خطبة الجمعة عن عذاب القبر
بِسمِ اللهِ الرَّحمـنِ الرَّحِيم
الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَعينُهُ وَنَسْتَهْديهِ وَنَشْكُرُهُ، وَنَعوذُ بِاللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنا وَمِنْ سَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ وَلا مَثيلَ ولا شَبِيهَ وَلا ضِدَّ وَلا نِدَّ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا وَحَبِيبَنا وَعَظِيمَنا وَقائِدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا محَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسولُهُ وَصَفِيُّهُ وَحَبِيبُهُ مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعالَمينَ هادِيًا وَمُبَشِّرًا وَنَذيرًا بَلَّغَ الرِّسالَةَ وَأَدّى الأَمانَةَ وَنَصَحَ الأُمَّةَ وَجاهَدَ في اللهِ حَقَّ جِهادِهِ فَجَزاهُ اللهُ عَنّا خَيْرَ ما جَزى نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَائِهِ. اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلى سَيِّدِنا محمدٍ وَعَلى ءالِهِ وأَصْحابِهِ الطَّيِّبِينَ الطاهِرِين.
أَمّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ أُوصِي نَفْسِي وأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَدِيرِ القائِلِ في مُحْكَمِ كِتابِهِ ﴿يَا أَيُّها الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٨) وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ نَسُواْ اللهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولاَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ (١٩) لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ (۲۰)﴾ سُورَةُ الحَشْر.
إِخْوَةَ الإِيمانِ كَلامُنا اليَوْمَ عَنْ حَياةِ البَرْزَخِ وما فِيها، يَقُولُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالى ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا (١۲٤)﴾ سُورَةُ طَهَ. أَيْ مَنْ أَعْرَضَ عَنِ الإِيمانِ بِاللهِ تَعالى ﴿فِإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ أَيْ ضَيِّقَةً في القَبْرِ كَما فَسَّرَها النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّم. ورَوَى التِّرْمِذِىُّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قالَ "القَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ" وفِى سُنَنِ النَّسائِىِّ عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ عَنْ عَذابِ القَبْرِ فَقالَ "نَعَمْ عَذابُ القَبْرِ حَقٌّ".
فَمِمّا يَجِبُ التَّصْدِيقُ بِهِ إِخْوَةَ الإِيمانِ عَذابُ القَبْرِ لِلْكافِرِ ولِبَعْضِ عُصاةِ الْمُسْلِمِينَ، قالَ الإِمامُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ فى الفِقْهِ الأَكْبَرِ "وضَغْطَةُ القَبْرِ وعَذابُهُ حَقٌّ كائِنٌ لِلْكُفّارِ ولِبَعْضِ عُصاةِ المُسْلِمِينَ" اهـ فَلا يَجُوزُ إِنْكارُ عَذابِ القَبْرِ بَلْ إِنْكارُهُ كُفْرٌ، قالَ الإِمامُ أَبُو مَنْصُورٍ البَغْدادِيُّ فِى كِتابِ الفَرْقِ بَيْنَ الفِرَقِ "وقَطَعُوا ـ أَىْ أَهْلُ السُّنَّةِ والجَماعَةِ ـ بِأَنَّ المُنْكِرِينَ لِعَذابِ القَبْرِ يُعَذَّبُونَ فِى القَبْرِ" اهـ أَىْ لِكُفْرِهِم.
وهَذا العَذابُ أَيُّها الأَحِبَّةُ يَكُونُ بِالرُّوحِ والجَسَدِ لَكِنَّ اللهَ يَحْجُبُهُ عَنْ أَبْصارِ أَكْثَرِ الناسِ لِيَكُونَ إِيمانُ العَبْدِ إِيمانًا بِالغَيْبِ فَيَعْظُمَ ثَوابُه. ويَدُلُّ عَلَى كَوْنِ العَذابِ بِالرُّوحِ والجَسَدِ ما وَرَدَ عَنْ سَيِّدِنا عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ الحَبِيبَ محمَّدًا صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسلَّمَ "أَتُرَدُّ عَلَيْنا عُقُولُنا يا رَسُولَ اللهِ ؟" فَقالَ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ "نَعَمْ كَهَيْئَتِكُمُ اليَوْمَ" اهـ قالَ فَبِفِيهِ الحَجَر" أَىْ سَكَتَ وٱنْقَطَعَ عَنِ الكَلامِ لِسَماعِهِ الخَبَرَ الَّذِى لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ.
