تفسير سورة العاديات
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
سُورَةُ الْعَادِيَاتِ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمَا وَمَدَنِيَّةٌ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَغَيْرِهِمَا وَءَايَاتُهَا إِحْدَى عَشْرَةَ ءَايَةً
وَيُقَدَّرُ مُتَعَلَّقُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ فِعْلا أَوِ اسْمًا فَالْفِعْلُ كَأَبْدَأُ وَالاسْمُ كَابْتِدَائِي. وَكَلِمَةُ "اللَّه" عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ الْمُسْتَحِقِّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ، وَهُوَ غَيْرُ مُشْتَقٍّ.
الرَّحْمٰنُ مِنَ الأَسْمَاءِ الْخَاصَّةِ بِاللَّهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ شَمِلَتْ رَحْمَتُهُ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ الَّذِي يَرْحَمُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَطْ فِي الآخِرَةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [سُورَةَ الأَعْرَاف آية 156]، وَالرَّحِيمُ هُوَ الَّذِي يَرْحَمُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [سُورَةَ الأَحْزَاب آية 43]، وَالرَّحْمٰنُ أَبْلَغُ مِنَ الرَّحِيمِ لأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْمَعْنَى.
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ (11)
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1)﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ: الْمُرَادُ بِالْعَادِيَاتِ: الْخَيْلُ تَعْدُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَضْبَح، وقال عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ إِنَّهَا الإِبِلُ فِي الْحَجِّ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَالضَّبْحُ: صَوْتُ أَنْفَاسِ الْخَيْلِ إِذَا عَدَوْنَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ شَىْءٌ مِنَ الدَّوَابِّ يَضْبَحُ غَيْرَ الْفَرَسِ وَالْكَلْبِ وَالْثَعْلَبِ.
﴿فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2)﴾ فَالْخَيْلُ مِنْ شِدَّةِ عَدْوِهَا تَقْدَحُ النَّارَ بِحَوَافِرِهَا فَتُورِيهِ.
﴿فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3)﴾ أَيِ الْخَيْلِ الَّتِي تُغِيرُ صَبَاحًا لِلْقِتَالِ لانَّ النَّاسَ يَكُونُونَ فِيهِ فِي الْغَفْلَةِ وَعَدَمِ الاسْتِعْدَادِ قَالَهُ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ.
﴿فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4)﴾ قَالَ الْبُخَارِيُّ: رَفَعْنَ بِهِ غُبَارًا. وَالنَّقْعُ الْغُبَارُ وَيُقَالُ التُّرَابُ
﴿فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5)﴾ أَيْ صَارَتِ الْخَيْلُ بِمَنْ رَكِبَهَا وَسَطَ الْجَمْعِ الَّذِي أَغَارُوا عَلَيْهِ.
﴿إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)﴾ هَذَا جَوَابُ الْقَسَمِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُرَادُ بِالإِنْسَانِ الْكَافِرُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: وَالْكَنُودُ الْكَفُورُ.
﴿وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7)﴾ أَيْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى كُفْرِهِ لَشَهِيدٌ وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الْوَعِيدِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ: ﴿وَإِنَّهُ﴾ أَيِ الإِنْسَانُ لَشَاهِدٌ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يَصْنَعُ.
﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)﴾ أَيْ شَدِيدُ الْحُبِّ لِلْمَالِ وَالْخَيْرُ هُنَا الْمَالُ، قَالَهُ الرَّاغِبُ وَغَيْرُهُ، وَ﴿لَشَدِيدٌ﴾ أَيْ لَقَوِيٌّ فِي حُبِّ الْمَالِ.
﴿أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9)﴾ أَيْ أَفَلا يَعْلَمُ الإِنْسَانُ الْمَذْكُورُ إِذَا أُثِيرَ وَأُخْرِجَ مَا فِي الْقُبُورِ، وَذَلِكَ لَمَّا تَنْشَقُّ الْقُبُورُ وَيَخْرُجُ الأَمْوَاتُ وَقَدْ أَعَادَهُمُ اللَّهُ أَحْيَاءً، وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
﴿وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10)﴾ أَيْ مُيِّزَ مَا فِيهَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أُبْرِزَ مَا فِيهَا، قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ: لَوْ عَلِمَ الإِنْسَانُ الْكَافِرُ مَا لَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَزَهِدَ فِي الْكُفْرِ وَدَخَلَ فِي الإِسْلامِ.
﴿إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ (11)﴾ أَيْ عَالِمٌ بِهِمْ لا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَفِي غَيْرِهِ، وَخَصَّ هَذَا الْيَوْمَ لأَنَّهُ يَوْمَئِذٍ يُجَازِيهِمْ عَلَى أَفْعَالِهِمْ.
https://www.islam.ms/ar/?p=391