الدليل على ثبوت الأرض وحركة الشمس
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلَّى الله على رسول الله وسلَّم وعلى ءاله وأصحابه الطيبين وبعد.
قال الله تعالى ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ سورة يس آية 38. وهذه آية صريحة في بيان حركة الشمس والقعدة الأصولية أنه لا يجوز إخراج النّص على ظاهره إلّا لدليل عقليّ قاطع أو نقلي ثابت ولا دليل هنا فيبقى النّص على ظاهره وهو بيان حركة الشمس. والآيات الآتية كذلك.
آيات قرآنية فيها أن الأرض ثابتة وأن الشمس هي التي تجري
قال الله تعالى ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ البقرة 258.
قال تعالى ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ يس 38.
قال تعالى ﴿ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ﴾ الرحمن 17.
قال تعالى ﴿ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً ﴾ الكهف 17.
قال تعالى ﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً ﴾ الإسراء 78.
قال تعالى ﴿ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴾. الرعد 2.
وفي سورة يس وصف الله عز وجل الأرض ولم يذكر أبدا أنها تدور أو تجري أو تسبح، فقال عز وجل: ﴿ وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ﴿٣٣﴾ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ ﴿٣٤﴾ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ۖ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ﴿٣٥﴾ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ﴿٣٦﴾﴾
ثم وصف عز وجل حركة الليل والنهار والشمس والقمر ولم يذكر سبحانه وتعالى حركة الأرض معهم أبدا حيث أفردها بالوصف لوحدها قبلهم لأنها تختلف عنهم وإلا لذكرهم معا فقال: ﴿ وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ﴿٣٧﴾ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴿٣٨﴾ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ﴿٣٩﴾ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴿٤٠﴾﴾
وفي سورة فاطر وصف تعالى دخول الليل في النهار ودخول النهار في الليل وتسخير الشمس والقمر يتحركان ويجريان ولم يذكر الأرض معهم، فقال: ﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّـهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۚ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ﴿١٣﴾﴾
وذكر الله عز وجل في القرآن الكريم بأن في الأرض رواسي لمنع تحرك الأرض فقال الله عز وجل في سورة النحل: ﴿ وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ (النحل 15)
وقال الله عز وجل في سورة الأنبياء: ﴿ وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِي أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وجَعَلْنَا فِيها فِجَاجًا سُبُلا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ (الأنبياء 31)
وقال الله عز وجل في سورة لقمان: ﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ﴾ ( لقمان 10)
وقال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً ﴾ النبأ 6 و 7.
وقال تعالى: ﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ ق 7.
قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ الرعد 3
بعض الأحاديث التي تدل على جريان الشمس
قال الحافظ السيوطي في"الدر المنثور"، دار الكتب العلمية الطبعة الأولى، 1411 هـ الجزء الخامس ص494 "أخرج عبدُ بن حُمَيد و البخاري والترمذي وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي ذر قال "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال "يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس ؟" قلت: "الله ورسوله أعلم". قال "فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فذلك قوله: "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا" قال "مستقرها تحت العرش".
أخرج ابن ماجه مرفوعا عن صفوان ابن عسال "إن من قِبَلِ مغرب الشمس بابًا مفتوحًا عرضه سبعون سنة، فلا يزال ذلك الباب مفتوحًا للتوبة حتى تطلع الشمس من نحوه. فإذا طلعت مِنْ نَحْوِهِ لَمْ يَنْفَعْ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أو كسبت في إيمانها خيرًا".
قال الطبري في تفسيره الجزء 20 ص516 "وقوله: "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا" يقول تعالى ذكره: والشمس تجري لموضع قرارها بمعنى: إلى موضع قرارها، وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم."
