شرح حديث نِعْمَ المالُ الصالِحُ لِلرَّجُلِ الصالِحِ. خطبة جمعة
بِسمِ اللهِ الرَّحمـنِ الرَّحِيم
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ
الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَكْمَلَ لَنا الدِّينَ وأَتَمَّ عَلَيْنا النِّعْمَة، وجَعَلَ أُمَّتَنا خَيْرَ أُمَّة، وبَعَثَ فِينا رَسُولاً مِنَّا يَتْلُو عَلَيْنا ءاياتِهِ ويُزَكِّينا ويُعَلِّمُنا الكِتابَ والحِكْمَة، أَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ الجَمَّة، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ شَهادَةً تَكُونُ لِمَنِ اعْتَصَمَ بِها خَيْرَ عِصْمَة، وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا محمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ أَرْسَلَهُ لِلْعالَمِينَ رَحْمَة، وفَرَضَ عَلَيْهِ بَيانَ ما أَنْزَلَ إِلَيْنا فَأَوْضَحَ لَنا الأُمُورَ الـمُهِمَّة، فَأَدَّى الأَمانَةَ ونَصَحَ الأُمَّة، فَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنا محمَّدٍ وعَلى ءالِهِ وأَصْحابِهِ أُولِي الفَضْلِ والهِمَّة.
عِبادَ اللهِ أُوصِي نَفْسِيَ وإِيّاكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ القائِلِ في كِتابِهِ الكَرِيمِ ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ والبَنِينَ والقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤)﴾ سورة ءال عمران / 14.
فَٱتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ ولا تُلْهِيَنَّكُمُ الدُّنْيا وشَهَواتُها ومَتاعُها وأَمْوالُها عَمّا عِنْدَ اللهِ فَإِنَّ اللهَ تَبارَكَ وتَعالى عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَئَابِ. قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَما في صَحِيحِ مُسْلِمٍ إِنَّ هَذا المالَ حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ مَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ ووَضَعَهُ في حَقِّهِ فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ ومَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ ولا يَشْبَعُ اهـ شَبَّهَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ المالَ مِنْ حَيْثُ الرَّغْبَةُ فِيهِ والْمَيْلُ إِلَيْهِ وحِرْصُ النُّفُوسِ عَلَيْهِ بِالفاكِهَةِ الخَضْراءِ الحُلْوَةِ الـمُسْتَلَذَّةِ الَّتِي تَمِيلُ إِلَيْها النَّفْسُ وتَشْتَهِيها فَالَّذِي يَأْخُذُ المالَ مِنْ طَرِيقِ حَلالٍ ويَصْرِفُهُ في طَرِيقِ حَلالٍ فَيَسْتَعِينُ بِهِ عَلى أَمْرِ نَفْسِهِ وأَهْلِهِ ويَصْرِفُهُ في وُجُوهِ البِرِّ والخَيْرِ بِنِيَّةِ حِفْظِ نَفْسِهِ أَوْ يَصْرِفُهُ عَلى زَوْجَتِهِ بِنِيَّةٍ حَسَنَةٍ أَوْ عَلَى أَوْلادِهِ أَوْ عَلى أَبَوَيْهِ أَوْ عَلى أَقْرِبائِهِ فَهُوَ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ مِنَ اللهِ تَعالى عَلى عَبْدِهِ الـمُؤْمِنِ فَالمالُ الَّذِي يَأْخُذُهُ الـمُؤْمِنُ مِنَ الـمَوْضِعِ الَّذِي أَحَلَّهُ اللهُ ويَضَعُهُ فِيما يُحِبُّ اللهُ يَكُونُ عَوْنًا لَهُ عَلى ءاخِرَتِهِ لأَنَّهُ يَكُونُ وَسِيلَةً لِكَسْبِ الأَجْرِ في الآخِرَةِ فَيَكُونُ نِعْمَ الـمَعُونَةُ عَلى مَصالِحِ الآخِرَةِ كَما أَنَّهُ مَعُونَةٌ عَلى مَصالِحِ المَعِيشَة. وأَمّا مَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ فَٱكْتَسَبَهُ بِطَرِيقَةٍ مُحَرَّمَةٍ فَإِنَّهُ يُحْرَمُ بَرَكَتَهُ فَيَكُونُ كَالَّذِي يَأْكُلُ ولا يَشْبَعُ وإِنْ كانَ ذَلِكَ المالُ كَثِيرًا وعَلَيْهِ وَبالُ ذَلِكَ يَوْمَ القِيامَة.
