تفسير سورة يس من الآية 54 إلى الآية 59
الحمدُ للهِ ربّ العالمين لهُ النِعْمَةُ وَلَهُ الفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَن
صَلَوَاتُ اللهِ البَرّ الرَّحيم والملائِكَةِ الْمُقرَّبينَ عَلَى سَيِدِنَا مُحَمَّدٍ أشْرَفِ الـمُرسَلِين وحَبِيبِ رَبّ العَالمين
وعلى جميعِ إخوانِهِ مِنَ النّبيينَ والـمُرسَلِين وَءَالِ كُلٍ والصَّالِحين وسلامُ اللهِ عليهم أجمعين
يقولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى ﴿فَالَيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَونَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {54} إِنَّ أَصْحَابَ الجَنَّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ {55} هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الأَرَآئِكِ مُتَّكِؤنَ {56} لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ {57} سَلَامٌ قَوْلًا مّنْ رَبّ رَّحِيمٍ {58} وَامْتَازُوا اليَوْمَ أَيُّهَا الـمُجْرِمُونَ {59}﴾
إنَّ اللهَ سُبحَانَهُ وَتَعَالى يُخْبِرُنَا عن يَومِ القِيَامَةِ بِقَوْلِه
﴿فَالَيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَونَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، إِنَّ أَصْحَابَ الجَنَّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ﴾ والـمَعْنَى فِي شُغُلٍ فِي أيّ شُغُل يَعنِي شُغلٍ عَظِيم وَفِي شُغلٍ لا يُوصَف وَهُوَ افْتِضَاضُ الأبْكَارِ عَلَى شَطِّ الأنهَارِ تَحْتَ الأشجَار أَوْ ضَرْبُ الأوْتَارِ. الحُورُ العِين يَضْرِبنَ بِالأوْتَار وَيُغَنّين، فَهُم مَشْغُولُونَ بِمَا أَنعَمَ اللهُ بِهِ عَلَيْهِم، أَو ضِيَافَةُ الجَبَّار.
﴿فَاكِهُونَ﴾ وَالفَاكِهُ وَالـفَكِهُ الـمُتَنَعّمُ الـمُتَلَذّذ، وَمِنْهُ الفَاكِهَةُ لِأَنَّهَا مِمَّا يُتَلَذَّذُ بِه وَكَذَا الفُكَاهة
﴿هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ﴾ جَمْعُ ظِل، وهوَ الـموضِعُ الذي لا تَقَعُ عَلَيْهِ الشَّمْس أَوْ جَمْعُ ظُلَّة عَلَى قِرَاءَةِ ﴿ظُلَلٍ﴾ وَهِيَ مَا سَتَرَكَ مِنَ الشَّمْس
﴿عَلَى الأَرَآئِكِ﴾ جَمْعُ الأريكَة، وَهِيَ السَّرِيرُ فِي الحَجَلة، السَّرِيرُ الذِي عَلَيْهِ سِتْر هذَا عَادَةُ الأغنِيَاءِ فِي الدُّنيَا يُسدِلُونَ عَلَى السَّرِيرِ سِترًا مِن حَرِير أو نَحْوِ ذَلِك. أَوِ الفِراشِ فِيهَا
﴿مُتَّكِؤنَ﴾ الاتّكَاءُ التَّحَامُلُ عَلَى الشَّىْء
﴿لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ﴾ أَيْ كُلُّ مَا يَدعُو بِهِ أهْلُ الجَنَّةِ يَأْتِيهِم. أوْ يَتَمَنَّوْن مِن قَوْلِهِم أُدعُ عَلَيَّ مَا شِئتَ أَيْ تَمَنَّهُ عَلَيَّ مَعْنَاهُ اطلُب مِنّي مَا شِئْتَ، عَنِ الفَرَّاءِ "هُوَ مِنَ الدَّعْوى" وَلَا يَدَّعُونَ مَا لَا يَستَحِقُّون. وَالفَرَّاءُ إمَامُ أَهْلِ اللُغَة
﴿سَلَامٌ قَوْلًا مّنْ رَبٍ رَّحِيمٍ﴾ وَالـمَعْنَى أَنَّ اللهَ يُسَلِمُ عَلَيْهِم بِواسِطَةِ الـمَلَائِكَة، أَوْ بِغَيْرِ وَاسِطَة تَعظِيمًا لهُم وَذَلِكَ مُتَمنَّاهُم وَلَهُم ذَلِكَ لَا يُمنَعُونَه. فَإنْ كَانَ بِوَاسِطَةِ الـمَلَائِكَةِ فَالسَّلَامُ بِالحَرفِ وَالصَّوْت، وَإِن كَانَ بِلَا وَاسِطَةٍ فَبِلَا حَرْفٍ وَلَا صَوت. يُسْمِعُهُمُ اللهُ ذَلِكَ السَّلَامَ بِلَا حَرْفٍ وَلَا صَوْت. قَالَ ابنُ عَبَّاس "وَالـمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم بِالتَّحِيَّةِ من رَبّ العَالـمِين"
﴿وَامْتَازُوا اليَوْمَ أَيُّهَا الـمُجْرِمُونَ﴾ وَانفَرِدُوا عَنِ الـمُؤمِنِين وَكُونُوا عَلَى حِدَة وَذلِكَ حِيَنَ يُحْشَرُ الـمُؤمِنُون وَيُسَارُ بِهِم إلَى الجَنَّة. وَمَا يُرْوَى عَنِ الضَّحَّاكِ "لِكُلِ كَافِرٍ بَيْتٌ مِنَ النَّارِ يَكُونُ فِيه لَا يَرَى وَلَا يُرَى أَبَدًا، فَغَيْرُ ثَابِت" بَلْ يَرَى بَعْضُهُم بَعْضًا فِي بَعْضِ الأوْقَات
وَسُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العَالمين، رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَة وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَة وَقِنَا عَذَابَ النَّار،
اللهُمَّ اجعَلنَا هُدَاة مّهْدِيينَ غَيْرَ ضَآلينَ وَلَا مُضِلّين، اللهُمَّ استُر عَوْرَاتِنَا وَءَامِن رَوْعَاتِنَا وَاكفِنَا مَا أَهَمَّنَا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّف
وَءَاخِرُ دَعْوَانَا أنِ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العَالمِين
https://www.islam.ms/ar/?p=615