تفسير سورة البقرة آية 71
قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ
71 - قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ "لَا ذَلُولٌ"صِفَة لِبَقَرَةٍ بِمَعْنَى: بَقَرَةٌ غَيْرُ ذَلُولٍ، يَعْنِي: لَمْ تُذَلَّلْ لِلْكِرَابِ (يُقَالُ كَرَبَ الأَرضَ قَلَبَها لِلحَرْثِ)، وَإِثَارَةِ الْأَرْضِ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ وَلَا هِيَ مِنَ النَّوَاضِحِ الَّتِي يُسْنَى عَلَيْهَا لِسَقْي الْحُرُوثِ، وَلَا الْأُولَى نَافِيَةٌ، وَالثَّانِيَةُ مَزِيدَةٌ لِتَوْكِيدِ الْأُولَى لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ، أَيْ: تُقَلِّبُهَا لِلزِّرَاعَةِ، وَتَسْقِي الْحَرْثَ، عَلَى أَنَّ الْفِعْلَيْنِ صِفَتَانِ لِذَلُولٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ: لَا ذَلُولٌ مُثِيرَةٌ وَسَاقِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ عَنِ الْعُيُوبِ، وَآثَارِ الْعَمَلِ.
لا شِيَةَ فِيهَا لَا لُمْعَةَ فِي نَقْبَتِهَا مِنْ لَوْنٍ آخَرَ سِوَى الصُّفْرَةِ، فَهِيَ صَفْرَاءُ كُلُّهَا حَتَّى قَرْنُهَا وَظِلْفُهَا، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ وَشَّاهُ وَشْيًا وَشِيَةً: إِذَا خَلَطَ بِلَوْنِهِ لَوْنًا آخَرَ.
قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ أَيْ: بِحَقِيقَةِ وَصْفِ الْبَقَرَةِ، وَمَا بَقِيَ إِشْكَالٌ فِي أَمْرِهَا. "جِيتَ" وَبَابُهُ بِغَيْرِ هَمْزٍ، أَبُو عَمْرٍو.
فَذَبَحُوهَا فَحَصَّلُوا الْبَقَرَةَ الْجَامِعَةَ لِهَذِهِ الْأَوْصَافِ كُلِّهَا، فَذَبَحُوهَا، وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ لِغَلَاءِ ثَمَنِهَا، أَوْ خَوْفِ الْفَضِيحَةِ فِي ظُهُورِ الْقَاتِلِ.
رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ شَيْخٌ صَالِح لَهُ عِجْلَةٌ، فَأَتَى بِهَا الْغَيْضَةَ [مكان يكثر فيه الشجر]، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَوْدَعْتُكَهَا لِابْنِي حَتَّى يَكْبُرَ، وَكَانَ بَرًّا بِوَالِدَيْهِ، فَشَبَّتِ الْبَقَرَةُ، وَكَانَتْ مِنْ أَحْسَنِ الْبَقَرِ وَأَسْمَنِهِ، فَسَاوَمُوهَا الْيَتِيمَ وَأَمَّهُ حَتَّى اشْتَرَوْهَا بِمَلْءٍ مَسْكِهَا (أي جِلْدِهَا) ذَهْبًا، وَكَانَتِ الْبَقَرَةُ إذ ذَاكَ بِثَلَاثَةِ دَنَانِيرَ، وَكَانُوا طَلَبُوا الْبَقَرَةَ الْمَوْصُوفَةَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَهَذَا الْبَيَانُ مِنْ قَبِيلِ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ فَكَانَ نَسْخًا، وَالنَّسْخُ قَبْلَ الْفِعْلِ جَائِزٌ، وَكَذَا قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ عِنْدَنَا، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ.
https://www.islam.ms/ar/?p=951