الإجماع على أن الأرض ثابتة وأن الشمس هي التي تجري
وقد نقل الإمام عبد القاهر بن طاهر البغدادي التميمي المتوفى 429هـ في كتابه (الفرق بين الفرق) في بيان أوصاف الفرقة الناجية في الباب الخامس في الفصل الثالث الركن الثاني في بيان الأصول التي اجتمع عليها أهل السنة والجماعة ص 330 طبعة دار المعرفة بيروت - لبنان، نقل الإجماع على ثبوت الأرض فقال: "وأجمعوا على وقوف الأرض وسكونها، وأن حركتها إنما تكون بعارض يعرض لها من زلزلة ونحوها خلاف قول من زعم من الدهرية أن الأرض تهوي أبداً ولو كانت كذلك لوجب ألا يلحق الحجرُ الذي نلقيه من أيدينا أبداً، لأن الخفيف لا يلحق ما هو أثقل منه في انحداره" اهـ. والرسول صلى الله عليه وسلم قال "لا تجمع أمتي على ضلالة".
وذكر في كتابه أصول الدين طبعة دار الآفاق الجديدة بيروت الطبعة الأولى 1401هـ، في صحيفة 60 المسألة الثانية عشرة من الأصل الثاني في بيان وقوف الأرض ونهايتها: "اختلفوا في هذه المسألة -أي المسلمون مع غيرهم- فقال المسلمون وأهل الكتاب بوقوف الأرض وسكونها وإن حركتها إنما تكون في العادة بزلزلة تصيبها وبه قال جماعة من الفلاسفة منهم أفلاطون وأرسطاطاليس وبطليموس وإقليدس" وقال في ص 62 "ولو كانت للأرض حركة دورية لأحسسنا بذلك كما نحس بحركتها عند الزلزلة ثم إنّا لو جعلنا قطعة من الأرض على طبق لم تدر عليه ولو رمينا بها في الهواء لنزلت على الاستواء ولم تدر على نفسها فإذا كانت كل قطعة منها لا تدور فكيف دارت جملتها" إلى أن قال في ص 63 في الأسطر الثلاثة الأخيرة "فلما لم يكن كذلك بطلت هذه العلة وسائر العلل التي حكيناها عن مخالفينا وصح بما قلنا أن الأرض واقفة بقدرة الله تعالى وإنها متناهية من كل جهة كما بيناه وإذا بطلت أقوال مخالفينا في هذه المسألة صح قولنا فيها". اهـ.
وجاء أيضاً عن الإمام العالم الأصولي المتكلم اللغوي فخر الدين الرازي في تفسير قول الله تعالى "وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم" سورة لقمان 10، قال "الجبال الراسية ثابتة (أن تميد) أي كراهية أن تميد وقيل المعنى ألّا تميد، واعلم أن الأرض ثباتها بسبب ثقلها وإلا كانت تزول عن موضعها بسبب المياه والرياح ولو خلقها مثل الرمل لما كانت تثبت للزراعة كما نرى الأراضي الرملية ينتقل الرمل الذي فيها من موضع إلى موضع ثم قال تعالى: "وبث فيها من كل دابة" البقرة 164، أي سكون الأرض فيه مصلحة حركة الدواب فأسكنا الأرض وحركنا الدواب ولو كانت الأرض متزلزلة وبعض الأراضي يناسب بعض الحيوانات لكانت الدابة التي لا تعيش في موضع تقع في ذلك الموضع فيكون هلاك الدواب أما إذا كانت الأرض ساكنة والحيوانات متحركة تتحرك في المواضع التي تناسبها وترعى فيها وتعيش فيها". اهـ.
ويدل على ثبوتها شىء مشاهد مجمع عليه من المسلمين ومن أهل الكتاب وهو النجم القطبي الذي يدل على جهة الشمال وهذا النجم ثابت لا يتحرك، أجمع عليه المسلمون، أي على ثبوته، وأهل الكتاب، فلو وقفت رحمك الله بتوفيقه في وقت مبكر من الليل في مكان ونظرت إلى السماء ورأيت هذا النجم، فقف في نفس المكان وإلى نفس الاتجاه الذي اتجهت إليه أول مرة حتى وصلت إلى هذا النجم فبالطبع سترى أن هذا النجم لم يتزحزح عن مكانه وحتى لم ينحرف أدنى انحراف عن المكان الذي شاهدته فيه أول الليل عن المكان الذي شاهدته فيه آخر الليل.
