خطبة جمعة: من أجل القدس عاصمة فلسطين عربية إسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريـك له وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله من بعثه الله رحمة للعالمين هاديا ومبشرا ونذيرا، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيا من أنبيائه صلوات الله وسلامه عليه وعلى كل رسول أرسله.
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ العظيم، يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا ﴾ [سورة الأحزاب آية 23].
إخوة الإيمان والإسلام
مِنْ أجلِها ذَرَفَتْ عُيُون وَلِتُرْبِهَا حَنَّتْ قُلُـوب
إنها فلَسطين، أرضُ القدس، أرضُ الأقصى، ومَسرى نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، والقبلةِ التي توجّه إليها رسولُ الله بعد الهجرة سبعة عشر شهرا.
إنها فلسطين، أرضُ الكثير من الأنبياء والمرسلين، فعلى أرضها عاش إبراهيمُ وإسحاقُ ويعقوب ويوسف ولوط وداود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام وغيرُهمُ الكثيرُ ممن لم تُذكَر أسماؤهم من أنبياءِ بني إسرائيل. لإسلام دين كل الأنبياء. أنظر: الإسلامُ دِينُ جَمِيع الأنبياءِ
إنها فلسطين، أرضُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وبيتُ المقدس أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ، إنها فلسطين مَصْرَعُ الدَّجَّالِ ومَقتلُه حيثُ يلقاه عيسى عليه السلام، إنها فلسطين من الشام الأرض التي دعا لها رسولُ الله بقوله: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَفِي يَمَنِنَا.
إنها فلسطين، كان عليها الكثيرُ منْ صحابةِ رسول الله، منهم: عُبادةُ بنُ الصَّامِت، وشدَّادُ بنُ أَوْس، وأسامةُ بنُ زيدِ بنِ حارثة، وواثِلَةُ بنُ الأَسْقَع، ودِحيةُ الكَلْبِيّ، وأَوسُ بنُ الصَّامِت، ومَسعودُ بنُ أَوْس، وغيرُهم مِنَ الصَّحابةِ الكرام رضي الله عنهم.
إنها فلسطين، كان عليها الآلافُ منْ أعلامِ الأُمَّةِ وعلمائِها الذينَ أضَاؤُوا في سمائِها بُدورًا ولمعوا فيها نجومًا، ومِن هؤلاء : مالكُ بنُ دينار وسفيانُ الثَّوري وابنُ شهاب الزّهري والشافعيُّ وغيرُهم.
نعم، هذه هي فلسطين. من أجلها تَتَابَعَتِ التَّضْحِيَات، وعظم البذل.
ومن أجلها قال السلطانُ العادلُ محمود نور الدين زنكي: أَسْتَحِي مِنَ اللهِ أنْ أَتَبَسَّمْ وبيتُ المقدسِ في الأسر.
وَمِنْ أَجْلِهَا شمخَ صلاحُ الدِّين برأسِه وأعدَّ عدَّتَه لِيحرِّرَ أرضَ الأقصى، وقد نصره اللهُ وفتحَ بيتَ المقدس.
ومن أجلِها صاحَ المظفَّر قُطُز صيحتَه الشهيرة (وا إسلاماه).
ومن أجلها ضحّى عبدُ الحميد بعرشِه وملكِه وقال: لا أقدِرُ أنْ أبيعَ ولو قدمًا واحدًا من فلسطين.
ومِنْ أجلِها انتفضَ أبناءُ الحجارةِ يحمِلُون حصَى أرضِهم وترابها ليَرْمُوا بها وجوهَ الدُّخلاء الغاصبين.
نعم يا فلسطين … من أجلِكِ نهض هؤلاء.
واليومَ يهرعُ أعداؤُنا إلى ذبحِنا وما مِن مجيبٍ ولا ناصر!!
واليومَ بُحَّتْ أصواتُ المنادِين والمستغيثينَ وكثيرٌ مَن يتصامَمُ عن نداءِ إخوانِنا !
إخوةَ الإيمان والإسلام، إن ذكرى بطولاتِنا وأمجادِنا لا بدَّ أن تُحرِّكَ عزائمَنا إلى نُصرةِ دينِنا. ولعلكم تقولون ماذا نفعل ؟ وأنا أقولُ لِيَكُن كلٌّ منكُم صلاحَ الدِّين، وما يمنع ؟
ليرجعْ كلٌّ إلى نفسِه ابتداءً فليصلِحْهَا ويقوِّم عِوَجَها ثم ليلتفت إلى أقرب الناس إليه فيفعل مثلَ ذلك، وهكذا تصلُحُ الأمَّةُ كلُّها.
