خطبة الجمعة عن أَهْوال يَوْمِ القِيامَة والتحذير من المعاصي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الأمين وبعد
إنَّ الحمدَ لله نحمَدُهُ ونستعينُه ونَستغفِرُهُ ونستهْديهِ ونشكُرُهُ ونعوذُ بالله مِنْ شُرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ الله فلا مُضِلّ لَهُ ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ لهُ. وأشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا الله وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لهُ، جلَّ ربّي لا يُشبِهُ شيئًا ولا يُشبِهُهُ شىءٌ، ولا يَحُلُّ في شىءٍ ولا ينْحَلُّ منهُ شىءٌ، ليسَ كمِثْلِهِ شىءٌ وهوَ السّميعُ البَصيرُ. وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وقائِدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنَا قمرَ الأقمارِ محمدًا عبْدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ وحبيبُهُ بلَّغَ الرّسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونَصَحَ الأمَّةَ فجزاهُ الله عنَّا خيرَ ما جزَى نبيًّا مِنْ أنبيائِهِ. صلواتُ ربّي وسلامُهُ عليهِ وعلى إِخوانِهِ الأنبياءِ والمرسَلينَ وءالِ كلٍ وصَحْبِ كلٍ والصّالحين.
أمّا بعدُ، فيا عبادَ الله أوصيكُمْ وأوصي نفسي بتقوَى الله العليّ العظيمِ القائلِ في محكَمِ التَّنْزيلِ: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ [سورة البقرة]. إخوة الإيمان، مَنْ طالَ انتظارُهُ في الدُّنْيا للموتِ لشدَّةِ مُقاساتِهِ للصّبْرِ عنِ الشَّهواتِ فإنَّه يَقْصُرُ انْتِظارُهُ في ذلكَ اليومِ العظيمِ الذي قالَ ربُّنا تبارَكَ وتَعالى عنهُ في سورةِ المعارجِ: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ أيْ مِنْ سنواتِ الدُّنْيا، جَعَلَهُ الله على الكافرينَ مقدارَ خمسينَ ألفَ سنةٍ مِنْ وقتِ البَعْثِ إلى أنْ يُفْصَلَ بينَ الخلْقِ، فهذا الطّولُ في حقِّ الكفّارِ دونَ المؤمنينَ فلقدْ قيلَ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم:﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾. ما أطولَ هذا اليومَ فقال صلى الله عليه وسلم: « والذي نفسي بِيَدِهِ إنَّهُ ليُخَفَّفُ على المؤمِنِ حتّى يكونَ أخفَّ عليهِ منْ صلاةٍ مكتوبةٍ يصلّيها في الدُّنيا ». فمنْ طالَ انتظارُهُ في الدُّنْيا للمَوْتِ لِشِدَّةِ مُقاساتِه للصَّبْرِ عنِ الشَّهواتِ فإنَّهُ يقصُرُ انتظارُهُ في ذلكَ اليومِ، فاحرِصْ أنْ تكونَ مِنْ أولئِكَ المؤمِنينَ فما دامَ يبْقَى لكَ نَفَسٌ مِنْ عُمُرِكَ فاعمَلْ في أيَّامٍ قِصارٍ لأيَّامٍ طِوالٍ تَربَحْ رِبْحًا لا مُنْتَهَى لِسُرورِهِ، فإِنْ صَبَرْتَ عَنِ المعاصي في الدُّنْيا لِتَخْلُصَ مِنْ عذابِ يومٍ مقدارُهُ خمسونَ ألفَ سنةٍ يكونُ رِبْحُكَ كثيرًا وتَعَبُكَ يسيرًا.
إخوةَ الإيمانِ، قدْ عمَّتِ البَلْوى وطَمَّتْ وانتَشَرَ الفُحْشُ وقَلَّتِ التَّقْوى في القلوبِ فكثيرٌ مِنَ النَّاسِ لا يتورَّعونَ عنِ الغَوْصِ في المعاصي، وقلَّ حياؤهُمْ فَتَراهُمْ يقْتَحِمُونَ أبْوابَ الحرامِ غيرَ مُبالينَ خاصة في فصل الصَّيْفِ، الصَّيْفُ الذي يَنْتَظِرُهُ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ لِلانْغِماسِ في المعاصي ولا سيَّما بعض النساء اللواتي يخلعن ثَوْبَ الحياءِ ويظهرن لِلنّاسِ ما خَفِيَ مِنْ مَحاسنهن.
فعَلَيْكَ أخي المسلمَ بِحِفْظِ جوارِحِكَ مِنْ مَعْصِيَةِ الله عزَّ وجلَّ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى في الحديث القدسي: « النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من تركها مخافتي أبدلته إيمانًا يجد حلاوته في قلبه ».
