خطبة الجمعة عن وِلادَة النَبِيِّ مُحَمّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ. المولد النبوي
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحَمدَ لله نحمدُهُ ونستعينهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ الله فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا الله وحدَهُ لا شريكَ لهُ، جلَّ ربّي لا يُشبِهُ شيئًا ولا يُشْبِهُهُ شَىءٌ، ولا يَحُلُّ في شىءٍ ولا يَنْحَلُّ مِنْهُ شَىءٌ، ليسَ كَمِثْلِهِ شىءٌ وَهُوَ السَّميعُ البَصيرُ. وأَشْهَدُ أنَّ سَيّدَنا مُحَمّدًا عَبْدُهُ ورسولُهُ وصَفِيُّهُ وحَبيبُهُ، صلَّى الله عليهِ وعلى كلِّ رَسولٍ أَرْسَلَهُ.
أمّا بعدُ عبادَ الله فإنّي أوصيكُمْ ونَفْسي بِتَقْوى الله العَلِيّ القديرِ القائلِ في مُحْكَمِ كِتابِهِ المعجِزَةِ الكريمِ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [سورة التوبة ءاية 128].
ويقولُ اللهُ تعالى : ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [سورة يونس ءاية 58].
الصَّلاةُ والسَّلامُ عليكَ يا زينَ الخلائِقِ يا مُحَمَّدُ
الصَّلاةُ والسَّلامُ عليكَ يا خاتم النبيين يا مُحَمَّدُ
الصَّلاةُ والسَّلامُ عليكَ يا زَيْنَ المرْسَلينَ يا مُحَمَّدُ
الصَّلاةُ والسَّلامُ عليكَ يا إِمامَ المتَّقينَ يا مُحَمَّدُ
الصَّلاةُ والسَّلامُ عليكَ يا حَبيبَ المحبوبِ يا مُحَمَّدُ
الصَّلاةُ والسَّلامُ عليكَ يا بُغْيَةَ المطْلوبِ يا مُحَمَّدُ
الصَّلاةُ والسَّلامُ عليكَ يا إِمَامَ الأَبْرارِ يا مُحَمَّدُ
الصَّلاةُ والسَّلامُ عليكَ يا حبيبَ الملِكِ الجبَّارِ يا مُحَمَّدُ
يا ربَّنَا مُنْشِئ الأشْياءِ مِنْ عَدَمٍ صَلّ وسَلّمْ على مَنْ عِشْقُهُ يَجِبُ
هذا الذي لا يُضَاهَى في مَحاسِنِه ومِنْ سَناهُ معالي الفَضْلِ تُكْتَسَبُ
أنْتَ المرادُ وأنْتَ القَصْدُ أَجْمَعُهُ يا مَنْ لَهُ كَرَمٌ يا مَنْ لَه رُتَبُ
صلَّى عَلَيْكَ إِلـهُ العَرْشِ ما طَلَعَتْ شَمْسُ النَّهارِ ومالَ الظّلُّ يَغْتَرِب
لقد أرسلَ اللهُ تعالى سيِّدَنا محمَّداً صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وجعلَهُ أفضلَ خَلْقِهِ وأكرَمَهُم عليهِ، وقدْ ظهرَ لهُ منَ الفَضَائلِ ما يَدُلُّ على عُلُوِّ مَقَامِهِ وشَرَفِهِ على سائِرِ خَلْقِ اللهِ.
حتَّى إنَّهُ ظهرَ في مَولِدِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مِنَ الآياتِ ما يدُلُّ على عظيمِ بَرَكَتِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ.
هو أَبو القَاسِمِ سيِّدُنا مُحَمَّد
ابنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بن هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافِ ابنِ قُصَيِّ بنِ كِلابِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبِ ابن فِهْرِ بنِ مَالِكِ بنِ النَّضْرِ بنِ كِنَانَةَ بنِ خُزَيْمَةَ بنِ مُدْرِكَةَ ابنِ إِلْيَاسَ بنِ مُضَرِ بن نِزَارِ بنِ مَعَدِّ بن عَدْنَانَ. ويتَّصلُ نَسَبُهُ إلى نبيِّ اللهِ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ نبيِّ اللهِ إِبْرَاهِيمَ
ذكر العلماء انه قد اختلف في عام ولادته صلى الله عليه وسلم والأكثر أنه عام الفيل، قال ابن عبد البر: « ولد بعد قدوم الفيل بشهر، وقيل بأربعين يومًا، وقيل بخمسين يومًا ». وروى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: « ولد النبي صلى الله عليه وسلم عام الفيل ».
