِحُسْنِ صَوْتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الحَدِيدَ (۱٠)﴾ سورة سبأ.
وأُعْطِيَ سَيِّدُنا يُوسُفُ نِصْفَ الجَمالِ الَّذِي بَيْنَ البَشَرِ فَكانَ شَدِيدَ الجَمالِ ﴿فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ للهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١)﴾سورة يوسف.
وأَمَّا محمَّدٌ صلَى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَدْ قالَ "مَا بَعَثَ اللهُ نَبِيًّا إِلاَّ حَسَنَ الوَجْهِ حَسَنَ الصَّوْتِ وإِنَّ نَبِيَّكُمْ أَحْسَنُهُمْ وَجْهًا وأَحْسَنُهُمْ صَوْتًا" اهـ.
كانَ عليْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَظِيمَ اللِّحْيَةِ مُقَوَّسَ الحاجِبَيْنِ دَقِيقَهُما ... أَسْوَدَ العَيْنَيْنِ كَحِيلَهُما ... لَيْسَ في بَدَنِهِ شَىْءٌ يُعابُ بِه، مُعْتَدِلَ الخَلْقِ، عَرِيضَ الصَّدْرِ، عَظِيمَ الرَّأْسِ واسِعَ الجَبِينِ، مُرْتَفِعَ أَعْلَى الأَنْفِ مُحْدَوْدِبَ الوَسَطِ مِنْه، يَعْلُو أَوَّلَ أَنْفِهِ نُورٌ ساطِعٌ، مُفَلَّجَ الأَسْنانِ، سَهْلَ الخَدَّيْنِ، أَبْيَضَ الأَسْنانِ، لَيْسَ بِسَمِينٍ ولا ناحِلٍ بَلْ مُعْتَدِلَ الخَلْقِ، واسِعَ الكَفِّ حِسًّا ومَعْنًى، سَرِيعَ هَيْئَةِ الْمَشْيِ واسِعَ الخُطْوَة.
الصَّلاةُ والسلامُ عَلَيْكَ يا سَيِّدِي يا رَسُولَ اللهِ ما أَجْمَلَ ذاتَكَ وأَكْمَلَ صِفاتِكَ وأَعْظَمَ فَضْلَكَ عَلى أُمَّتِكَ، فِداكَ يا سَيِّدِي النَّفْسُ والْمالُ والوَلَدُ وَصَلّى اللهُ عَلَيْكَ في الآخِرَةِ والأُولى.
هَذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ، وَنَعوذُ بِاللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنا وَمِنْ سَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَن يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَن يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ على سَيِّدِنا محمَّدٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ وعَلى كُلِّ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ، أَمَّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ ونَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.
وَٱعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظيمٍ، أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلى نِبِيِّهِ الكريمِ فَقالَ ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ على النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٥٦)﴾ سُورَةُ الأَحْزاب . اَللَّهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا محمدٍ وعلى ءالِ سَيِّدِنا محمدٍ كَمَا صَلَّيْتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيدِنا محمدٍ وعلى ءالِ سيدِنا محمدٍ كَمَا بارَكْتَ على سيدِنا إِبراهيمَ وعلى ءالِ سيدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، يَقُولُ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى ﴿يَا أَيُّها النَّاسُ ٱتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ (٢)﴾ سورة الحج . اَللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْناكَ فَٱسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنَا فَٱغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنا ذُنوبَنَا وَإِسْرافَنا في أَمْرِنا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ الأَحْياءِ مِنْهُمْ وَالأَمْواتِ رَبَّنا ءاتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذابَ النَّارِ. عِبادَ اللهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسانِ وَإِيتَاءِ ذي القُرْبَى وَيَنْهى عَنِ الفَحْشاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. أُذْكُرُوا اللهَ العَظيمَ يَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُوهُ يَزِدُكُمْ وَٱسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَٱتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنَ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.
https://www.islam.ms/ar/?p=175