قال الله تعالى: ﴿ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ ﴾ [سورة الحج آية 40].
لقد كان السلطانُ صلاحُ الدين رحمه الله شجاعًا، كريمًا، حليمًا، حسنَ الأخلاق، متواضعا، حافظا لكتاب الله، حافظا لكتابِ التنبيهِ في الفقه الشافعي، كثيرَ السماعِ للحديثِ النبويِّ الشريف، وكان رقيقَ القلبِ سريعَ الدمعةِ عندَ سماعِ القرءانِ والحديث،كثيرَ التعظيمِ لشعائرِ الدِّين، وكان مُتَقَشِّفًا في مأكلِه وملبسِه، ولم يُؤخِّر صلاةً عن وقتِها، ولا صلّى إلا في جماعة، عمّرَ المساجدَ والمدارس، وعمّرَ قلعةَ الجبل، وسورَ القاهرة، وحرَّرَ القُدس، وبَنَى قُبَّةَ الشافعي، وأبطلَ الضَّريبة، وكانَ شافعيَّ المذهبِ أشعريَّ الاعتقاد، بنى مدرسةً في القاهرة لتعليمِ العقيدةِ فقط، وأمرَ المؤذِّنينَ أن يُعلنوا وقتَ التسبيح على المآذِن بالليل، بذكرِ العقيدةِ المرشدة، فواظبَ المؤذِّنونَ على ذِكرها في كلِّ ليلةٍ بسائرِ الجوامع، وفيها هذه الكلمات: الله موجودٌ قبلَ الخلقِ، ليس له قبلٌ ولا بعدٌ، ولا فوقٌ ولا تحتٌ، ولا يَمينٌ ولا شمالٌ، ولا أمامٌ ولا خلفٌ، ولا كلٌّ، ولا بعضٌ، ولا يقالُ متى كانَ ولا أينَ كانَ ولا كيفَ، كان ولا مكان، كوَّنَ الأكوانَ، ودبَّـر الزمانَ، لا يتقيَّدُ بالزمانِ ولا يتخصَّصُ بالمكان.
إخوة الإيمان والإسلام، حين نتحدث عن فلسطينَ والأقصى نجدُ أنفسَنا أمامَ مأساةٍ تعجَزُ الكلماتُ عن وصفِها، اختلطَتْ فيها العَبَراتُ بالعِبارات.
عمَّ نتحدّث ؟ عن شعبٍ أعزلٍ يواجِهُ مجزرةً جماعيّةً بَشِعة، أم عن صَمْتٍ دُوَليّ، أم عن تواطُىءٍ وتَقاعُس، أم عنِ انقسامٍ داخِليٍّ!
إن المؤامرةَ أصبحتْ حقيقةً واقعةً ظاهرةً للعيان، تتسارعُ خطُواتها يومًا بعد يوم، ومعَ ذلك نعلمُ يقينًا أن قضيةَ فلسطين لن تُنسى؛ لأنها في قلبِ كلِّ مسلم.
وقد قال الأديبُ الشاعرُ واصفًا حالَ طفلِ غزة:
وطفلُ غزةَ يشكو ما دَهَـى عَـرَبًا بَنَوْا لأمتِنا أمجادَ شُجعانِ
أنا ابنُكُمْ ودَمِي المسفوحُ مِنْ دَمِكُمْ أنا وأنتم بدِيْنِ اللهِ صِنوانِ
أنا أخوكُم بعَهدِ اللهِ أينَ أنَا في ساعَةِ الذَّبْحِ مِن أهلِي وإخواني
أُمي هُناكَ وأشلاءٌ مُبَعْثَرةٌ كانتْ أَخِي وأبي في الدَّارِ نِصفانِ
وهذه مُدْيَةُ الجزَّارِ في عُنُقِي أَستشْعِرُ النَّصْلَ في الحُلقومِ أدماني
أنا أُحِـبُ نبيَّ اللهِ قُدْوتَنَا اللهُ ربيَ والـقـرءانُ قُـرءانـي
نسألُ الله تعالى أن يوحِّدَ صفوفَنا ويجمعَ كلمتَنا ويُعَجِّلَ لنا بالفرجِ والنصرِ المبين.
هذا وأستغفر الله لي ولكم
https://www.islam.ms/ar/?p=303