أما شهر مولده فهو شهر ربيع الأول، و المعتمد أنه كان لثنتي عشرة ليلة خلت من الشهر المذكور
أما يوم مولده فهو يوم الاثنين بلا خلاف، فقد روى مسلم عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الإثنين فقال: « ذاك يوم ولدت فيه، وأُنزل عليّ فيه ».
وأما مكان مولده فالصحيح المحفوظ أنه كان بمكة المشرفة، والأكثر أنه كان في المحل المشهور بسوق الليل وقد جعلته أم هارون الرشيد مسجدًا ذكر ذلك الحافظ العراقي وغيره، وقال الأزرقي: « إنه ذلك البيت لا اختلاف فيه عند أهل مكة » ا.هـ. ويُعْرف المكان اليوم بمحلة المولد. توفي والده صلى الله عليه وسلم عبد الله وهو ابن شهرين ، ثم أرضعته حليمة فكان من قصة رضاعه من حليمة عجائب وغرائب ببركته صلى الله عليه وسلم.
وقَدْ قَالَ بعضُ العلماءِ مِمَّنْ ألَّفَ في قِصَّةِ المولِدِ الشريفِ: حملَتْ ءامِنةُ بنتُ وَهَبٍ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عشيَّةَ الجُمُعةِ أوَّلَ ليلةٍ مِنْ رَجَبٍ. وإنَّ ءامِنَةَ لمَّا حملَتْ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَتْ ترى الطيورَ عاكِفَةً عليها إجْلالاً للذي في بَطْنِها وكانَتْ إذا جاءَتْ تستقي مِنْ بئرٍ يَصْعَدُ الماءُ إليها إلى رأسِ البِئْرِ إجلالاً وإعظاماً لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، قالَتْ وكنتُ أسمَعُ تسبيحَ الملائكةِ حَوْلي وسمعتُ قائلاً يقولُ: هذا نورُ السيِّدِ الرسولِ ثم رأيتُ في المنامِ شجرةً وعليها نجومٌ زاهرةٌ بينهنَّ نجمةٌ فاخرةٌ أضاءَ نورُها على الكُلِّ، وبينما أنا ناظرةٌ إلى نورِها واشتعالِها إذْ سَقَطَتْ في حِجْري وسمعتُ هاتفاً يقولُ هذا النبيُّ السيِّدُ الرسولُ، ثم أمامي مَلَكٌ ومَعَهُ ورقةٌ خضراءُ فقالَ: إنكِ قدْ حَمَلْتِ بسيِّدِ المرسلينَ ونبيِّ المؤمنينَ قالَتْ: فانتبهتُ مِنْ نَوْمِي مرعوبَةً وحدَّثْتُ بذلِكَ زَوْجي فقالَ: قومِيْ إلى خَليفَةَ بنِ عتَّابٍ يفسِّرُ لكِ هذا المنامَ، قالَتْ فأتيتُ إليهِ وَقَصَصْتُ عليهِ هذا المنامَ فقالَ: الشجرَةُ إبراهيمُ الخليلُ والنجومُ الزاهرةُ همُ الأنبياءُ مِنْ أولادِهِ والنجمةُ الفاخِرَةُ التي علا ضوؤهَا علَى الكلِّ فهو نبيٌّ يظهرُ في هذا الزمانِ يكسِرُ الأوثانَ ويعبدُ الرَّحمنَ، وأمَّا سقوطُها في حِجْرِكِ فسوفَ تَلِدينَهُ وسَيَعْلو مكانُهُ وينتشرُ في المشْرِقِ والمغربِ برهانُهُ، ومرضَ عبدُ اللهِ وماتَ بالمدينةِ ولآمنةَ سِتَّةُ أشهرٍ وهيَ حاملٌ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ولما ماتَ ضَجَّتِ الملائكةُ إلى بَارِيْها (سؤالاً لا اعتراضاً لأنَّ الملائكةَ لا يعترِضونَ على اللهِ) وقالَتْ إلهَنَا يبقَى نبِيُّكَ وحبيبُكَ يتيماً، قالَ اللهُ تعالى : { يا ملائكَتي أنا أولى بحفظِهِ مِنْ أمِّهِ وأبيهِ وأنا خالِقُهُ ورازِقُهُ ومربِّيه ، ومُظَفِّرُهُ على أعادِيهِ ، ولِيَ تدبيرُ ذلكَ وأنا على كلِّ شَىْءٍ قديرٌ }.
