تفسير سورة لقمان آية 27

وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

27 - قَالَ الْمُشْرِكُونَ إِنَّ هَذَا أَيِ الْوَحْيَ كَلَامٌ سَيَنْفَدُ فَأَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّ كَلَامَهُ لَا يَنْفَدُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ "وَالْبَحْرَ" بِالنَّصْبِ أَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ عَطْفًا عَلَى اسْمٍ أَنَّ وَهُوَ "مَا" وَالرَّفْعُ عَلَى مَحَلِّ أَنَّ وَمَعْمُولِهَا أَيْ : وَلَوْ ثَبَتَ كَوْنُ الْأَشْجَارِ أَقْلَامًا وَثَبَتَ الْبَحْرُ مَمْدُودًا بِسَبْعَةِ أَبْحُرٍ أَوْ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْوَاوُ لِلْحَالِ عَلَى مَعْنَى : وَلَوْ أَنَّ الْأَشْجَارَ أَقْلَامٌ فِي حَالِ كَوْنِ الْبَحْرِ مَمْدُودًا ، وَقُرِئَ "يُمِدُّهُ" وَكَانَ مُقْتَضَى الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ وَلَوْ أَنَّ الشَّجَرَ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرَ مِدَادٌ لَكِنْ أَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الْمِدَادِ قَوْلُهُ "يَمُدُّهُ" لِأَنَّهُ مِنْ قَوْلِكَ مَدَّ الدَّوَاةَ وَأَمَدَّهَا ، جَعَلَ الْبَحْرَ الْأَعْظَمَ بِمَنْزِلَةِ الدَّوَاةِ وَجَعَلَ الْأَبْحُرَ السَّبْعَةَ مَمْلُوءَةً مِدَادًا فَهِيَ تَصُبُّ فِيهِ مِدَادَهَا أَبَدًا صَبًّا لَا يَنْقَطِعُ وَالْمَعْنَى : وَلَوْ أَنَّ أَشْجَارَ الْأَرْضِ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ مَمْدُودٌ بِسَبْعَةِ أَبْحُرٍ وَكُتِبَتْ بِتِلْكَ الْأَقْلَامِ وَبِذَلِكَ الْمِدَادِ كَلِمَاتُ اللَّهِ لَمَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُهُ وَنَفِدَتِ الْأَقْلَامُ وَالْمِدَادُ كَقَوْلِهِ "قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي" فَإِنْ قُلْتَ زَعَمْتَ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ حَالٌ فِي أَحَدِ وَجْهَيِ الرَّفْعِ وَلَيْسَ فِيهِ ضَمِيرٌ رَاجِعٌ إِلَى ذِي الْحَالِ قُلْتُ : هُوَ كَقَوْلِكَ : جِئْتُ وَالْجَيْشُ مُصْطَفٌّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْوَالِ الَّتِي حُكْمُهَا حُكْمُ الظُّرُوفِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ شَجَرَةً عَلَى التَّوْحِيدِ لِأَنَّهُ أُرِيدَ تَفْصِيلُ الشَّجَرِ وَتَقَصِّيهَا شَجَرَةً شَجَرَةً حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْ جِنْسِ الشَّجَرِ وَلَا وَاحِدَةٌ إِلَّا وَقَدْ بُرِيَتْ أَقْلَامًا ، [وكلام الله واحد والجمع للتعظيم] "إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ" لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ "حَكِيمٌ" لَا يَخْرُجُ مِنْ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ شَيْءٌ فَلَا تَنْفَدُ كَلِمَاتُهُ وَحِكَمُهُ.

الله تبارك وتعالى مُتكلمٌ بكلامٍ أزليٍ أبديٍ لا يُشبِهُ كلامَ المخلوقيَن ليس لِكلامِه ابتداء، ليس له انتهاء، لا يطرأ عليه سُكوتٌ أو تَقطّع لأنه ليس حرفًا ولا صوتًا ولا لغةً وأمَّا كلامُ المخلوقين فهو بِحرفٍ وصوتٍ وبالآلات. قال تعالى: ﴿ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾، أَيْ أَسْمَعَ اللهُ مُوسى كَلامَهُ الأَزَلِيَّ الأَبَدِيَّ الَّذِي لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلا صَوْتٍ. أزال اللهُ المانعَ عن سمع موسى، فسَمِعَ كلامَ اللهِ منْ غير أن يَحُلَّ الكلامُ الأزليُّ في أُذن موسى، فموسى عليه السلام حادثٌ وسمعُه مخلوق وأمّا مسموعهُ وهو كلام الله فليس بحادثٍ.

قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه: « ويتكلم لا ككلامنا ، نَحن نتكلم بالآلات من المخارج والحروف والله متكلمٌ بلا ءالةٍ ولا حرفٍ ».

تفسير القرآن الكريم تفسير النسفي تفسير قرآن أهل السنة والجماعة تفسير قرآن كامل تفسير سورة لقمان آية 27