تفسير سورة الممتحنة آية 1

سُورَةُ "اَلْمُمْتَحِنَةِ" مدنية وهي ثلاث عشرة آية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ 1 - رُوِيَ أَنَّ مَوْلَاةً لِأَبِي عَمْرِو بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ هَاشِمٍ يُقَالُ لَهَا: "سَارَةُ " أَتَتْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يَتَجَهَّزُ لِلْفَتْحِ فَقَالَ لَهَا: "أَمُسْلِمَةً جِئْتِ ؟" قَالَتْ: لَا قَالَ: أَفَمُهَاجِرَةً جِئْتِ ؟" قَالَتْ: لَا قَالَ: "فَمَا جَاءَ بِكِ؟!" قَالَتْ: اِحْتَجْتُ حَاجَةً شَدِيدَةً فَحَثَّ عَلَيْهَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَكَسَوْهَا وَحَمَلُوهَا وَزَوَّدُوهَا فَأَتَاهَا حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ وَأَعْطَاهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَكَسَاهَا بُرْدًا وَاسْتَحْمَلَهَا كِتَابًا إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ نُسْخَتُهُ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ اعْلَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ يُرِيدُكُمْ فَخُذُوا حِذْرَكُمْ فَخَرَجَتْ سَارَةُ وَنَزَلَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْخَبَرِ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا وَعَمَّارًا وَعُمَرَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ وَأَبَا مَرْثَدٍ وَكَانُوا فُرْسَانًا وَقَالَ: "اِنْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخَ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبٍ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَخُذُوهُ مِنْهَا وَخَلُّوهَا فَإِنْ أَبَتْ فَاضْرِبُوا عُنُقَهَا" فَأَدْرَكُوهَا فَجَحَدَتْ وَحَلَفَتْ فَهَمُّوا بِالرُّجُوعِ فَقَالَ عَلِيٌّ : "وَاللَّهِ مَا كُذِبْنَا وَلَا كُذِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" وَسَلَّ سَيْفَهُ وَقَالَ: "أَخْرِجِي الْكِتَابَ أَوْ تَضَعِي رَأْسَكِ" فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ مَقَاصِّ شَعْرِهَا وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّنَ جَمِيعَ النَّاسِ يَوْمَ الْفَتْحِ إِلَّا أَرْبَعَةً هِيَ أَحَدُهُمْ فَاسْتَحْضَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاطِبًا وَقَالَ: "مَا حَمَلَكَ عَلَيْهِ ؟!" فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَفَرْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلَا غَشَشْتُكَ مُنْذُ نَصَحْتُكَ وَلَا أَحْبَبْتُهُمْ مُنْذُ فَارَقْتُهُمْ وَلَكِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا وَكُلُّ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ أَهَالِيَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ غَيْرِي فَخَشِيتُ عَلَى أَهْلِي فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ يُنْزِلُ عَلَيْهِمْ بَأْسَهُ وَأَنَّ كِتَابِي لَا يُغْنِي عَنْهُمْ شَيْئًا فَصَدَّقَهُ وَقَبِلَ عُذْرَهُ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ" فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَا يُدْرِيكَ يَا عُمَرُ لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ (بَدْرٍ) فَقَالَ لَهُمْ: (اِعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ) ؟" فَفَاضَتْ عَيْنَا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَنَزَلَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ عُدِّيَ "اِتَّخَذَ" إِلَى مَفْعُولَيْهِ - وَهُمَا: "عَدُوِّي" وَ"أَوْلِيَاءَ" - وَ"اَلْعَدُوُّ": "فَعُولٌ" مِنْ "عَدَا" كَـ "عَفُوٌّ" مِنْ "عَفَا" وَلَكِنَّهُ عَلَى زِنَةِ الْمَصْدَرِ أُوقِعَ عَلَى الْجَمْعِ إِيقَاعَهُ عَلَى الْوَاحِدِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَبِيرَةَ لَا تَسْلُبُ اسْمَ الْإِيمَانِ تُلْقُونَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي "لَا تَتَّخِذُوا" اَلتَّقْدِيرُ: "لَا تَتَّخِذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ مُلْقِينَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ" أَوْ مُتْسَأْنَفٌ بَعْدَ وَقْفٍ عَلَى التَّوْبِيخِ وَالْإِلْقَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ إِيصَالِ الْمَوَدَّةِ وَالْإِفْضَاءِ بِهَا إِلَيْهِمْ وَالْبَاءُ فِي "بِالْمَوَدَّةِ" زَائِدَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِلتَّعَدِّي كَقَوْلِهِ: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ أَوْ ثَابِتَةٌ عَلَى أَنَّ مَفْعُولَ "تُلْقُونَ" مَحْذُوفٌ مَعْنَاهُ: "تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ أَخْبَارَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَبَبِ الْمَوَدَّةِ الَّتِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ وَقَدْ كَفَرُوا حَالٌ مِنْ "لَا تَتَّخِذُوا" أَوْ مِنْ "تُلْقُونَ" أَيْ: "لَا تَتَوَلَّوْهُمْ أَوْ تُوَادُّوهُمْ وَهَذِهِ حَالُهُمْ" بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ دِينِ الْإِسْلَامِ وَالْقُرْآنِ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ اِسْتِئْنَافٌ كَالتَّفْسِيرِ لِكُفْرِهِمْ وَعُتُوِّهِمْ أَوْ حَالٌ مِنْ "كَفَرُوا" أَنْ تُؤْمِنُوا تَعْلِيلٌ لِـ "يُخْرِجُونِ" أَيْ: يُخْرِجُونَكُمْ مِنْ مَكَّةَ لِإِيمَانِكُمْ بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ مُتَعَلِّقُ بِـ "لَا تَتَّخِذُوا" أَيْ: لَا تَتَوَلَّوْا أَعْدَائِي إِنْ كُنْتُمْ أَوْلِيَائِي وَقَوْلُ النَّحْوِيِّينَ فِي مِثْلِهِ: هُوَ شَرْطٌ جَوَابُهُ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ جِهَادًا فِي سَبِيلِي مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ أَيْ: إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ مُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي وَمُبْتَغِينَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ أَيْ: تُفْضُونَ إِلَيْهِمْ بِمَوَدَّتِكُمْ سِرًّا أَوْ تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ أَسْرَارَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَبَبِ الْمَوَدَّةِ وَهُوَ اسْتِئْنَافٌ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَالْمَعْنَى: "أَيُّ طَائِلٍ لَكُمْ فِي إِسْرَارِكُمْ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ الْإِخْفَاءَ وَالْإِعْلَانَ سِيَّانِ فِي عِلْمِي وَأَنِّي مُطْلِعٌ رَسُولِي عَلَى مَا تُسِرُّونَ؟!" وَمَنْ يَفْعَلْهُ أَيْ: هَذَا الْإِسْرَارَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ فَقَدْ أَخْطَأَ طَرِيقَ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ .

تفسير القرآن الكريم تفسير النسفي تفسير قرآن أهل السنة والجماعة تفسير قرآن كامل تفسير سورة الممتحنة آية 1