تفسير سورة يس آية 14
إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ
14 - إِذْ بَدَلٌ مِنْ "إِذْ" اَلْأَوْلَى أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ أَيْ: أَرْسَلَ عِيسَى بِأَمْرِنَا اثْنَيْنِ صَادِقًا وَصَدُوقًا فَلَمَّا قَرَّبَا مِنَ الْمَدِينَةِ رَأَيَا شَيْخًا يَرْعَى غُنَيْمَاتٍ لَهُ وَهُوَ حَبِيبٌ النَّجَّارُ فَسَأَلَ عَنْ حَالِهِمَا فَقَالَا: نَحْنُ رَسُولَا عِيسَى نَدْعُوكُمْ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ إِلَى عِبَادَةِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: أَمَعَكُمَا آيَةٌ ؟ فَقَالَا: نَشْفِي الْمَرِيضَ وَنُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَكَانَ لَهُ ابْنٌ مَرِيضٌ مُدَّةَ سَنَتَيْنِ فَمَسَحَاهُ فَقَامَ فَآمَنَ حَبِيبٌ وَفَشَا الْخَبَرُ فَشُفِيَ عَلَى أَيْدِيهِمَا خَلْقٌ كَثِيرٌ فَدَعَاهُمَا الْمَلِكُ وَقَالَ لَهُمَا: أَلَنَا إِلَهٌ سِوَى آلِهَتِنَا ؟! قَالَا: نَعَمْ مَنْ أَوَجَدَكَ وَآلِهَتَكَ ؟ فَقَالَ: حَتَّى أَنْظُرَ فِي أَمْرِكُمَا فَتَبِعَهُمَا النَّاسُ وَضَرَبُوهُمَا وَقِيلَ: حُبِسَا ثُمَّ بَعَثَ عِيسَى شَمْعُونَ فَدَخَلَ مُتَنَكِّرًا وَعَاشَرَ حَاشِيَةَ الْمَلِكِ حَتَّى اسْتَأْنَسُوا بِهِ وَرَفَعُوا خَبَرَهُ إِلَى الْمَلِكِ فَأَنِسَ بِهِ فَقَالَ لَهُ ذَاتَ يَوْمٍ: بَلَغَنِي أَنَّكَ حَبَسْتَ رَجُلَيْنِ فَهَلْ سَمِعْتَ قَوْلَهُمَا ؟ قَالَ: لَا فَدَعَاهُمَا فَقَالَ شَمْعُونُ: مَنْ أَرْسَلَكُمَا ؟ قَالَا: اَللَّهُ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَرَزَقَ كُلَّ حَيٍّ وَلَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ فَقَالَ: صِفَاهُ وَأَوْجِزَا قَالَا: يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ قَالَ: وَمَا آيَتُكُمَا ؟ قَالَا: مَا يَتَمَنَّى الْمَلِكُ فَدُعِيَ بِغُلَامٍ أَكْمَهَ فَدَعَوَا اللَّهَ فَأَبْصَرَ الْغُلَامُ فَقَالَ شَمْعُونُ: أَرَأَيْتَ لَوْ سَأَلْتَ إِلَهَكَ حَتَّى يَصْنَعَ مِثْلَ هَذَا فَيَكُونَ لَكَ وَلَهُ الشَّرَفُ ؟ قَالَ الْمَلِكُ: لَيْسَ لِي عَنْكَ سِرٌّ إِنَّ إِلَهَنَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ ثُمَّ قَالَ: إِنْ قَدَرَ إِلَهُكُمَا عَلَى إِحْيَاءِ مَيِّتٍ آمَنَّا بِهِ فَدَعَوْا بِغُلَامٍ مَاتَ مِنْ سَبْعَةِ أَيَّامٍ فَقَامَ وَقَالَ: إِنِّي أُدْخِلْتُ فِي سَبْعَةِ أَوْدِيَةٍ مِنَ النَّارِ لِمَا مِتُّ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ وَأَنَا أُحَذِّرُكُمْ مَا أَنْتُمْ فِيهِ فَآمَنُوا وَقَالَ: فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ فَرَأَيْتُ شَابًّا حَسَنَ الْوَجْهِ يَشْفَعُ لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ قَالَ الْمَلِكُ: وَمَنْ هُمْ ؟ قَالَ: شَمْعُونُ وَهَذَانِ فَتَعَجَّبَ الْمَلِكُ فَلَمَّا رَأَى شَمْعُونُ أَنَّ قَوْلَهُ قَدْ أَثَّرَ فِيهِ نَصَحَهُ فَآمَنَ وَآمَنَ قَوْمٌ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ صَاحَ عَلَيْهِمْ جِبْرِيلُ فَهَلَكُوا فَكَذَّبُوهُمَا فَكَذَّبَ أَصْحَابُ الْقَرْيَةِ الرَّسُولَيْنِ فَعَزَّزْنَا فَقَوَّيْنَاهُمَا "فَعَزَزْنَا" "أَبُو بَكْرٍ" مِنْ "عَزَّهُ يُعِزُّهُ" إِذَا غَلَبَهُ أَيْ: فَغَلَبْنَا وَقَهَرْنَا بِثَالِثٍ وَهُوَ شَمْعُونُ وَتَرَكَ ذِكْرَ الْمَفْعُولِ بِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ ذِكْرُ الْمُعَزَّزِ بِهِ وَهُوَ شَمْعُونُ وَمَا لَطَفَ فِيهِ مِنَ التَّدْبِيرِ حَتَّى عَزَّ الْحَقُّ وَذَلَّ الْبَاطِلُ وَإِذَا كَانَ الْكَلَامُ مُنْصَبًّا إِلَى غَرَضٍ مِنَ الْأَغْرَاضِ جُعِلَ سِيَاقُهُ لَهُ وَتَوَجُّهُهُ إِلَيْهِ كَأَنَّ مَا سِوَاهُ مَرْفُوضٌ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ أَيْ : قَالَ الثَّلَاثَةُ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ .
https://www.islam.ms/ar/?p=4529