الأدلّة الباهرة على جواز السّفر لزيارة قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
أحباب رسول الله، اعلموا أنه يسنّ للحاج ولغير الحاج زيارة قبر النبيّ الأعظم صلى الله عليه وسلم بإجماع العلماء والمجتهدين وهي من أنجح المساعي وأهم القربات إلى الله سبحانه، يقول عليه الصلاة والسلام: « من زار قبري وجبت له شفاعتي »، رواه البزّار والدّارقطني بإسنادهما لابن عمر ورواه أيضًا الحافظ السبكي وصححه، ومعناه أن من زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم وكان مسلمًا ومخلصًا في نيته لله تعالى فإنه يحظى في الآخرة بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم شفاعة إنقاذٍ من العذاب بإذن الله. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال « ليهبطن المسيح ابن مريم حكمًا مقسطًا وليسلكن فجًا حاجًا أو معتمرًا وليأتين قبري حتى يسلم علي ولأردن عليه » صححه الحافظ أبو عبد الله الحاكم في المستدرك، في هذا الحديث والذي قبله دليلٌ على استحباب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأنها قربةٌ إلى الله تعالى. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا: « ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة ».
وتحصل زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم يا أخي المسلم بأن يتوجه المسلم إلى المدينة المنّورة التي نورها الله بنور نبينا صلى الله عليه وسلم ثم يتوجه إلى قبره صلى الله عليه وسلم بعد صلاة ركعتين تحية المسجد في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحصل السلام على الرسول بأن يقف الزائر متنحيا نحو أربعة أذرع عن الجدار عند قبره صلى الله عليه وسلم وبأدب واحترام غاضا طرفه ممتلىء القلب بالإجلال والتعظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقول بصوت متوسط: السلام عليك يا رسول الله.. السلام عليك يا نبيّ الله.. السلام عليك يا خيرة الله.. السلام عليك يا حبيب الله.. السلام عليك يا صفوة الله.. السلام عليك يا سيد المرسلين وخاتم النبيين.. السلام عليك يا خير الخلق أجمعين.. السلام عليك يا قائد الغرّ المحجلين.. السلام عليك وعلى ءالك وأهل بيتك وأزواجك وأصحابك الطيبين الطاهرين.. السلام عليك وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
واعلموا إخوة الإيمان أنّ التبرك بالرسول صلى الله عليه وسلم وآثاره وقبره الشريف شىء يرضاه الله تعالى وقد كان الصحابة والسلف الصالح يفعلونه ولا عبرة بمن خالف ذلك من أصحاب القلوب الغليظة، يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)﴾[سورة المائدة] وزيارة الرسول والتبرك به من أهم الوسائل المقربة إلى الله جلّ وعلا. وها هو الإمام مالك يقول للخليفة المنصور لما حجّ وزار قبر النبي صلى الله عليه وسلم وسأل مالكا قائلا: « يا أبا عبد الله استقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال له الإمام مالك ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة ابنك ءادم عليه السلام إلى الله تعالى ؟ بل استقبله واستشفع به فيشفّعه الله ».
أحباب رسول الله إنّ التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم وزيارة قبره الشريف من أعظم القربات إلى الله سبحانه فقد ثبت أنه جاء أعرابي إلى قبر الحبيب الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم لزيارته ثم قال: السلام عليك يا رسول الله. سمعت الله يقول: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (64)﴾ سورة النساء، ثم قال مخاطبا الرسول: وقد جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعا بك إلى ربي وأنشد يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمـــه فطاب من طيبهن القاع والأكــم
نفسي فداء لقبر أنت ساكنــــه فيه العفاف ومنه الجود والكـــرم
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعتــه عند الصراط إذا ما زلت القــدم
وصاحباك فلا أنساهما أبــــدا مني السلام عليكم ما جرى القلــم
وكان بقرب قبر النبي صلى الله عليه وسلم رجل يسمى العتبي سمع ما قاله ذلك الأعرابي قال العتبيّ: فغلبتني عيناي فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال يا عتبيّ الحق بالأعرابي وبشّره بأنّ الله تعالى قد غفر له.
جعلنا الله وإياكم أيها المسلمون من زوار حبيبه المصطفى ورزقنا زيارته وشفاعته ومن الذين يحشرون تحت لوائه ، ورزقنا وإياكم زيارة البيت الحرام والوقوف على جبل عرفات. يقول عليه الصلاة والسلام: « التَّائِبُ منَ الذّنبِ كمن لا ذنبَ لهُ ».
