تفسير سورة النساء آية 101

وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا

101 - وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ سَافَرْتُمْ فِيهَا، فَالضَّرْبُ فِي الْأَرْضِ هُوَ السَّفَرُ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ حَرَجٌ أَنْ تَقْصُرُوا فِي أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ مِنْ أَعْدَادِ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ، فَتُصَلُّوا الرُّبَاعِيَّةَ رَكْعَتَيْنِ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ فِي السَّفَرِ، وَالْإِكْمَالُ عَزِيمَةٌ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لِأَنَّ "جُنَاحَ" يُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضِعِ التَّخْفِيفِ، وَالرُّخْصَةِ لَا فِي مَوْضِعِ الْعَزِيمَةِ. وَقُلْنَا: الْقَصْرُ عَزِيمَةٌ غَيْرُ رُخْصَةٍ، وَلَا يَجُوزُ الْإِكْمَالُ لِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [رواه النّسائي وابن ماجه من رواية عبد الرّحمان بن أبي ليلى عن عمر رضي الله عنه]، وَأَمَّا الْآيَةُ فَكَأَنَّهُمْ أَلِفُوا الْإِتْمَامَ، فَكَانُوا مَظِنَّةً لِأَنْ يَخْطُرَ بِبَالِهِمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ نُقْصَانًا فِي الْقَصْرِ، فَنَفَى عَنْهُمُ الْجُنَاحَ لِتَطْلِيبِ أَنْفُسِهِمْ بِالْقَصْرِ، وَيَطْمَئِنُّوا إِلَيْهِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ خَشِيتُمْ أَنْ يَقْصِدَكُمُ الْكُفَّارُ بِقَتْلٍ، أَوْ جُرْحٍ، أَوْ أَخْذٍ. وَالْخَوْفُ: شَرْطُ جَوَازِ الْقَصْرِ عِنْدَ الْخَوَارِجِ ظَاهِرُ النَّصِّ، وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ لَيْسَ بِشَرْطٍ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ: مَا بَالُنَا نَقْصُرُ وَقَدْ أَمِنَّا ؟ فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا تَعَجَّبْتَ مِنْهُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ" [رواه أحمد]. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِكْمَالُ فِي السَّفَرِ ؛ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ إِسْقَاطٌ مَحْضٌ لَا يَحْتَمِلُ الرَّدَّ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَصَدِّقُ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُ طَاعَتُهُ كَوَلِيِّ الْقِصَاصِ إِذَا عَفَا، فَمَنْ تَلْزَمُ طَاعَتُهُ أَوْلَى، وَلِأَنَّ حَالَهُمْ حِينَ نُزُولِ الْآيَةِ كَذَلِكَ، فَنَزَلَتْ عَلَى وَفْقِ الْحَالِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا [النُّورُ: 33] دَلِيلُهُ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ: (مِنَ الصَّلَاةِ أَنْ يَفْتِنَكُمْ) أَيْ: لِئَلَّا يَفْتِنَكُمْ، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ قَصْرُ الْأَحْوَالِ، وَهُوَ أَنْ يُومِئَ عَلَى الدَّابَّةِ عِنْدَ الْخَوْفِ، أَوْ يُخَفِّفَ الْقِرَاءَةَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَالتَّسْبِيحَ، كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا فَتَحَرَّزُوا عَنْهُمْ.

تفسير القرآن الكريم تفسير النسفي تفسير قرآن أهل السنة والجماعة تفسير قرآن كامل تفسير سورة النساء آية 101