فإذا ثبت لك وقوف الأرض فأنت ترى دوران الشمس وليس الأرض هي التي تدور. وأما قوله تعالى "وكل في فلك يسبحون" يس 40، ليس فيها دليل على دوران الأرض كما يزعم بعض المفتونين، بدليل أن الآية ذكرت القمر والشمس والليل والنهار وليس فيها ذكر الأرض. فقوله تعالى "والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون" يس 40، أي أن كلا من الشمس والقمر والليل والنهار له فلك يسبح فيه، الليل له فلك، هذه البقعة لها دور يأتي عليها الليل وللنهار دور عليها وهكذا ثم في الوقت الذي يكون هنا ضوء النهار يكون الذي قبله مدارا لليل ولم يرد ذكر الأرض في هذه الآية الكريمة
ولم يرد التصريح بدوران الأرض بآية من القرآن الكريم ولا في حديث صحيح بل إن القول الموافق القريب لما نقل عن السلف عدم هذا الدوران، فقد روى ابن أبي خيثمة بإسناد صحيح عن حذيفة بن اليمان أنه بلغه أن كعباً يقول أن السماء تدور على قطب كالرحى فقال حذيفة كذب كعب (أي أخطأ) إن الله تعالى قال "إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا" فاطر 41، فمحل الشاهد استدلال حذيفة على نفي الدوران عن السماء والأرض بالآية أي فهم من الآية أنها تنفي الدروان.
الآية {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا} لما بين أن آلهتهم المزعومة لا تقدر على خلق شيء من السموات والأرض بين أن خالقهما وممسكهما هو الله، فلا يوجد حادث إلا بإيجاده، ولا يبقى إلا ببقائه. و "أن" المصدر المؤول في موضع جر بمعنى كراهة أن تزولا، أو لئلا تزولا، أو يحمل على المعنى ؛ لأن المعنى أن الله يمنع السموات والأرض أن تزولا، فلا حاجة على هذا إلى إضمار، وهذا قول الزجاج. {وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} قال الفراء: أي ولو زالتا ما أمسكهما من أحد. و "إن" بمعنى ما. قال: وهو مثل قوله {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ}. وقيل: المراد زوالهما يوم القيامة. وعن إبراهيم قال: دخل رجل من أصحاب ابن مسعود إلى كعب الأحبار يتعلم منه العلم، فلما رجع قال له ابن مسعود: ما الذي أصبت من كعب؟ قال سمعت كعبا يقول: إن السماء تدور على قطب مثل قطب الرحى، في عمود على منكب ملك؛ فقال له عبد الله: كذب كعب، إن الله تعالى يقول {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا} إن السموات لا تدور، ولو كانت تدور لكانت قد زالت. وعن ابن عباس نحوه، وأنه قال لرجل مقبل من الشام: من لقيت به ؟ قال كعبا. قال: وما سمعته يقول ؟ قال: سمعته يقول: إن السموات على منكب ملك. قال: كذب كعب، إن الله تعالى يقول {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا} والسموات سبع والأرضون سبع، ولكن لما ذكرهما أجراهما مجرى شيئين، فعادت الكناية إليهما، وهو كقوله تعالى {أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا} ثم ختم الآية بقوله "إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً" لأن المعنى في ما ذكره بعض أهل التأويل: إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا من كفر الكافرين، وقولهم اتخذ الله ولدا. قال الكلبي: لما قالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله، كادت السموات والأرض أن تزولا عن أمكنتهما، فمنعهما الله، وأنزل هذه الآية فيه؛ وهو كقوله تعالى {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} الآية. الجامع لأحكام القرآن المجلد الرابع عشر دار الفكر 1384 هـ.