ولمَّا حَمَلَتْ ءامنةُ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ظَهَرَ صفاءُ يَقِينِها، وانطوَتِ الأحشاءُ على جنبَيْها وسطَعَ نورُ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على جنبيْها وكانت ترى في كلِّ شهرٍ مِنْ أشهرِ حَمْلِها نبِيّاً مِنَ الأنبياءِ يُبَشِّرُها بولادَةِ سَيِّدِنا محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فرَأَتْ في الشهرِ الأولِ سيِّدَنا ءادمَ وفي الشهرِ الثاني سيِّدَنا شيثاً وفي الثالث سيِّدَنا إدريسَ وفي الرابعِ سيِّدَنا نوحاً وفي الخامسِ سيِّدَنا هوداً وفي السادسِ سيِّدَنا إبراهيمَ وفي السابعَ سيِّدَنا إسماعيلَ وفي الثامنَ سيِّدَنا موسَى وفي التاسعِ سيِّدَنا عيسى الذي بشَّرَها بولادَةِ سيِّدِنا محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في هذا الشهرِ.
فلمَّا دخَلَ شهرُ ربيعٍ الأولِ في اثنتي عَشْرَةَ ليلةٍ خَلَتْ منهُ وهيَ ليلةُ الاثنين مِنَ الليالي البيضِ اللاتي ليسَ فيهِنَّ ظلامٌ، وكانَ عبدُ المطَّلبِ قدْ خرجَ يطوفُ بالبيتِ هو وأولادُهُ ولم يبقَ عندَ ءامنةَ ذَكَرٌ ولا أنثى وقدْ أَغْلَقَ عبدُ المطَّلبِ عليها البابَ خوفاً عليها مِنْ طارقٍ يطرُقُها، قالَتْ ءامنةُ : وَبقِيْتُ في المنزلِ وحيدَةً إذ سَمِعْتُ حركةً بينَ السماءِ والأرضِ ورأيتُ مَلَكاً عظيماً بيدِهِ ثلاثةُ أَعْلامٍ فنشَرَ الأولَ على مشرِقِ الأرضِ، والثانيَ على مغرِبِها والثالثَ على البيتِ الحرامِ، قالَتْ ءامنةُ: لمَّا كانَتِ الليلةُ الثانية عَشْرَةَ مِنْ شهرِ ربيعٍ الأولِ أحسَسْتُ بالذي في بَطْني يريدُ النزولَ فلحِقَني البكاءُ لوَحْدَتي في المنزلِ وقدْ ظهرَ منه أربعُ نساءٍ طوالٍ كأنَّهنَّ الأقمارُ مُتَّزِراتٍ بأُزُرٍ بيضٍ يفوحُ الطيبُ مِنْ أعطافِهِنّ فَقُلْتُ لهنّ من أنتنّ الاَّتي منَّ الله عَلَيَّ بِكُنَّ في وَحْدَتِي وفرَّجَ بِكُنَّ كُرْبَتِي ؟ قَالت الأولى: أنا مريم بنت عِمران والَّتي على يَسارِكِ سارة زوجة إبراهيم والَّتي تُناديكِ من خَلْفِكِ هاجَرُ أُمّ إسماعيل والَّتي أَمَامَكِ ءاسِيَةُ بِنتُ مُزاحِم. قَالت ءامنتُ: وفي تِلكَ السَّاعَةِ رأَيْتُ الشُّهُبَ تَتَطَايَرُ يَمِينًا وَشِمَالاً وَأَوحى الله إلى رِضْوان: يا رِضْوان زَيِّن الجِنان وَصُفَّ على غُرفِها الحُورَ والوِلدان واهتَزَّ العَرشُ طَرَبًا ومالَ الكُرسِيُّ عَجَبًا وخَرَّت الملاَئِكَةُ سُجَّدًا وَمَاجَ الثَّقَلاَنِ وقِيلَ يَا مَالِكُ أَغْلِقْ أَبْوابَ النِّيران وَصَفِّدِ الشَّياطينَ لِهُبوطِ المَلاَئِكةِ المُقَرَّبِينَ.