ومِنَ الأَدِلَّةِ عَلَى عَذابِ القَبْرِ أَيْضًا قَوْلُ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وعَشِيًّا ويَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أَدْخِلُواْ ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَابِ (٤٦)﴾ سورَةُ غافِر. والمُرادُ بِآلِ فِرْعَوْنَ أَتْباعُهُ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ عَلى الشِّرْكِ والكُفْر، هَؤُلاءِ يُعْرَضُونَ على النارِ أَوَّلَ النَّهارِ مَرَّةً وءاخِرَ النَّهارِ مَرَّةً فَيَمْتَلِؤُونَ رُعْبًا وفَزَعًا وخَوْفًا وهَذا العَرْضُ لَيْسَ فى الآخِرَةِ إِنَّما قَبْلَ قِيامِ الساعَةِ كَما يُفْهَمُ مِنَ الآيَةِ ولَيْسَ قَبْلَ المَوْتِ كَما هُوَ ظاهِرٌ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ فى مُدَّةِ القَبْرِ فى البَرْزَخِ وهِىَ الْمُدَّةُ ما بَيْنَ الْمَوْتِ والبَعْثِ.
إِخْوَةَ الإِيمانِ رَوَى التِّرْمِذِىُّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ أَنَّهُ قالَ لأُناسٍ "فأَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَلَى القَبْرِ يَوْمٌ إِلاَّ تَكَلَّمَ فِيهِ فَيَقُولُ أَنَا بَيْتُ الغُرْبَةِ وَأَنَا بَيْتُ الوَحْدَةِ وَأَنَا بَيْتُ التُّرَابِ وَأَنَا بَيْتُ الدُّودِ فَإِذَا دُفِنَ العَبْدُ الْمُؤْمِنُ ـ أَىِ الكامِلُ ـ قَالَ لَهُ القَبْرُ مَرْحَبًا وَأَهْلاً أَمَا إِنْ كُنْتَ لأَحَبَّ مَنْ يَمْشِى عَلَى ظَهْرِى إِلَىَّ فَإِذْ وُلِّيتُكَ اليَوْمَ وَصِرْتَ إِلَىَّ فَسَتَرَى صَنِيعِىَ بِكَ قَالَ فَيَتَّسِعُ لَهُ مَدَّ بَصَرِهِ وَيُفْتَحُ لَهُ بابٌ إِلَى الْجَنَّةِ وَإِذَا دُفِنَ العَبْدُ الفَاجِرُ أَوِ الكَافِرُ قَالَ لَهُ القَبْرُ لا مَرْحَبًا ولا أَهْلاً أَمَا إِنْ كُنْتَ لأَبْغَضَ مَنْ يَمْشِى عَلَى ظَهْرِى إِلَىَّ فَإِذْ وُلِّيتُكَ اليَوْمَ وصِرْتَ إِلَىَّ فَسَتَرَى صَنِيعِىَ بِكَ قَالَ فَيَلْتَئِمُ عَلَيْهِ حَتَّى تَلْتَقِى عَلَيْهِ وَتَخْتَلِفَ أَضْلاعُهُ قَالَ ـ أَىِ الرّاوِى ـ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بِأَصَابِعِهِ فَأَدْخَلَ بَعْضَهَا فِى جَوْفِ بَعْضٍ قَالَ وَيُقَيِّضُ اللهُ لَهُ سَبْعِينَ تِنِّينًا لَوْ أَنَّ وَاحِدًا مِنْهَا نَفَخَ فِي الأَرْضِ مَا أَنْبَتَتْ شَيْئًا مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا فَيَنْهَشْنَهُ ويَخْدِشْنَهُ حَتَّى يُفْضَى بِهِ إِلَى الحِسَابِ" اهـ
فَمِنْ عَذابِ القَبْرِ إِخْوَةَ الإِيمانِ ضَغْطَةُ القَبْرِ يَقْتَرِبُ حائِطَا القَبْرِ مِنْ جانِبَيْهِ حَتَّى تَتَداخَلَ أَضْلاعُهُ، أَضْلاعُهُ الَّتِى عَنْ جانِبِهِ الأَيْمَنِ تَتَداخَلُ مَعَ أَضْلاعِهِ الَّتِى عَنِ الجانِبِ الأَيْسَر. أَحِبَّتِى مَنْ ذا الَّذِي يَحْتَمِلُ أَلَمَ ٱلْتِواءٍ فِى أَحَدِ أَصابِعِهِ، مَنْ ذا الَّذِى يَحْتَمِلُ أَلَمَ كَسْرٍ فِى اليَدِ، فَأَىُّ أَلَمٍ ذاكَ حِينَ تَتَداخَلُ الأَضْلاعُ بَعْضُها بِبَعْضٍ. اللَّهُمَّ أَجِرْنا مِنْ عَذابِ القَبْرِ وضَغْطَتِهِ يا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ يا أَرْحَمَ الراحِمِينَ يا أَرْحَمَ الراحِمِين.