ثم القول بالدوران ينافي ما اتفق عليه الناس من أن هذه الأرض منها بلاد مشرقية ومنها بلاد مغربية وهذا يتعارض مع القول بالدوران لأنه على هذا القول كل بقعة من الأرض مشرق ومغرب فعليه لا بلاد مشرقية ولا بلاد مغربية والله تبارك وتعالى دلَّ في كتابه على أن من الأرض قسماً يختص بكونه مشرقاً وقسماً يختص بكونه مغرباً فقال تعالى "رب المشارق والمغارب" المعارج 40، وليس هذا مبنياً على أمر موهوم لا حقيقة له فماذا يقول المقلدون القائلون بالدوران هل يقولون إن القرآن أتى بالناس بالوهم والتخيل أم ماذا يقولون، فمن شاء فليطلع على تاريخ ابن أبي خيثمة المنقول عنه ما تقدم حتى يرى بعينيه. أما بالنسبة للشمس فإنها تجري خارج مركزها قال تعالى "والشمس تجري لمستقر لها" أما قوله تعالى "رب المشارق والمغارب" فمعناه أن الشمس أثناء سيرها في الفضاء لها عدة مشارق وعدة مغارب، اليوم تمر في هذا الخط وغداً تمر في الخط الذي يليه وبعد غد تمر في الخط الذي يليه وهكذا ثلاثة أشهر ذاهبة ثم تعود وترجع في هذه الخطوط التي قطعتها حتى تصل منتهاها ثم ثلاثة أشهر في خطوط أخرى ذاهبة ثم ثلاثة أشهر راجعة في نفس هذه الخطوط، الشمس لها مائة وثمانون مشرقاً ومائة وثمانون مغرباً.
ومعنى قوله تعالى "رب المشرقين ورب المغربين" الرحمن 17، أي رب مشرق الصيف ومشرق الشتاء وهو أيضاً رب مغرب الصيف ومغرب الشتاء. أما حدوث الليل والنهار فهو أمر ينتج من دوران الشمس، اختلاف الليل والنهار سببه أن الله تعالى لم يعط الشمس قوة تسيطر بها على جميع بقاع الأرض في آن واحد بل جعل قوتها تتسلط على جزء من الأرض ثم على جزء ثم على جزء. والأرض محدودبة أما قوله تعالى "وإلى الأرض كيف سطحت" الغاشية 20، أي وسّعت وهي محدودبة ليست مثل السجادة الممدودة على الأرض والله تعالى خلق سبع سموات وسبع أرضين وما بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام كذلك بين كل أرض وأرض مسيرة خمسمائة عام وكل أرض منفصلة عن الأخرى واقفة في الفضاء بقدرة الله تعالى، الله تعالى يمسكها بقدرته، الأرضون الست التي تحت الأولى فيها جن وأولئك الجن أغلبهم كفار. كما أن فيها أشجارًا وأنهارًا وبحارًا وجبال يعيش عليها بهائم وفيها حشرات وأما البشر فمستقرهم هذه الأرض الأولى فقط قال الله تعالى "منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى" طه 55، أي تدفنون في هذه (أي هذه الأرض التي نحن عليها) وتبعثون يوم القيامة منها، وهناك أجزاء من الأرض لم يكتشفها جغرافيو هذا العصر.
السموات السبع أجرام صلبة متينة، قال الله تعالى "الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور" الملك 3، فالسماء الأولى هي الزرقاء الصافية حين يكون الجوّ صحوا ولا يوجد غيوم هل يرى فيها شقوق ؟! لا ترى فيها شقوق أما في الليل فهي لا تظهر لنا لبعدها فهؤلاء الإفرنج يرونها بأعينهم ولا يعترفون بأنها جسم صلب يقولون عنها فضاء مليء بالنجوم والكواكب علماً بأن الشمس والقمر وهذه الكواكب والنجوم بعيدة جداً عن السماء فكيف ينكر وجودها ؟! يا لهؤلاء الجهلة، قال الله تعالى "إنا خلقنا السماء بأيدٍ وإنا لموسعون" الذاريات 47، معناه أن الله خلق السماء بقوة، "وإنا لموسعون" أي وإنا لقادرون. قاله ابن عباس.