قَالَتْ ءامِنَةُ ولمْ يأخُذْني ما يأخذُ النساءَ مِنَ الطَّلْقِ إلاّ أنِّي أعرقُ عَرَقاً شديداً كالمِسْكِ الأَذْفَرِ لمْ أعْهَدْهُ قبلَ ذلكَ من نفسي فشكوتُ العَطَشَ، فإذا بِمَلَكٍ ناوَلَني شَرْبَةً مِنَ الفِضَّةِ البيضاء فيها شرابٌ أحْلى مِنَ العَسَلِ وأبردُ مِنَ الثلجِ وأذكى رائحَةً مِنَ المِسْكِ الأذفَرِ فتناولتُها فشرِبْتُها فأضاءَ عليَّ منها نورٌ عظيمٌ ، فحِرْتُ لذلكَ وجعلتُ أنظُرُ يميناً وشمالاً وقد اشتَدَّ بيَ الطَّلْقُ، فبينما أنا كذلكَ فإذا أنا بطائرٍ عظيمٍ أبيضَ قدْ دَخَلَ عليَّ وأمَرَّ بجانِبَةِ جَناحَيْهِ على بطني وقالَ: انزِلْ يا نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فأعانني عَالِمُ الغيبِ والشهَادَةِ على تسهيلِ الوِلادَةِ فوضَعْتُ الحبيبَ مُحَمَّداً صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ. قالتْ ءامنةُ: لقد عَلِقْتُ بهِ فمَا وجَدْتُ له مشقةً حتى وَضَعْتُهُ فلمَّا خرجَ مني خرجَ معهُ نورٌ أضاءَ لهُ المشْرِقُ والمَغْرِبُ.
وَوُلِدَ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مَكْحُولاً مَدْهوناً مَسْروراً مختوناً، وحينَ وُلِدَ سَارَعَتْ إلى طَلْعَتِهِ المُبَارَكَةِ ثلاثةٌ مِنَ الملائكَةِ معَ أحدِهِم طَسْتٌ منَ الذهَبِ ومَعَ الثاني إبريقٌ منَ الذَّهَبِ ومعَ الثالثِ مِنديلٌ مِنَ السُّنْدُسِ الأخضَرِ وغَسَلوهُ بماءِ الرحيق. قالتْ ءامِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ: فَلَمَّا وَضَعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رأيتُهُ رافِعاً رأسَهُ إلى السماءِ مشيراً بإصبَعِهِ، فاحتمَلَهُ جبريلُ وطارَتْ بهِ الملائكَةُ، ولَفَّهُ ميكائيلُ في ثوبٍ أبيضَ منَ الجنَّةِ وأعطاهُ إلى رِضوانَ يَزُقُّهُ كَمَا يَزُقُّ الطيرُ فَرْخَهُ، وَكُنتُ أنْظُرُ إليهِ كأنَّهُ يقولُ زِدْني فقالَ لَهُ رِضْوانُ : يكفيكَ يا حبيبَ اللهِ، فما بقيَ لنبيٍ عِلْمٌ ولا حِلْمٌ إلاَّ أُوتيتَهُ، فاسْتَمْسَكَ بالعُرْوَةِ الوثقى مَنْ قالَ مقالَتَكَ واتَّبَعَ شريعَتَكَ، يُحْشَرُ غدا في زُمْرَتِكَ، وإذا منادٍ ينادي : طوفُوا بهِ مَشارِقَ الأرْضِ ومغارِبَها، واعرِضوُهُ على موالِدِ الأنبياءِ، (أيِ الأماكنِ التي وُلِدَ فيها النبيُّونَ) وأَعْطُوهُ صفوةَ ءادَمَ، ومعرفَةَ شيث ورِقَّةَ نوحٍ، وخُلَّةَ إبراهيمَ ورضَا إسحاقَ، وفصاحةَ إسماعيلَ، وحِكْمَةَ لُقمان وصبرَ أيوب ونغمةَ داودَ، وقوةَ موسى وزهدَ عيسى وفَهْمَ سليمانَ وطِبَّ دانيالَ وَوَقارَ إلياسَ، وعِصْمَةَ يحيى، وقبولَ زكريا، واغمسوه في أخلاقِ النبيينَ كلِّهِمْ وأَخْفَوْهُ عَنْ أعْيُنِ العالمينَ، فهو حبيبُ ربِّ العالمينَ فطوبَى لحِجْرٍ ضمَّهُ، وطوبَى لثديٍ ارضَعَهُ، وطوبَى لبيوتٍ سَكَنَها، فقالتِ الطيرُ نحنُ نكفلُهُ، وقالتِ الملائكةُ نحن أحقُّ بهِ وقالتِ الوحوشُ نحن نُرْضِعُهُ. قالَ اللهُ تعالى: أنا أولى بحبيبي ونبيِّي محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فإنِّي قدْ كتبتُ أن لا ترضِعَهُ إلاَّ أَمَتِيْ حليمَةُ.
المصطفى خير العوالم أحمد يا سادتي صلوا عليه لتسعدوا
صلى عليك الله يا علم الهدى يا من لـه اسمه أحمد ومُحَمّد
ولد الحبيب وخده متورد والنور من وجناته يتوقد
قالت ملائكة السماء بأسرهم ولد الحبيب ومثله لا يولد
فهذا باختصارٍ بعضُ ما حَصَلَ في قِصَّةِ المولِدِ وكلُّ ذلكَ يدُلُّ على عُلُوِّ مَقَامِ نبِيِّنا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ .فنسألُ اللهَ تعالى أن ينفعَنا بهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.
