تفسير سورة البقرة من آية 75 إلى 79
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
من تفسير الإمام النسفي (ت 710 هـ) مدارك التنزيل وحقائق التأويل:
{أَفَتَطْمَعُونَ} الخِطَابُ لِرَسُولِ اللهِ والمؤمنِينَ.
{أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ} أنْ يؤمِنُوا لأَجْلِ دَعْوَتِكُم ويَستَجِيبُوا لَكُم
{وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ} طَائفَةٌ فِيمَنْ سَلَفَ مِنهُم.
{يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ} أي التّورَاةَ.
{ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ} كَمَا حَرَّفُوا صِفَةَ رَسُولِ الله صلى الله علَيه وسلّم وآيةَ الرَّجْم.
{مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} مِن بَعدِ مَا فَهِمُوهُ وضَبَطُوهُ بعُقُولِهم.
{وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)} أنّهم كَاذِبُونَ مُفتَرُونَ.
والمعنى إنْ كَفَرَ هؤلاءِ وحَرَّفُوا فلَهُمْ سَابِقَةٌ في ذَلكَ.
{وَإِذَا لَقُوا} أيِ الْمُنَافِقُونَ أو اليَهُودُ.
{الَّذِينَ آَمَنُوا} أيِ الْمُخلِصِينَ مِن أَصحَابِ محَمَّدٍ علَيهِ السَّلام.
{قَالُوا} أي الْمُنَافِقُونَ
{آَمَنَّا} بأَنَّكُم على الحَقِّ وأنّ محَمَّدًا هوَ الرَّسُولُ الْمُبَشَّرُ بهِ.
{وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ} الذينَ لم يُنَافِقُوا
{إِلَى بَعْضٍ} إلى الذينَ نَافَقُوا
{قَالُوا} عَاتِبِينَ عَلَيهِم
{أَتُحَدِّثُونَهُم} أَتُخبِرُونَ أَصْحَابَ محَمَّدٍ علَيهِ السَّلامُ
{بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} بِما بَيّنَ اللهُ لَكُم في التّورَاةِ مِن صِفَةِ محَمَّدٍ علَيهِ السَّلام
{لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ} لِيَحْتَجُّوا علَيكُم بما أَنْزَلَ رَبُّكُم في كِتَابِه ،
جَعَلُوا مُحَاجَّتَهُم بهِ وقَولَهم هوَ في كِتَابِكُم هَكَذا مُحَاجَّةً عندَ الله ، ألا تَراكَ تَقُولُ هوَ في كِتَابِ اللهِ تَعالى هَكذا وهوَ عندَ اللهِ هَكَذا بمعنًى واحِدٍ ؟
وقِيلَ : لِيُجَادِلُوكُم ويُخَاصِمُوكُم بهِ بما قُلتُم لَهم عندَ رَبِّكُم في الآخِرَةِ يَقُولُونَ كَفَرتُم بهِ بَعدَ أنْ وَقَفتُم على صِدْقِه.
{أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76)} أنّ هَذه حُجَّةٌ علَيكُم حَيثُ تَعتَرِفُونَ بهِ ثم لا تُتَابِعُونَه.
{أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ} جمِيعَ
{مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)} ومِن ذلكَ إسْرَارُهُم الكُفرَ وإعْلانُهم الإيمانَ.
{وَمِنْهُمْ} ومِنَ اليَهُودِ
{أُمِّيُّونَ} لا يُحسِنُونَ الكَتْبَ فيُطَالِعُوا التَّورَاةَ ويَتَحَقَّقُوا مَا فيها (والأُمّيُّ الذي لا يَكتُبُ ولا يَقرَأ قَالَهُ مُجَاهِدٌ)
{لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ} التّورَاةَ
{إِلَّا أَمَانِيَّ} إلا مَا هُم علَيهِ مِن أمَانِيِّهِم وأنّ اللهَ يَعفُو عَنهُم ويَرحَمُهُم ولا تَمسُّهُم النّارُ إلا أيّامًا مَعدُودَةً ، أو إلا أكَاذِيبَ مُخْتَلَقَةً سَمِعُوهَا مِن عُلَمائِهم فتَقَبَّلُوهَا على التّقلِيدِ
{وَإِنْ هُمْ} ومَا هُم
{إِلَّا يَظُنُّونَ (78)} لا يَدْرُونَ مَا فيهِ فيَجْحَدُونَ نُبُوَّتَكَ بالظَّنّ.
ذَكَرَ العُلَماءَ الذينَ عَانَدُوا بالتَّحرِيف مع العِلْم ثمّ العَوامَّ الذينَ قَلَّدُوهُم
{فَوَيْلٌ} في الحديثِ: وَيلٌ وادٍ في جَهنّمَ (رَوَى ابنُ حِبّانَ أنّ قَعْرَه أربَعُونَ خَرِيفًا)
{لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ} المحَرَّفَ
{بِأَيْدِيهِمْ} مِن تِلقَاءِ أَنفُسِهِم مِن غَيرِ أنْ يَكُونَ مُنَزّلًا.
وذِكْرُ الأَيْدِي للتّأكِيدِ وهوَ مِن مجَازِ التّأكِيدِ
{ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} عِوَضًا يَسِيرًا.
{فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)} مِنَ الرِّشَا.
هَذهِ الآيَةُ نَزلَت في أهلِ الكِتَابِ الذينَ بَدَّلُوا التَّورَاةَ وغَيَّرُوا صِفَةَ النّبيّ صَلّى اللهُ علَيهِ وسلّم فيها وهذَا قَولُ ابنِ عبّاسٍ وقَتادَة
(وقالَ الزّجّاجُ الوَيلُ كَلِمَةٌ تَقُولُها العَرَبُ لِكُلِّ مَن وَقَع في هَلَكَةٍ ويَستَعمِلُها هوَ أيضًا وأَصْلُهَا في اللُّغَةِ العَذابُ والهلاكُ)
https://www.islam.ms/ar/?p=478