دخول أوقات الصلاة بالطريقة الشرعية دليل على ثبوت الأرض ودوران الشمس
فمن الواجب خمس صلوات في اليوم والليلة. الظهر ووقتها إذا زالت الشمس إلى مصير كل شيء مثله غير ظل الاستواء. روى الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر".
والعصر ووقتها من بعد وقت الظهر إلى مغيب الشمس. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر". رواه البخاري. وقال عليه الصلاة والسلام "ووقت العصر ما لم تَصْفَرَّ الشمس". رواه مسلم.
والمغرب ووقته من بعد وقت العصر إلى مغيب الشفق الأحمر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وقت المغرب ما لم يغب الشفق". رواه مسلم.
والعشاء ووقته من بعد وقت المغرب إلى طلوع الفجر الصادق. عن أبي قتادة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال "أما أنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى". رواه مسلم.
والصبح ووقتها من بعد وقت العشاء إلى طلوع الشمس. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح". وقوله عليه الصلاة والسلام "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة". رواه البخاري
عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "وقت الظهر ما لم يحضر العصر ووقت العصر ما لم تَصْفَرَّ الشمس ووقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق ووقت العشاء إلى نصف الليل (توجد أوقات فضيلة وأما وقت العشاء فيمتدّ إلى طلوع الفجر الصادق) ووقت الفجر ما لم تطلع الشمس". رواه مسلم. عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلوات فقال "وقت صلاة الفجر ما لم يطلع قرن الشمس الأول ووقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس عن بطن السماء ما لم يحضر العصر ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس ويسقط قرنها الأول ووقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس ما لم يسقط الشفق ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل". رواه مسلم.
وقد قال الفقيه الشافعي الغزالي في كتابه الحكمة في مخلوقات الله، يقول رحمه الله: اعلم أن الله سبحانه خلق الشمس لأمور لا يستكمل علمها إلا الله وحده، فالذي ظهر من حكمته فيها أن جعل حركتها لإقامة الليل والنهار في جميع أقاليم الأرض. ولو لا ضياء نورها ما كان الناس يهنؤون بالعيش ولا انتفعوا بالأبصار ولم تظهر الألوان. ثم بتقدمها وتأخرها تستقيم الفصول، فيستقيم أمر النبات والحيوان ، ثم انظر إلى مسيرها في فلكها في مدة سنة وهي تطلع كل يوم وتغرب بسير آخر سُخِرَ لها بتقدير خالقها، فلو لا طلوعها وغروبها لما اختلف الليل والنهار ولما عرفت المواقيت، ولو انطبق الظلام على الدوام لكان فيه الهلاك لجميع الخلق فانظر كيف جعل الله الليل سكنًا ولباسًا والنهار معاشًا، وانظر إلى إمالة سير الشمس حتى اختَلَفَ بسبب ذلك الصيف والشتاء فإذا انخفضت من وسط السماء برد الهواء وظهر الشتاء وإذا استوت وسط السماء اشتد القيظ، وإذا كانت في ما بينهما اعتدل الزمان فيستقيم بذلك أمر النبات والحيوان بإقامة هذه الأزمنة الأربعة من السنة، ثم تفكّر في تنقل الشمس في هذه البروج لإقامة دورة السنة، وهذا الدور هو الذي يجمع الأزمنة الأربعة: الشتاء والربيع والصيف والخريف، فقد صار هذا الفلك شمسه وقمره ونجومه وبروجه تدور على هذا العالم بهذا دورانًا دائمًا في الفصول الأربعة من السنة لصلاح ما فيه من حيوان ونبات وغير ذلك بتقدير الله العزيز العليم". اهــ ذكر هذا الكلام في ص 86-87-88-91
وفي ص 92 يقول: "وهو يتكلم عن الأرض: وجعل (يعني الله) فيها الاستقرار والثبات كما نبه على ذلك سبحانه وتعالى بقوله: "أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم". فأمكن الخلائق بهذا السفر فيها في مآربهم والجلوس لراحتهم والنوم لهدوئهم والانتقال لأعمالهم، فإنها إن كانت رجراجة متحركة لم يستطيعوا أن يتقنوا شيئا من النبات وجميع الصناعات، وكانوا لا يهنؤون بالعيش والأرض ترتج بهم من تحتهم، واعتبر ذلك بما يصيب الناس من الزلازل ترهيبا للخلق، وتخويفا لهم لعلهم يتقون الله وينزعون عن الظلم والعصيان، فهذا أيضا من الحكمة البالغة. انتهى كلام الغزالي.
