تفسير سورة الحجرات آية 11
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ 11 - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ "اَلْقَوْمُ": اَلرِّجَالُ خَاصَّةً لِأَنَّهُمُ الْقُوَّامُ بِأُمُورِ النِّسَاءِ قَالَ اللَّهُ (تَعَالَى): الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ جَمْعُ "قَائِمٌ" كَـ "صَوْمٌ" وَ"زَوْرٌ" فِي جَمْعِ "صَائِمٌ" وَ"زَائِرٌ" وَاخْتِصَاصُ الْقَوْمِ بِالرِّجَالِ صَرِيحٌ فِي الْآيَةِ إِذْ لَوْ كَانَتِ النِّسَاءُ دَاخِلَةً فِي "قَوْمٌ" لَمْ يَقُلْ: "وَلَا نِسَاءٌ" وَحَقَّقَ ذَلِكَ زُهَيْرٌ فِي قَوْلِهِ: وَمَا أَدْرِي وَلَسْتُ إِخَالُ أَدْرِي . . . أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي "قَوْمُ فِرْعَوْنَ" وَ"قَوْمُ عَادٍ" هُمُ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ فَلَيْسَ لَفْظُ الْقَوْمِ بِمُتَعَاطٍ لِلْفَرِيقَيْنِ وَلَكِنْ قُصِدَ ذِكْرُ الذُّكُورِ وَتَرْكُ ذِكْرِ الْإِنَاثِ لِأَنَّهُنَ تَوَابِعُ لِرِجَالِهِنَّ وَتَنْكِيرُ الْقَوْمِ وَالنِّسَاءِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَنْ يُرَادَ "لَا يَسْخَرْ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ مِنْ بَعْضٍ" وَأَنْ يُقْصَدَ إِفَادَةُ الشِّيَاعِ وَأَنْ يَصِيرَ كُلُّ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ مَنْهِيَّةً مِنَ السُّخْرِيَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ: "رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ" وَلَا "اِمْرَأَةٌ مِنَ امْرَأَةٍ" عَلَى التَّوْحِيدِ إِعْلَامًا بِإِقْدَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ رِجَالِهِمْ وَغَيْرِ وَاحِدَةٍ مِنْ نِسَائِهِمْ عَلَى السُّخْرِيَةِ وَاسْتِفْظَاعًا لِلشَّأْنِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ وَرَدَ مَوْرِدَ جَوَابِ الْمُسْتَخْبِرِ عَنْ عِلَّةِ النَّهْيِ وَإِلَّا فَقَدَ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يُوصَلَ بِمَا قَبْلَهُ بِالْفَاءِ وَالْمَعْنَى وُجُوبُ أَنْ يَعْتَقِدَ كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّ الْمَسْخُورَ مِنْهُ رُبَّمَا كَانَ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرًا مِنَ السَّاخِرِ إِذْ لَا اطِّلَاعَ لِلنَّاسِ إِلَّا عَلَى الظَّوَاهِرِ وَلَا عِلْمَ لَهُمْ بِالسَّرَائِرِ وَالَّذِي يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ خُلُوصُ الضَّمَائِرِ فَيَنْبَغِي أَلَّا يَجْتَرِئَ أَحَدٌ عَلَى الِاسْتِهْزَاءِ بِمَنْ تَقْتَحِمُهُ عَيْنُهُ إِذَا رَآهُ رَثَّ الْحَالِ أَوْ ذَا عَاهَةٍ فِي بَدَنِهِ أَوْ غَيْرَ لَبِيقٍ فِي مُحَادَثَتِهِ فَلَعَلَّهُ أَخْلَصُ ضَمِيرًا وَأَتْقَى قَلْبًا مِمَّنْ هُوَ عَلَى ضِدِّ صِفَتِهِ فَيَظْلِمَ نَفْسَهُ بِتَحْقِيرِ مَنْ وَقَّرَهُ اللَّهُ (تَعَالَى)
وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَطْعَنُوا أَهْلَ دِينِكُمْ وَ"اَللَّمْزُ": اَلطَّعْنُ وَالضَّرْبُ بِاللِّسَانِ "وَلَا تُلَمِّزُوا" "يَعْقُوبُ وَسَهْلٌ" وَالْمُؤْمِنُونَ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَإِذَا عَابَ الْمُؤْمِنُ الْمُؤْمِنَ فَكَأَنَّمَا عَابَ نَفْسَهُ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: "لَا تَفْعَلُوا مَا تُلْمَزُونَ بِهِ" لِأَنَّ مَنْ فَعَلَ مَا اسْتَحَقَّ بِهِ اللَّمْزَ فَقَدْ لَمَزَ نَفْسَهُ حَقِيقَةً وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ اَلتَّنَابُزُ بِالْأَلْقَابِ: اَلتَّدَاعِي بِهَا وَ"اَلنَّبْزُ": لَقَبُ السُّوءِ وَالتَّلْقِيبُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ مَا يَتَدَاخَلُ الْمَدْعُوَّ بِهِ كَرَاهَةٌ لِكَوْنِهِ تَقْصِيرًا بِهِ وَذَمًّا لَهُ فَأَمَّا مَا يُحِبُّهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَرُوِيَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ اسْتَهْزَؤُوا بِبِلَالٍ وَخَبَّابٍ وَعَمَّارٍ وَصُهَيْبٍ فَنَزَلَتْ
وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "عَيَّرَتْ نِسَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّ سَلَمَةَ بِالْقِصَرِ وَرُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ وَكَانَ بِهِ وَقْرٌ فَكَانُوا يُوَسِّعُونَ لَهُ فِي مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَسْمَعَ فَأَتَى يَوْمًا وَهُوَ يَقُولُ: تَفَسَّحُوا حَتَّى انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِرَجُلٍ: تَنَحَّ فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا فُلَانٌ فَقَالَ: بَلْ أَنْتَ ابْنُ فُلَانَةَ يُرِيدُ أُمًّا كَانَ يُعَيَّرُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَخَجِلَ الرَّجُلُ فَنَزَلَتْ فَقَالَ ثَابِتٌ: لَا أَفْخَرُ عَلَى أَحَدٍ فِي الْحَسَبِ بَعْدَهَا أَبَدًا بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ "اَلِاسْمُ" هَهُنَا بِمَعْنَى "اَلذِّكْرُ" مِنْ قَوْلِهِمْ: "طَارَ اسْمُهُ فِي النَّاسِ بِالْكَرَمِ أَوْ بِاللُّؤْمِ" وَحَقِيقَتُهُ مَا سَمَا مِنْ ذِكْرِهِ وَارْتَفَعَ بَيْنَ النَّاسِ كَأَنَّهُ قِيلَ: "بِئْسَ الذِّكْرُ الْمُرْتَفِعُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِسَبَبِ ارْتِكَابِ هَذِهِ الْجَرَائِمِ أَنْ يُذْكَرُوا بِالْفِسْقِ" وَقَوْلُهُ: "بَعْدَ الْإِيمَانِ" اِسْتِقْبَاحٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَبَيْنَ الْفِسْقِ الَّذِي يَحْظُرُهُ الْإِيمَانُ كَمَا تَقُولُ: "بِئْسَ الشَّأْنُ بَعْدَ الْكَبْرَةِ الصَّبْوَةُ" وَقِيلَ: كَانَ فِي شَتَائِمِهِمْ لِمَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْيَهُودِ: "يَا يَهُودِيُّ يَا فَاسِقُ" فَنُهُوا عَنْهُ وَقِيلَ لَهُمْ: "بِئْسَ الذِّكْرُ أَنْ تَذْكُرُوا الرَّجُلَ بِالْفِسْقِ وَالْيَهُودِيَّةِ بَعْدَ إِيمَانِهِ" وَمَنْ لَمْ يَتُبْ عَمَّا نُهِيَ عَنْهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وَحَّدَ وَجَمَعَ لِلَفْظِ "مَنْ" وَمَعْنَاهُ .
https://www.islam.ms/ar/?p=5409