تفسير سورة الشرح
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
سُورَةُ الشَّرْحِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ ثَمَانِ ءَايَات
وَيُقَدَّرُ مُتَعَلَّقُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ فِعْلا أَوِ اسْمًا فَالْفِعْلُ كَأَبْدَأُ وَالاسْمُ كَابْتِدَائِي. وَكَلِمَةُ "اللَّه" عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ الْمُسْتَحِقِّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ، وَهُوَ غَيْرُ مُشْتَقٍّ.
الرَّحْمٰنُ مِنَ الأَسْمَاءِ الْخَاصَّةِ بِاللَّهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ شَمِلَتْ رَحْمَتُهُ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ الَّذِي يَرْحَمُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَطْ فِي الآخِرَةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [سُورَةَ الأَعْرَاف آية 156]، وَالرَّحِيمُ هُوَ الَّذِي يَرْحَمُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [سُورَةَ الأَحْزَاب آية 43]، وَالرَّحْمٰنُ أَبْلَغُ مِنَ الرَّحِيمِ لأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْمَعْنَى.
بسم الله الرحمن الرحيم
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)
﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)﴾ أَيْ قَدْ شَرَحْنَا لَكَ صَدْرَكَ بِتَنْوِيرِهِ بِالْحِكْمَةِ وَتَوْسِيعِهِ لِتَلَقِّي الْوَحْيِ، وَمَعْنَى الاسْتِفْهَامِ إِنْكَارُ نَفْيِ الانْشِرَاحِ مُبَالَغَةً فِي إِثْبَاتِهِ.
﴿وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2)﴾ قَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي النَّهْرِ الْمَادِ: «هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عِصْمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الذُّنُوبِ وَتَطْهِيرِهِ مِنَ الأَدْنَاسِ». وَمُرَادُهُ أَنَّ الْمَعْنَى: ضَمِنَّا لَكَ أَنْ تَكُونَ بِحَالَةِ الْعِصْمَةِ وَهِيَ الْحِفْظُ، وَذَلِكَ أَنَّ الأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْكَبَائِرِ وَصَغَائِرِ الْخِسَّةِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا كَمَا قَالَ الإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ.
﴿الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3)﴾ أَيْ أَثْقَلَ ظَهْرَكَ، وَالْمُرَادُ بِمَا ذُكِرَ تَخْفِيفُ أَعْبَاءِ النُّبُوَّةِ الَّتِي يُثْقِلُ الْقِيَامُ بِهَا الظَّهْرَ، فَسَهَّلَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى تَيَسَّرَ لَهُ الأَمْرُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ حِمْلا يُحْمَلُ لَسُمِعَ نَقِيضُ الظَّهْرِ مِنْهُ، أَيْ صَوْتُ الظَّهْرِ وَهُوَ صَرِيرُهُ لَمَّا يُحْمَلُ الشَّىْءُ الثَّقِيلُ.
﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)﴾ قَالَ حَسَّانُ بنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَغَرُّ عَلَيْهِ لِلنُّبُوَّةِ خَاتَمٌ مِنَ اللَّهِ مَشْهُورٌ يَلُوحُ وَيُشْهَدُ
وَضَمَّ الإِلَهُ اسْمَ النَّبِيِّ إِلَى اسْمِهِ إِذَا قَالَ فِي الْخَمْسِ الْمُؤَذِّنُ أَشْهَدُ
فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَفَعَ اللَّهُ ذِكْرَهُ بِأَنْ قَرَنَ اللَّهُ ذِكْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِكْرِهِ تَعَالَى فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَفِي الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ وَالتَّشَهُّدِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمَنَابِرِ وَغَيْرِهَا وَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْءَانِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)﴾: بِالنُّبُوَّةِ ، وَقِيلَ ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)﴾: عِنْدَ الْمَلائِكَةِ فِي السَّمَاءِ، وَقِيلَ: بِأَخْذِ الْمِيثَاقِ لَكَ عَلَى الأَنْبِيَاءِ وَإِلْزَامِهِمُ الإِيـمَانَ بِكَ وَالإِقْرَارَ بِفَضْلِكَ. كَانَ مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ الْعَجَمِ أَسْلَمَ قَالَ لِلْحَاضِرِينَ عِنْدَهُ: مَنْ أَعْظَمُ النَّاسِ ؟ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَنْتَ، فَقَالَ: لا، أَعْظَمُ النَّاسِ هَذَا الَّذِي يَذْكُرُهُ الْمُؤَذِّنُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ.
﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)﴾ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: « أَخْرَجَ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ - أَسْلَمَ الْعَدَوِيُّ مَوْلَى عُمَرَ - عَنْ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ وَهُوَ عَامِرُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: مَهْمَا يَنْزِلْ بِامْرِئٍ مِنْ شِدَّةٍ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ بَعْدَهَا فَرَجًا، وَأَنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ. وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ» اهـ من فَتْحِ الْبَارِي. وَمَعْنَى الآيَةِ أَيْ أَنَّ مَعَ الضِّيقِ وَالشِدَّةِ فَرَجًا وَسُهُولَةً، ثُمَّ كَرَّرَ ذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي حُصُولِ الْيُسْرِ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاسَى مِنَ الْكُفَّارِ شِدَّةً ثُمَّ حَصَلَ لَهُ الْيُسْرُ بِنَصْرِ اللَّهِ لَهُ عَلَيْهِمْ. وَضَمَّ أَبُو جَعْفَرٍ سِينَ الْعُسْرِ وَسِينَ الْيُسْرِ.
﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7)﴾ قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ مُجَاهِدٌ: فَانْصَبْ فِي حَاجَتِكَ إِلَى رَبِّكَ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ صَلاتِكَ فَانْصَبْ أَيْ بَالِغْ فِي الدُّعَاءِ وَسَلْهُ حَاجَتَكَ. وقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا فَرَغْتَ مِنَ الْفَرَائِضِ فَانْصَبْ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ.
﴿وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: اجْعَلْ نِيَّتَكَ وَرَغْبَتَكَ إِلَى رَبِّكَ، ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَك فِي الزُّهْدِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْهُ أَيْ عَنْ مُجَاهِدٍ.
https://www.islam.ms/ar/?p=385