تفسير سورة النساء آية 19
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا
19 - كَانَ الرَّجُلُ يَرِثُ امْرَأَةَ مُوَرَّثِهِ بِأَنْ يُلْقِيَ عَلَيْهَا ثَوْبَهُ فَيَتَزَوَّجُهَا بِلَا مَهْرٍ، فَنَزَلَتْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا أَيْ: أَنْ تَأْخُذُوهُنَّ عَلَى سَبِيلِ الْإِرْثِ، كَمَا تُحَازُ الْمَوَارِيثُ، وَهُنَّ كَارِهَاتٌ لِذَلِكَ، أَوْ مُكْرَهَاتٌ "كَرْهًا" بِالْفَتْحِ مِنَ الْكَرَاهَةِ، وَبِالضَّمِّ حَمْزَةُ، وَعَلِيٌّ، مِنَ الْإِكْرَاهِ. مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْمَفْعُولِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْكُرْهِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ عِنْدَ عَدَمِهِ ؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ [الْإِسْرَاءُ: 31] وَلا تَعْضُلُوهُنَّ وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَلَمْ تَكُنْ مِنْ حَاجَتِهِ حَبَسَهَا مَعَ سُوءِ الْعِشْرَةِ لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَالِهَا وَتَخْتَلِعَ، فَقِيلَ: وَلا تَعْضُلُوهُنَّ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى أَنْ تَرِثُوا وَ "لَا" لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ، أَيْ: لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ وَلَا أَنْ تَعْضُلُوهُنَّ، أَوْ مَجْزُومٌ بِالنَّهْيِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، فَيَجُوزُ الْوَقْفُ حِينَئِذٍ عَلَى كَرْهًا وَالْعَضْلُ: الْحَبْسُ، وَالتَّضْيِيقُ. لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ مِنَ الْمَهْرِ، وَاللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِـ "تَعْضُلُوا" إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ هِيَ النُّشُوزُ، وَإِيذَاءُ الزَّوْجِ وَأَهْلِهِ بِالْبِذَاءِ، أَيْ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ سُوءُ الْعِشْرَةِ مِنْ جِهَتِهِنَّ فَقَدْ عُذِرْتُمْ فِي طَلَبِ الْخُلْعِ، وَعَنِ الْحَسَنِ: الْفَاحِشَةُ: الزِّنَا، فَإِنْ فَعَلَتْ حَلَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يَسْأَلَهَا الْخُلْعَ مُبَيِّنَةٍ وَبِفَتْحِ الْيَاءِ مَكِّيٌّ، وَأَبُو بَكْرٍ. وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ أَعَمِّ عَامِّ الظَّرْفِ أَوِ الْمَفْعُولِ لَهُ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَلا تَعْضُلُوهُنَّ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ إِلَّا وَقْتَ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ أَوْ وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِعِلَّةٍ مِنَ الْعِلَلِ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ وَكَانُوا يُسِيئُونَ مُعَاشَرَةَ النِّسَاءِ، فَقِيلَ لَهُمْ: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ النَّصَفَةُ فِي الْمَبِيتِ، وَالنَّفَقَةِ، وَالْإِجْمَالُ فِي الْقَوْلِ. فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ لِقُبْحِهِنَّ، أَوْ سُوءِ خُلُقِهِنَّ. فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ، أَوْ فِي الْكُرْهِ. خَيْرًا كَثِيرًا ثَوْبًا جَزِيلًا، أَوْ وَلَدًا صَالِحًا. وَالْمَعْنَى: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَلَا تُفَارِقُوهُنَّ لِكَرَاهَةِ الْأَنْفُسِ وَحْدَهَا، فَرُبَّمَا كَرِهَتِ النَّفْسُ مَا هُوَ أَصْلَحُ فِي الدِّينِ، وَأَدْلَى إِلَى الْخَيْرِ، وَأَحَبَّتْ مَا هُوَ بِضِدِّ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لِلنَّظَرِ فِي أَسْبَابِ الصَّلَاحِ. وَإِنَّمَا صَحَّ قَوْلُهُ: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا جَزَاءً لِلشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَاصْبِرُوا عَلَيْهِنَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ، فَلَعَلَّ لَكُمْ فِيمَا تَكْرَهُونَهُ خَيْرًا كَثِيرًا لَيْسَ فِيمَا تُحِبُّونَهُ.
https://www.islam.ms/ar/?p=1357