تفسير سورة البلد آية 11

فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ 17 - فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَعْنِي: فَلَمْ يَشْكُرْ تِلْكَ الْأَيَادِي وَالنِّعَمَ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مِنْ فَكِّ الرِّقَابِ أَوْ إِطْعَامِ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ثُمَّ بِالْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ كُلِّ طَاعَةٍ وَأَسَاسُ كُلِّ خَيْرٍ بَلْ غَمَطَ النِّعَمَ وَكَفَرَ بِالْمُنْعِمِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِنْفَاقَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَرْضِيٌّ نَافِعٌ عِنْدَ اللَّهِ لَا أَنْ يُهْلِكَ مَالَهُ لُبَدًا فِي الرِّيَاءِ وَالْفَخَارِ وَقَلَّمَا تُسْتَعْمَلُ "لَا" مَعَ الْمَاضِي إِلَّا مُكَرَّرَةً وَإِنَّمَا لَمْ تُكَرَّرْ فِي الْكَلَامِ الْأَفْصَحِ لِأَنَّهُ لَمَّا فَسَّرَ اقْتِحَامَ الْعَقَبَةِ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ صَارَ كَأَنَّهُ أَعَادَ "لَا" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَتَقْدِيرُهُ: "فَلَا فَكَّ رَقَبَةً وَلَا أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَلَا آمَنَ" وَ"اَلِاقْتِحَامُ": اَلدُّخُولُ وَالْمُجَاوَزَةُ بِشِدَّةٍ وَمَشَقَّةٍ وَ"اَلْقُحْمَةُ": اَلشِّدَّةُ فَجَعَلَ الصَّالِحَةَ عَقَبَةً وَعَمَلَهَا اقْتِحَامًا لَهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُعَانَاةِ الْمَشَقَّةِ وَمُجَاهَدَةِ النَّفْسِ وَعَنِ الْحَسَنِ : "عَقَبَةٌ وَاللَّهِ شَدِيدَةٌ مُجَاهَدَةُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ وَهَوَاهُ أَوْ عَدُوَّهُ الشَّيْطَانَ" وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: "مَا الْعَقَبَةُ": مَا اقْتِحَامُهَا وَمَعْنَاهُ أَنَّكَ لَمْ تَدْرِ كُنْهَ صُعُوبَتِهَا عَلَى النَّفْسِ وَكُنْهَ ثَوَابِهَا عِنْدَ اللَّهِ وَ"فَكُّ الرَّقَبَةِ": تَخْلِيصُهَا مِنَ الرِّقِّ أَوِ الْإِعَانَةُ فِي مَالِ الْكِتَابَةِ "فَكَّ رَقَبَةً أَوْ أَطْعَمَ" "مَكِّيٌّ وَأَبُو عَمْرٍو وَعَلِيٌّ " عَلَى الْإِبْدَالِ مِنْ "اِقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ" وَقَوْلُهُ: " وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ " اِعْتِرَاضٌ غَيْرُهُمْ: "فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ" عَلَى: "اِقْتِحَامُهَا فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ" وَ"اَلْمَسْغَبَةُ": اَلْمَجَاعَةُ وَ"اَلْمَقْرَبَةُ": الْقَرَابَةُ وَ"اَلْمَتْرَبَةُ": اَلْفَقْرُ "مَفْعَلَاتٌ" مِنْ "سَغَبَ" إِذَا جَاعَ وَ"قَرُبَ" فِي النَّسَبِ يُقَالُ: "فُلَانٌ ذُو قَرَابَتِي" وَ"ذُو مَقْرَبَتِي" وَ"تَرِبَ" إِذَا افْتَقَرَ وَمَعْنَاهُ: اِلْتَصَقَ بِالتُّرَابِ فَيَكُونُ مَأْوَاهُ الْمَزَابِلَ وَوَصَفَ الْيَوْمَ بِـ "ذِي مَسْغَبَةٍ" كَقَوْلِهِمْ: "هَمٌّ نَاصِبٌ" أَيْ: "ذُو نَصَبٍ" وَمَعْنَى "ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا" أَيْ: دَاوَمَ عَلَى الْإِيمَانِ وَقِيلَ: "ثُمَّ" بِمَعْنَى الْوَاوِ وَقِيلَ: إِنَّمَا جَاءَ بِـ "ثُمَّ" لِتَرَاخِي الْإِيمَانِ وَتَبَاعُدِهِ فِي الرُّتْبَةِ وَالْفَضِيلَةِ عَنِ الْعِتْقِ وَالصَّدَقَةِ لَا فِي الْوَقْتِ إِذِ الْإِيمَانُ هُوَ السَّابِقُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يَثْبُتُ عَمَلٌ صَالِحٌ إِلَّا بِهِ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ عَنِ الْمَعَاصِي وَعَلَى الطَّاعَاتِ وَالْمِحَنِ الَّتِي يُبْتَلَى بِهَا الْمُؤْمِنُ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ بِالتَّرَاحُمِ فِيمَا بَيْنَهُمْ.

تفسير القرآن الكريم تفسير النسفي تفسير قرآن أهل السنة والجماعة تفسير قرآن كامل تفسير سورة البلد آية 11