تفسير سورة الكهف آية 29

وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)

[أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}. هذا تهديد ووعيد. اهـ. أي الآية ليست ترخيصًا في الكفر، بل تهديد ووعيد لمن كفر أن له النار. ابن أبي حاتم :عبد الرحمن، حافظ مفسر، تُوفي 327 هجرية رحمه الله.]

قال القرطبي: « وَلَيْسَ هَذَا بِتَرْخِيصٍ وَتَخْيِيرٍ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ أَيْ إِنْ كَفَرْتُمْ فَقَدْ أَعَدَّ لَكُمُ النار، وإن آمنتم فلكم الجنة ».

قال البغوي: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ هَذَا عَلَى طَرِيقِ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ كَقَوْلِهِ: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت : ٤٠]

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي مَعْنَى الْآيَةِ: مَنْ شَاءَ اللَّهُ لَهُ الْإِيمَانَ آمَنَ وَمَنْ شَاءَ لَهُ الْكُفْرَ كَفَرَ وَهُوَ قوله: {وما تشاؤن إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: ٣٠].

وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ أَيِ الْإِسْلَامُ أَوِ الْقُرْآنُ وَالْحَقُّ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ أَيْ : هُوَ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ أَيْ : جَاءَ الْحَقُّ وَزَاحَتِ الْعِلَلُ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا اخْتِيَارُكُمْ لِأَنْفُسِكُمْ مَا شِئْتُمْ مِنَ الْأَخْذِ فِي طَرِيقِ النَّجَاةِ أَوْ فِي طَرِيقِ الْهَلَاكِ وَجِيءَ بِلَفْظِ الْأَمْرِ وَالتَّخْيِيرِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مُكِّنَ مِنِ اخْتِيَارِ أَيِّهِمَا شَاءَ فَكَأَنَّهُ مُخَيَّرٌ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَتَخَيَّرَ مَا شَاءَ مِنَ النَّجْدَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ جَزَاءَ مَنِ اخْتَارَ الْكُفْرَ فَقَالَ إِنَّا أَعْتَدْنَا هَيَّأْنَا لِلظَّالِمِينَ لِلْكَافِرِينَ فَقَيَّدَ بِالسِّيَاقِ - كَمَا تُرِكَتْ حَقِيقَةُ الْأَمْرِ وَالتَّخْيِيرِ بِالسِّيَاقِ - وَهُوَ قَوْلُهُ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا شَبَّهَ مَا يُحِيطُ بِهِمْ مِنَ النَّارِ بِالسُّرَادِقِ وَهِيَ الْحُجْرَةُ الَّتِي تَكُونُ حَوْلَ الْفُسْطَاطِ أَوْ هُوَ دُخَانٌ يُحِيطُ بِالْكُفَّارِ قَبْلَ دُخُولِهِمُ النَّارَ أَوْ هُوَ حَائِطٌ مِنْ نَارٍ يَطِيفُ بِهِمْ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا مِنَ الْعَطَشِ يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ هُوَ دُرْدِيُّ الزَّيْتِ أَوْ مَا أُذِيبَ مِنْ جَوَاهِرِ الْأَرْضِ، وَفِيهِ تَهَكُّمٌ بِهِمْ، يَشْوِي الْوُجُوهَ إِذَا قُدِّمَ لِيُشْرَبَ انْشَوَى الْوَجْهُ مِنْ حَرَارَتِهِ، بِئْسَ الشَّرَابُ ذَلِكَ وَسَاءَتْ النَّارُ "مُرْتَفَقًا" مُتَّكَأً ، مِنَ : الرَّفْقِ وَهَذِهِ لِمُشَاكَلَةِ قَوْلِهِ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا وَإِلَّا فَلَا ارْتِفَاقَ لِأَهْلِ النَّارِ.

تفسير القرآن الكريم تفسير النسفي تفسير قرآن أهل السنة والجماعة تفسير قرآن كامل تفسير سورة الكهف آية 29