تفسير سورة الفلق
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
سُورةُ الْفَلَقِ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ جَابِرٍ وَعَطَاءٍ وَغَيْرِهِمَا وَمَدَنِيَّةٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهِيَ خَمْسُ ءَايَاتٍ
بسم الله الرحمن الرحيم
وَيُقَدَّرُ مُتَعَلَّقُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ فِعْلا أَوِ اسْمًا فَالْفِعْلُ كَأَبْدَأُ وَالاسْمُ كَابْتِدَائِي. وَكَلِمَةُ "اللَّه" عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ الْمُسْتَحِقِّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ، وَهُوَ غَيْرُ مُشْتَقٍّ.
الرَّحْمٰنُ مِنَ الأَسْمَاءِ الْخَاصَّةِ بِاللَّهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ شَمِلَتْ رَحْمَتُهُ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ الَّذِي يَرْحَمُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَطْ فِي الآخِرَةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [سُورَةَ الأَعْرَاف آية 156]، وَالرَّحِيمُ هُوَ الَّذِي يَرْحَمُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [سُورَةَ الأَحْزَاب آية 43]، وَالرَّحْمٰنُ أَبْلَغُ مِنَ الرَّحِيمِ لأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْمَعْنَى.
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)
رَوَى مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «أُنْزِلَتْ عَلَيَّ ءَايَاتٌ لَمْ أَرَى مِثْلَهُنَّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)﴾ قَالَ الْبُخَارِيُّ: «وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْفَلَقُ: الصُّبْحُ»، وَ﴿قُلْ﴾ أَيْ يَا مُحَمَّدُ وَ﴿أَعُوذُ﴾ أَسْتَجِيرُ.
﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2)﴾ فِي الْقُرْطُبِيِّ: «هُوَ عَامٌّ، أَيْ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ»، وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2)﴾ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ مِنْ صَحِيحِهِ، قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: «يُشِيرُ - أَيِ الْبُخَارِيُّ - بِذِكْرِ الآيَةِ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ فِعْلَ نَفْسِهِ لأَنَّهُ لَوْ كَانَ السُّوءُ الْمَأْمُورُ بِالاسْتِعَاذَةِ بِاللَّهِ مِنْهُ مُخْتَرَعًا لِفَاعِلِهِ لَمَا كَانَ لِلاسْتِعَاذَةِ بِاللَّهِ مِنْهُ مَعْنًى، لأَنَّهُ لا يَصِحُّ التَّعَوُّذُ إِلا بِمَنْ قَدَرَ عَلَى إِزَالَةِ مَا اسْتُعِيذَ بِهِ مِنْهُ». وَقَرَأَ ابْنُ يَعْمَر خُلِقَ بِضَمِّ الْخَاءِ وَكَسْرِ اللامِ.
﴿وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3)﴾ قَالَ الْبُخَارِيُّ: «وَقَالَ مُجَاهِدٌ: غَاسِقٌ اللَّيْلُ إِذَا وَقَبَ غُرُوبُ الشَّمْسِ». قَالَ الرَّاغِبُ فِي الْمُفْرَدَاتِ: «وَذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنِ النَّائِبَةِ بِاللَّيْلِ كَالطَّارِقِ»، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: «فِي اللَّيْلِ تَخْرُجُ السِّبَاعُ مِنْ ءَاجَامِهَا وَالْهَوَامُّ مِنْ أَمَاكِنِهَا وَيَنْبَعِثُ أَهْلُ الشَّرِّ عَلَى الْعَبَثِ وَالْفَسَادِ». وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ فَقَالَ لِعَائِشَةَ «اسْتَعِيذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهِ فَإِنَّهُ الْغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)﴾ هُنَّ السَّوَاحِرُ، وَالنَّفَّاثَاتُ جَمْعُ نَفَّاثَةٍ مِثَالُ مُبَالَغَةٍ، قَالَهُ السَّمِينُ الْحَلَبِيُّ، وَفِي الْمُفْرَدَاتِ: «النَّفْثُ قَذْفُ الرِّيقِ الْقَلِيلِ وَهُوَ أَقَلُّ مِنَ التَّفْلِ». وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ أَيِ السَّاحِرَاتِ اللاتِي يَنْفُثْنَ فِي عُقَدِ الْخَيْطِ حِينَ يَقْرَأْنَ عَلَيْهَا.
﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)﴾ يَعْنِي الْحَاسِدَ إِذَا أَظْهَرَ حَسَدَهُ وَهُوَ كَرَاهِيَةُ النِّعْمَةِ لِلْمُسْلِمِ وَتَمَنِّي زَوَالِهَا وَاسْتِثْقَالُهَا لَهُ وَعَمَلٌ بِمُقْتَضَاهَا، دِينِيَّةً كَانَتِ النِّعْمَةُ أَوْ دُنْيَوِيَّةً، فَالْحَاسِدُ لا يُؤَثِّرُ حَسَدُهُ إِلا إِذَا أَظْهَرَهُ بِأَنْ يَحْتَالَ لِلْمَحْسُودِ فِيمَا يُؤْذِيهِ أَمَّا إِذَا لَمْ يُظْهِرِ الْحَسَدَ فَمَا يَتَأَذَى بِهِ إِلا الْحَاسِدُ لاغْتِمَامِهِ بِنِعْمَةِ غَيْرِهِ، وَقِيلَ: الْحَسَدُ أَوَّلُ مَعْصِيَةٍ عُصِيَ بِهَا اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ أَيْ حَسَدُ إِبْلِيسَ لِنَبِيِّ اللَّهِ ءَادَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَأَوَّلُ مَعْصِيَةٍ عُصِيَ بِهَا فِي الأَرْضِ أَيْ حَسَدُ قَابِيلَ هَابِيلَ ثُمَّ قَتْلُ قَابِيلَ لِهَابِيلَ.
https://www.islam.ms/ar/?p=404