فاخشعْ أخي المسلمَ لله، تَضَرَّعْ إلى الله، أقبِلْ على أَعمالِ الآخرةِ واعبدِ الله كأنَّكَ تَراهُ فإنْ لمْ تَكُنْ تَراهُ فَإِنَّهُ يَراكَ، فَمنْ وَصلَ إلى هذا المقامِ فهو دائمُ الحضورِ حضورِ القلبِ بالخشيةِ مِنَ الله وتعظيمِهِ. الذينَ وَصَلوا إلى هذا المقامِ يعبدون الله كأنهم يرونَهُ، مع أنّهُمْ لا يرونَ الله يخْشونَهُ كأنَّهُمْ يرونَهُ، هذا هوَ مقامُ الإحسانِ أنْ تَعْبُدَ الله كأنَّكَ تَراهُ فإنْ لم تَكُنْ تراهُ فإنَّهُ يراكَ، فمَنْ وَصَلَ إلى مقامِ الإحسانِ تكونُ العبادةُ لذّةً لَهُ، وهذا سيّدُنا عثمانُ رضيَ الله عنهُ الخليفةُ الراشدُ خَتَمَ القرءانَ في ركعةٍ واحدةٍ مِنْ شِدَّةِ ما كانَ يَجِد مِنَ اللَّذَّةِ والسُّرورِ.
اخْشَعْ أخي المسلمَ لله وتَفَكَّرْ في قولِهِ تعالى: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [سورة الفاتحة] . في يومِ القيامَةِ تُدَكُّ الأرضُ دكًّا والجبالُ تصيرُ غُبارًا ناعمًا إلا ما كانَ مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ فإنَّهُ يُنْقَلُ إلى الجَنَّةِ ولا يُدَكُّ، والسَّماواتُ تتشَقَّقُ والبحارُ تشتعِلُ نارًا.
قال تعالى: ﴿وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا﴾ [سورة المعارج]. لا يَسْأَلُ قَريبٌ قريبَهُ عن شأْنِهِ لشُغْلِهِ بِشَأْنِ نَفْسِهِ لِهَوْلِ ذَلِكَ اليومِ وشِدَّتِهِ. ويقولُ الله تعالى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [سورة عبس] . اللّهُمَّ قِنا عَذابَكَ يومَ تَبْعَثُ عِبادَكَ، اللَّهُمَّ قِنَا عَذابَكَ يومَ تَبْعَثُ عِبادَكَ. هذا وأسْتَغْفِرُ الله لي ولَكُم.
الخطبةُ الثانيةُ : إنَّ الحمدَ لله أَحْمَدُهُ وأستَعينُهُ وأستَهْديهِ وأشْكُرُهُ وأعوذُ بالله مِنْ شُرورِ أَنفُسِنَا ومِنْ سَيِّئاتِ أعمالِنا مَنْ يَهْدِ الله فَلا مُضِلَّ لَهُ ومَنْ يُضْلِلْ فَلا هاديَ لَهُ، والصلاةُ والسَّلامُ على سيدِنا محمَّدٍ وعلى ءالهِ وصحبِهِ ومَنْ والاهُ.
أمَّا بعدُ فيا عبادَ الله أوصيكمْ ونفسي بتقوى الله العليّ العظيمِ القائلِ في محكَمِ كتابِهِ: ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾ [سورة فاطر]. لا أَحَدَ يُبْرِزُ مِنَ العَدَمِ إلى الوُجودِ إلاّ الله الخالقُ القادِرُ على كلّ شىءٍ فلا خالقَ على هذا المعْنى إلاّ الله، الله خَلَقَنا خَلَقَ أجْسامَنا وأرواحَنَا وحَرَكاتِنا وسَكَناتِنَا، خَلَقَ فينا الجوعَ وخَلَقَ فينا الشِّبَعَ، خَلَقَ فينا العطشَ وخلقَ فينا الارْتِواءَ مِنَ العطشِ، وخلقَ فينا المرضَ وخلقَ فينا الشفاءَ من المرضِ، فلا أحَدَ يَخْلُقُ أيْ يُبْرِزُ مِنَ العَدَمِ إلى الوجودِ إلا الله عزَّ وجلَّ.
لذلكَ إخوةَ الإيمانِ والإسلامِ يجبُ أنْ نحذّرَ مِنْ قوْلِ بعضِ الناسِ: اخلُقْ لي كذا كمَا خلقَكَ الله. وهذا كفرٌ صريحٌ لا تأويلَ لهُ ومخالفٌ للشرعِ لأنَّ الله تباركَ وتعالى يقولُ: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ ﴾ [سورة الزمر]. فَمَثَلاً بعضُ الناسِ عندَ غضَبِهِ من ولدِهِ إذا أضاعَ هذا الولدُ شيئًا يقولُ له والعياذُ بالله: اخلقْ لي كذا كما خلقَكَ ربُّك َ؛ فهذا خَرَجَ عن دينِ الله وإنْ كانَ غاضِبًا أو مازحًا، بكلِمَتِهِ الفاسدةِ هذه جَعَلَ هذا الوَلَدَ علَى زَعْمِهِ يَخْلُقُ كما الله يخلُقُ، لذلكَ خرَجَ عنْ دينِ الله العظيمِ لأنَّهُ كذَّبَ القرءانَ كذَّبَ قَوْلَ الله تَعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ ﴾ الآية. فاحذَروا وحذّروا إِخوَةَ الإيمانِ فالعبْرَةُ أنْ يكونَ الواحِدُ مِنّا مِنَ المرضِيّينَ عندَ الله تعالى ولا تنْسَوْا إخوةَ الإيمانِ تحْصينَ أولادِكُمْ بِعِلْمِ الدِّينِ.
واعلَموا أنَّ الله أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ اللّهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ، وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ، إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾، اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّف. عبادَ الله إنَّ الله يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا الله العظيمَ يذكرْكُمْ، واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ، واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا.
https://www.islam.ms/ar/?p=100