ومِنْ عَذابِ القَبْرِ أَيْضًا الاِنْزِعاجُ مِنْ ظُلْمَةِ القَبْرِ ووَحْشَتِهِ ومِنْهُ أَيْضًا ضَرْبُ مُنْكَرٍ ونَكِيرٍ لِلْكافِرِ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ لَوْ ضُرِبَ بِها جَبَلٌ لَذابَ يُضْرَبُ ضَرْبَةً فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُها مَنْ يَلِيهِ إِلاّ الثَّقَلَيْنِ أَىْ إِلاّ الإِنْسَ والجِنَّ.
ومِنْ عَذابِ القَبْرِ أَيْضًا تَسْلِيطُ الأَفاعِى والعَقارِبِ وحَشَراتِ الأَرْضِ عَلَيْهِ فَتَنْهَشُ وتَأْكُلُ مِنْ جَسَدِهِ، فَفِى المُسْتَدْرَكِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَنَّهُ يُقالُ لِلْفاجِرِ "ارْقُدْ مَنْهُوشًا، فَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِى الأَرْضِ إِلاَّ ولَها فِى جَسَدِهِ نَصِيبٌ" اهـ ورَوَى الطَّبَرانِىُّ عَنْهُ صَلّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ أَنَّهُ قالَ "ويُسَلَّطُ عَلَيْهِ عَقَارِبُ وثَعَابِينُ، لَوْ نَفَخَ أَحَدُهُمْ فِي الدُّنْيَا ما أَنْبَتَتْ شَيْئًا تَنْهَشُهُ وتُؤْمَرُ الأَرْضُ فَتُضَمُّ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلاعُهُ" اهـ
إِخْوَةَ الإِيمانِ رَوَى أَبُو داوُدَ فِى سُنَنِهِ عَنِ البَرَاءِ بن عازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قالَ "خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فِي جَنازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصارِ فَٱنْتَهَيْنا إِلَى القَبْرِ ولَمّا يُلْحَدْ فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلَّمَ وجَلَسْنا حَوْلَهُ كَأَنَّما عَلَى رُؤُوسِنا الطَّيْرُ وفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الأَرْضِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقالَ "اسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ عَذابِ القَبْرِ اسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ عَذابِ القَبْرِ" مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا اهـ وفِى صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قالَ قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ "عُوذُوا بِاللهِ مِنْ عَذابِ اللهِ عُوذُوا بِاللهِ مِنْ عَذابِ القَبْرِ عُوذُوا بِاللهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ عُوذُوا بِاللهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ" اهـ فَخافُوا اللهَ عِبادَ اللهِ وَٱتَّقُوهُ وٱسْأَلُوا اللهَ بِخَوْفٍ وتَضَرُّعٍ فِى جَوْفِ اللَّيْلِ وفِى سُجُودِكُمْ وعِنْدَ السَّحَرِ السَّلامَةَ مِنْ عَذابِ القَبْرِ. فَوَاعَجَبًا مِمَّنْ أَيْقَنَ عَذابَ القَبْرِ وءامَنَ بِهِ كَيْفَ يَجْرُؤُ عَلَى أَنْ يَعْصِىَ اللهَ خالِقَه، ويُعَرِّضَ نَفْسَهُ لِسَخَطِ اللهِ وعِقابِه. اللَّهُمَّ إِنّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذابِ القَبْرِ ومِنْ عَذابِ النارِ ونَعُوذُ بِرِضاكَ مِنْ سَخَطِكَ وبِمُعافاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ. هَذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ.
