تفسير سورة الكوثر آية 1

سُورَةُ الْكَوْثَرِ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَدَنِيَّةٌ فِي قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَهِيَ ثَلاثُ ءَايَاتٍ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ 1 - إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ هُوَ "فَوْعَلٌ" مِنْ "اَلْكَثْرَةُ" وَهُوَ الْمُفْرِطُ الْكَثْرَةِ وَقِيلَ: هُوَ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَأَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وَأَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ حَافَّتَاهُ الزَّبَرْجَدُ وَأَوَانِيهِ مِنْ فِضَّةٍ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: "هُوَ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ" فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: هُوَ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ: "هُوَ مِنَ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ" .

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)﴾ رَوَى الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِنَهْرٍ حَافَّتَاهُ قِبَابُ الدُّرِ الْمُجَوَّف قُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ، فَإِذَا طِيبُهُ أَوْ طِينُهُ مِسْكٌ أَذْفَرُ »، شَكَّ هَدَبَةُ بنُ خَالِدٍ.

وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَقَدْ سُئِلَتْ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)﴾: « هُوَ نَهْرٌ أُعْطِيَهُ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاطِئَاهُ عَلَيْهِ دُرٌّ مُجَوَّفٌ ءَانِيَتُهُ كَعَدَدِ النُّجُومِ مَنْ جَهِلَ قَدْرَهُ هَتَكَ سِتْرَهُ ».

فَيَجِبُ الإِيـمَانُ بِالْحَوْضِ وَهُوَ مَكَانٌ أَعَدَّ اللَّهُ فِيهِ شَرَابًا لأَهْلِ الْجَنَّةِ يَشْرَبُونَ مِنْهُ قَبْلَ دُخُولِهَا لَكِنْ بَعْدَ عُبُورِ الصِّرَاطِ فَلا يُصِيبُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ ظَمَأٌ وَإِنَّمَا يَشْرَبُونَ مِنْ شَرَابِ الْجَنَّةِ تَلَذُّذًا، ويُصَبُّ فِي الْحَوْضِ مِيزَابَانِ مِنَ الْجَنَّةِ. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمَالِكٌ وَغَيْرُهُمَا وَالَّلفْظُ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ لَيُرْفَعَنَّ إِلَيَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ حَتَّى إِذَا أَهْوَيْتُ لأُنَاوِلَهُمُ اخْتُلِجُوا دُونِي فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَصْحَابِي، يَقُولُ: لا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ». وَرَوَاهُ مَاِلكٌ بِزِيادَةِ: « فَأَقُولُ فَسُحْقًا فَسُحْقًا فَسُحْقًا ».

وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ أَغْفَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُبْتَسِمًا فَقُلْنَا لِمَا ضَحِكْتَ فَقَالَ « أُنْزِلَتْ عَلَيَّ ءَانِفًا سُورَةً » فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيم إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ حَتَّى خَتَمَهَا وَقَالَ « هَلْ تَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ » فَقُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ « هُوَ نَهْرٌ أَعْطَانِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي الْجَنَّةِ عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ءَانِيَتُهُ عَدَدُ كَوَاكِبِ السَّمَاءِ يُخْتَلَجُوا الْعَبْدُ مِنْهُمْ فَأَقُولُ يَا رَبِّي إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي فَيُقَالُ لِي إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ » وَفِي الْحَدِيثِ فَائِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْمُحَدِّثِينَ وَإِنْ قَالُوا بِعَدَالَةِ الصَّحَابَةِ فَمُرَادُهُمْ أَنَّهُمْ عُدُولُ الرِّوَايَةِ لأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ لا يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَتْقِيَاءُ صَالِحُونَ إِذْ لَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَقَعُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي فِي ذَنْبٍ وَلا يُعَذَّبُ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي قَبْرِهِ بَلْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ خِلافُ هَذَا، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خَادِمٍ لَهُ كَانَ مَوْكُولا إِلَيْهِ ثَقَلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ مَتَاعُهُ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ: « إِنَّهُ فِي النَّارِ »، وَكَانَ قَدْ غَلَّ شَمْلَةً وَهِيَ كِسَاءٌ صَغِيرٌ يُؤْتَزَرُ بِهِ أَخَذَهَا مِنَ الْغَنِيمَةِ ثُمَّ أَصَابَهُ سَهْمٌ فَقَتَلَهُ.

تفسير القرآن الكريم تفسير النسفي تفسير قرآن أهل السنة والجماعة تفسير قرآن كامل تفسير سورة الكوثر آية 1