اللّهُمَّ اجْمَعْنا بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في الجَنَّةِ في أَعْلَى عِلّيّينَ يا ربَّ العالَمينَ. هذا وأسْتَغْفِرُ الله لي ولَكُم.
إنَّ الحَمدَ لله نحمدُهُ ونستعينهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ الله فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هاديَ له وأشهد أن لا إلـه إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدًا عَبْدُهُ ورَسولُهُ صَلَواتُ الله وسَلامُهُ عليهِ وعلى كلّ رَسولٍ أرْسَلَهُ. أمّا بعدُ عبادَ الله فإني أوصيكم ونفسي بِتقوَى الله العليّ القديرِ والسَّيْرِ على دَرْبِ سَيّدِ المرسَلينَ سَيّدِنا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم القائِلِ: « إنَّ الله لَوْ عَذَّبَ أَهْلَ أَرْضِهِ وسَمَاواتِهِ لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، ولَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمالِهِمْ » رواه أبو داود. فَرَبُّنا تبارَكَ وتَعَالى حَكيمٌ لا يُسأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وهمْ يُسأَلونَ. فالظُّلْمُ في حقّ الله مُستَحيلٌ، الظُّلمُ في حقّ الله مُستَحيلٌ، الظُلمُ في حَقّ الله مُسْتَحيلٌ. وصَدَقَ رَبُّنا في قَوْلِهِ: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [سورة فصلت]. أمَّا بَعْضُ العِبادِ فَقَدْ يَقَعُ في الظُّلْمِ، فإذا ضَرَبَ مُسلم مُسْلِما ءاخَرَ بِغَيْرِ حق فهذا ظُلْم لِذلك إذا شَخْصٌ قَال عَنْ هَذا المضْروب المظْلوم « ما بيستاهِل، فُلانٌ يَضْربْهُ » معناه ضَرَبَهُ بِغَيْرِ حَق، أمَّا إذا نَزَلَتْ مُصيبَة على شَخص من الله سبحانه وتعالى فلا يُقال فُلان «ما بيستاهِل» لأن الله فَعَّالٌ لِما يُريدُ، فَبَعضُ النَّاسِ إذا رَأوْا شَخْصًا نَزَلَتْ عَليْهِ مُصيبَةٌ، نَزَلَ عليهِ بَلاءٌ يَقولونَ «ما بيستاهِل»، فإنَّ هَذِهِ العبارَةَ مَنْ فَهِمَ مِنْها أنَّ هَذا الإنْسانَ ما عَمِلَ ذنْبًا يَسْتَحِقُّ أنْ يُعاقبَ عليهِ فلا يَكْفُرُ، وكثير مِنَ النَّاسِ هَذا فَهْمُهُم مِنْ هَذِهِ الكَلِمَةِ عِنْدَ النُّطْقِ بها، لا يَفْهَمونَ الاعْتِراضَ على الله سُبْحانَهُ وَتعالى إنمَا يَفهَمون مِنْ كَلِمَةِ «ما بيستاهِل» إذا رَأوْا شَخْصًا نَزَلَ عليْهِ بَلاءٌ نَزَلَتْ عَليْهِ مُصيبَةٌ أنَّهُ ما عَمِلَ ذَنْبًا يَسْتَحِقُّ العِقابَ عَليْهِ، أمَّا مَنْ قالَ هَذِهِ الكَلِمَةَ «ما بيستاهِل» إذا رأى شخْصًا نَزَلَ عليْهِ البَلاءُ وفَهِمَ مِنْها الاعْتِراضَ على الله فهذا لا شَكَّ كما تَعْلَمونَ خارجٌ عنِ الإسلامِ ولا بُدَّ لَهُ مِنَ الرُّجوعِ إلى الإسلامِ بالنُّطْقِ بالشهادَتَيْنِ، وفي الحَالَيْنِ فإنَّ هَذِهِ العبارةَ يَجِبُ النَّهْيُ عَنْها. اللهمَّ لا تَجْعَلْ مُصيبَتَنا في دينِنَا ولا تَجْعَلِ الدُّنْيا أَكْبَرَ هَمّنا يا ربَّ العالمينَ.
واعلَموا أنَّ الله أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللّهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم، وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ، إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ الله إنَّ الله يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا الله العظيمَ يذكرْكُمْ، واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ، واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا.
والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ
https://www.islam.ms/ar/?p=214