الخطبة الثانية
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ، وَنَعوذُ بِاللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَن يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَن يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلى إِخْوانِهِ النَّبِيِّينَ والمُرْسَلين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ الْمُؤْمِنينَ وَءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدينَ أَبي بَكْرٍ وعُمَرَ وَعُثْمانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الأَئِمَّةِ المُهْتَدينَ أَبي حَنيفَةَ ومالِكٍ والشافِعِيِّ وأَحْمَدَ وَعَنِ الأَوْلِيَاءِ والصَّالِحينَ أَمَّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ فَإِنّي أُوصيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظيمِ فَٱتَّقُوهُ وٱعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَّنَ أَوْلِياءَهُ مِنْ عَذابِ القَبْرِ ومِنْ أَهْوالِ القِيامَةِ قالَ تَعالى ﴿أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢)﴾ سورَةُ يُونُس. فَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لا يَصِحُّ حَدِيثُ "لَوْ نَجا أَحَدٌ مِنْ ضَغْطَةِ القَبْرِ لَنَجا سَعْدٌ " أَىْ لَوْ نَجا أَحَدٌ مِنْ ضَغْطَةِ القَبْرِ لَنَجا سَعْدٌ اهـ فَزَعَمَ بَعْضُ الناسِ أَنَّ ضَغْطَةَ القَبْرِ تُصِيبُ كُلَّ الناسِ المُؤْمِنَ والكافِرَ، وقَدْ حَكَمَ بِضَعْفِ هَذا الحَدِيثِ الحافِظُ ابْنُ الجَوْزِىِّ ثُمَّ ظاهِرُهُ مُخالِفٌ لِقَوْلِهِ صَلّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ "الدُّنْيا سِجْنُ المُؤْمِنِ وسَنَتُهُ فَإِذا فارَقَ الدُّنْيا فارَقَ السِّجْنَ والسَّنَةَ" اهـ ومَعْلُومٌ مَنْ هُوَ سَعْدُ بْنُ مُعاذٍ فَإِنَّهُ مِنْ كِبارِ أَوْلِياءِ الصَّحابَةِ وقَدْ ماتَ شَهِيدًا مِنْ جُرْحٍ أُصِيبَ بِهِ فِى غَزْوَةِ الخَنْدَقِ ووَرَدَ أَنَّ النَّبِىَّ صَلّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ قالَ فِى فَضْلِهِ "اِهْتَزَّ العَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ" اهـ رَواهُ البُخارِىُّ فِى صَحِيحِهِ، فَلا يَلِيقُ بِمَنْ كانَ حالُهُ هَذا أَنْ يُضْغَطَ عَلَيْهِ القَبْرُ فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِك.
وَٱعْلَمُوا أَيُّها الأَحِبَّةُ أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظيمٍ، أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلى نِبِيِّهِ الكريمِ فَقالَ ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ على النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٥٦)﴾ سورةُ الأَحْزَاب. اَللَّهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا محمدٍ وعلى ءالِ سَيِّدِنا محمدٍ كَمَا صَلَّيْتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيدِنا محمدٍ وعلى ءالِ سيدِنا محمدٍ كَمَا بارَكْتَ على سيدِنا إِبراهيمَ وعلى ءالِ سيدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
قال اللهُ تعالى ﴿يَا أَيُّها النَّاسُ ٱتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ (٢)﴾. سُورَةُ الْحَجِّ. اَللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْناكَ فَٱسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنَا فَٱغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنا ذُنوبَنَا وَإِسْرافَنا في أَمْرِنا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ الأَحْياءِ مِنْهُمْ وَالأَمْواتِ رَبَّنا ءاتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذابَ النَّارِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُداةً مُهْتَدينَ غَيْرَ ضالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْراتِنا وَءَامِنْ رَوْعاتِنا وَٱكْفِنا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ ما نَتَخَوَّفُ. عِبادَ اللهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسانِ وَإِيتَاءِ ذي القُرْبَى وَيَنْهى عَنِ الفَحْشاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. أُذْكُرُوا اللهَ العَظيمَ يُثِبْكُمْ وَٱشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَٱسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَٱتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنَ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاة.
https://www.islam.ms/ar/?p=168