فَلَيْسَ المالُ إِخْوَةَ الإِيمانِ مَذْمُومًا عَلى الإِطْلاقِ فَقَدْ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ نِعْمَ الْمالُ الصّالِحُ لِلرَّجُلِ الصّالِحِ اهـ فَالرَّجُلُ الصالِحُ الَّذِي يَأْخُذُ مالَهُ مِنْ طَرِيقٍ حَلالٍ ويَصْرِفُهُ في وُجُوهِ الخَيْرِ فَنِعْمَ المالُ لَهُ. ولَنا في رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وصَحابَتِهِ رِضْوانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في بَذْلِ المالِ في وُجُوهِ الخَيْرِ والبِرِّ فَقَدْ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما كانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَجْوَدَ الناسِ وكانَ أَجْوَدَ ما يَكُونُ في رَمَضانَ حِينَ يَلْقَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَلَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أَجْوَدُ حِينَئِذٍ مِنَ الرِّيحِ الـمُرْسَلَةِ. وكانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِثالاً في البَذْلِ والعَطاءِ في طاعَةِ اللهِ تَعالى إِذْ صَرَفَ ثَرْوَتَهُ كُلَّها في سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ رَغْبَةً في الآخِرَةِ ونُصْرَةً لِلدِّينِ ولِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ وإِعانَةً لِضُعَفاءِ الـمُسْلِمِينَ حَتّى قالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ما نَفَعَنِي مالٌ قَطُّ ما نَفَعَنِي مالُ أَبِي بَكْرٍ فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وقالَ هَلْ أَنا ومالي إِلاَّ لَكَ يا رَسُولَ اللهِ اهـ وقالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَمَرَنا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنْ نَتَصَدَّقَ ووافَقَ ذَلِكَ مالاً عِنْدِي فَقُلْتُ اليَوْمَ أَسْبِقُ أَبا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، قالَ فَجِئْتُ بِنِصْفِ مالي فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ قُلْتُ مِثْلَهُ، وأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ ما عِنْدَهُ فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ما أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ فَقالَ أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللهَ ورَسُولَهُ، قالَ عُمَرُ فَقُلْتُ لا أُسَابِقُكَ إِلى شَىْءٍ أَبَدًا اهـ
فَٱسْأَلْ نَفْسَكَ أَخِي الـمُسْلِمَ قَبْلَ أَنْ تَأْخُذَ المالَ وقَبْلَ أَنْ تُنْفِقَهُ مِنْ أَيْنَ تَكْتَسِبُهُ وفِيمَ تُنْفِقُهُ فَقَدْ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْناهُ وعَنْ عِلْمِهِ ماذا عَمِلَ بِهِ وعَنْ مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفِيمَ أَنْفَقَهُ وعَنْ جَسَدِهِ فِيمَ أَبْلاهُ اهـ اِسْأَلْ نَفْسَكَ أَخِي قَبْلَ أَنْ تُسْأَلَ وحاسِبْ نَفْسَكَ قَبْلَ أَنْ تُحاسَبَ جَعَلَكَ اللهُ وإِيّايَ مِنَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ في بَذْلِ المالِ الحَلالِ في وُجُوهِ الخَيْراتِ والطاعاتِ ومِنَ الَّذِينَ يَتَزَوَّدُونَ لآخِرَتِهِمْ بِالأَعْمالِ الصالِحَةِ لَيْلاً و نَهارًا لِتَكُونَ لَنا ذُخْرًا وزادًا يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ ولا بَنُونَ إِلاّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.
أَقُولُ قَوْلي هَذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولَكُم.
الخطبة الثانية
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَهْدِيهِ ونَشْكُرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَن يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَن يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ على سَيِّدِنا محمّدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمِينِ وعَلى إِخْوانِهِ النَّبِيِّينَ والْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ الْمُؤْمِنينَ وَءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ أَبي بَكْرٍ وعُمَرَ وَعُثْمانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أَبي حَنِيفَةَ ومالِكٍ والشافِعِيِّ وأَحْمَدَ وَعَنِ الأَوْلِيَاءِ والصَّالِحِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فَٱتَّقُوهُ.
وَٱعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلى نِبِيِّهِ الكَرِيمِ فَقالَ ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا (٥٦)﴾سورة الأحزاب/56 اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وعَلى ءالِ سَيِّدِنا محمّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلى سَيِّدِنا إِبْراهِيمَ وعلى ءالِ سَيِّدِنا إِبْراهِيمَ وبارِكْ على سَيِّدِنا محمّدٍ وعلى ءالِ سَيِّدِنا محمّدٍ كَمَا بارَكْتَ على سَيِّدِنا إِبْراهِيمَ وعلى ءالِ سَيِّدِنا إِبْراهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، يَقُولُ اللهُ تَعالى ﴿يَا أَيُّها النَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ (٢)﴾سورة الحج/1-2 ، اَللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْناكَ فَٱسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنَا فَٱغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنا ذُنُوبَنَا وَإِسْرافَنا في أَمْرِنا اللَّهُمَّ ٱغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ الأَحْياءِ مِنْهُمْ وَالأَمْواتِ، اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنا مِنْ خَشْيَتِكَ ما تَحُولُ بِهِ بَيْنَنا وبَيْنَ مَعاصِيك، اللَّهُمَّ أَلْهِمْ نُفُوسَنا تَقْواها وزَكِّها أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكّاها، رَبَّنا ءاتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذابَ النَّارِ اللَّهُمَّ ٱجْعَلْنَا هُداةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ ٱسْتُرْ عَوْراتِنا وَءَامِنْ رَوْعاتِنا وَٱكْفِنا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ ما نَتَخَوَّفُ. عِبادَ اللهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اُذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يُثِبْكُمْ وَٱشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَٱسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَٱتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنَ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.
https://www.islam.ms/ar/?p=199