قال ابن الوردي عندما بلغه أن ابن تيمية قد أفتى بمنع السفر الى قبور الانبياء : يا صاحب الجاه عند الله خالقه .. ما رَدَ جاهك إلا كل أفاك. أنت الوجيه على رغم العدا أبدا .. انت الشفيع لفتاك ونساك .. يا فرقة الزيغ لا لقيت صالحة .. ولا شفى الله يوما قلب مرضاك .. ولا حظيت بجاه المصطفى أبدا.. ومن أعانك في الدنيا ووالاك
قال ابن باز الوهابي في كتابه المسمى مجموع فتاوى ومقالات (الجزء الثامن) عن حكم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ما نصه: لا يجوز السفر بقصد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر غيره من الناس ، ويكفي في الرد عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: من زار قبري وجبت له شفاعتي. قال الذهبي فيه : إنه يتقوى بتعدد الطرق . وهذا الحديث صححه الحافظ السبكي.
قال الحافظ أبو زرعة العراقي: لو نذر إتيان مسجد المدينة لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لزمه ذلك لأنه من جملة المقاصد التي يؤتى لها ذلك المحل.
ذكر الحافظ السيوطي في مناهل الصفا أن حديث : « من زار قبري وجبت له شفاعتي ». قال الذهبي فيه : إنه يتقوى بتعدد الطرق . وهذا الحديث صححه الحافظ السبكي.
أخرج الهيثم الشاشي في مسنده حديث : « من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليفعل فإني أشفع لمن مات بها » وهو حديث حسن.
صحح الحافظ أبو عبد الله بن البيع الحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي حديث: « ليهبطن عيسى ابن مريم حكما عدلا وإماما مقسطا وليسلكن فجا حاجا أو معتمرا أو بنيتهما، وليأتين قبري حتى يسلم عليّ ولأردن عليه ». وهذا دليل على استحباب قصد قبر النبي للزيارة سواء للمقيم أو للمسافر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم، تعرض علي أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه وما رأيت من شــر اســـــتغفرت لكم »، رواه البزار.
أخرج البيهقي عن محمد بن المنكدر قال: رأيت جابرا وهو يبكي عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: هاهنا تسكب العبارات، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ».
أخرج الطيالسي والبيهقي في الشعب عن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « من زار قبري كنت له شفيعا أو شهيدا، ومن مات في أحد الحرمين بعثه الله في الآمنين يوم القيامة ».
أخرج الطبراني عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من جاءني زائرا لم تنزعه حاجة إلا زيارتي كان حقا علىّ أن أكون له شفيعا يوم القيامة ».
وفي قولِ رسولِ الله عن قبرِ موسى عليه السلام « والله لو أني عندَهُ لأريتُكُم قبرَهُ إلى جنبِ الطَّريقِ عندَ الكثيبِ الأحمرِ » والذي هو قُربَ أريحا الإشارةُ إلى أن زيارةَ قبورِ الأنبياءِ والصّالحينَ للتبركِ بهم مطلوبة وعلى هذا كانَ الأكابرُ وعلى ذلك نَصُّوا.
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يرزقنا وإياكم زيارة الحبيب محمد صلى الله وعليه وسلم ونتبرك على أعتابه ونكحل العين بترابه اللهم ءامين اللهم ءامين.
حديث : مَن زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "مَن زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي" رواه أبو علي بن السَّكن في السّنن الصّحاح ، وعبد الحقّ في الأحكام ، والشيخ تقي الدين السبكي من المتأخرين وصحّحه باعتبار مجموع طرقه (2|267) من تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرّافعي الكبير لابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى
عبد الحقّ الإشبيلي: أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الأزدي الأندلسي الإشبيلي المُتوفّى سنة 681 هجرية رحمه الله تعالى كان فقيهاً، حافظاً ، عالماً ، بالحديث وعلله ، عارفاً بالرجال ، موصوفاً بالخير ، والصلاح والزهد والورع، ولزوم السُّنَّة، والتقلّل من الدنيا (ذكره الحافظ أبو عبد الله البلَنْسي الأبار)
ابن السكن: الإمام الحافظ أبو علي سعيد بن عثمان المصري المُتوفّى353 هجرية رحمه الله
تقيّ الدّين السّبكي: علي بن عبد الكافي الفقيه الشافعي والمحدّث المُتوفّى 756هجرية رحمه الله تعالى
وقال الشيخ موفق الدين بن قدامة المقدسي في كتابه المغني، وهو من أعظم كتب الحنابلة التي يعتمدون عليها: فصل: يستحب زيارة قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم . وذكر حديث ابن عمر من طريق الدّارقُطني ومن طريق سعيد بن منصور عن حفص ، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه من طريق أحمد : ما من أحد يُسلّم عليَّ عند قبري ص 66 من شفاء السَّقام في زيارة خير الأنام للإمام تقي الدين السبكي الشافعي المُتوفّى 756 هجرية
الحمد لله رب العالمين
https://www.islam.ms/ar/?p=118