فقد تبين لنا مما ذكرناه من آيات قرآنية وأحاديث نبوية وإجماع الأمة الإسلامية من الصحابة ومن بعدهم ومن مفسرين وحفاظ والإجماع الذي نقله البغدادي أن الأرض ثابتة ساكنة لا تتحرك إلا بزلزال بمشيئة الله وذلك من باب اليقين والقطع فقد ورد ذلك في النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وردّ النصوص كفر، وعملا بذلك أجمع الأئمة الأعلام على وقوفها وثبوتها فلا عبرة ولا يلتفت إلى كلام بعض الغربيين أعداء الإسلام الذين يكذبون الحقائق ويروجون الدجل والأكاذيب بقولهم إن الأرض تدور هذا لا أساس له من الصحة وليس لهم عليه دليل إلا الظن والتخمين فجاءت نظرياتهم الساقطة المردودة أوهى من خيوط العنكبوت التي تزول مع أدنى ريح عاصفة، وأيضا بكلام من تبعهم من الشرقيين الذين تفرنجوا -نسبة إلى الإفرنج- وصاروا يتكلمون بألسنتهم وهم يسمونها نظرية واسمها -أي كونها نظرية- يدل على أنها قابلة للسقوط والبطلان والتغير، فهم ليس لهم عليها دليل لأنها ليست حقيقة ثابتة حتى إنهم اختلفوا بينهم في هذه النظرية فقد ذهب أناس منهم إلى قول كلام خلاف هذا.
أما كل كلامنا فمبني على ما جاء في القرءان الكريم الذي لا يجوز عليه أن يكون فيه ما هو خلاف الواقع أو أن يكون متعارضًا وهو عبارة عن كلام الله ليس من تأليف بشر ولا جني ولا ملك والله تعالى هو خالق هذا العالم وما فيه وهو أعلم بذلك بلا شكٍ ولا ريب فالقرآن هو العلم وما خالف القرآن فليس علماً و ما في القرآن كافٍ ووافٍ وشافٍ. واتبعنا النبي الصادق المصدوق الأمين المأمون الذي لا ينطق عن هواه إنما بوحي من الله تعالى. فوجب تصديق واعتقاد ما جاء في القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، بأن الأرض ثابتة ساكنة والشمس هي الجارية هي التي تدور وإلا لو كانت الأرض تدور لما كانت تصلح للعيش والاستقرار عليها ولكِنَّ الله حكيم عليم.
ومن أعرض عن القرءان والحديث وإجماع الأمة المحمدية وأخذ بكلام أعداء الإسلام الكفار الملحدين الذي فيه محاربة هذا الدين من كلام فاسد باطل ساقط كغثاء السيل معارض للشريعة الإسلامية السمحة الصحيحة يكون بهذا التوّلي قد ضل وهلك، لأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾. سورة النساء آية 116.
وأنت أيها العاقل تعلم أن من كان عنده الإيمان بالله ورسوله وكتبه لا يجعل ما ذكرناه وراء ظهره وينجرف بالدفاع عن نظرية وهمية واهية، إنما يكون راداً ما يعارض كتاب الله وكلام رسوله مدافعا عن دين الله تعالى ومناصرًا إياه، جعلنا الله منهم.
الحمد لله رب العالمين
https://www.islam.ms/ar/?p=226