تفسير سورة البقرة آية 42 - 43
وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
42 - وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ لَبِسَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ: خَلَطَهُ، وَالْبَاءُ إِنْ كَانَتْ صِلَةً مِثْلَهَا فِي قَوْلِكَ: لَبِسْتُ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ: خَلَطْتُهُ بِهِ، كَانَ الْمَعْنَى: وَلَا تَكْتُبُوا فِي التَّوْرَاةِ مَا لَيْسَ مِنْهَا، فَيَخْتَلِطَ الْحَقّ الْمُنَزَّل بِالْبَاطِلِ الَّذِي كَتَبْتُمْ، حَتَّى يُمَيَّزَ بَيْنَ حَقِّهَا وَبَاطِلِكُمْ، وَإِنْ كَانَتْ بَاءَ الِاسْتِعَانَةِ كَالَّتِي فِي قَوْلِكَ: كَتَبْتُ بِالْقَلَمِ كَانَ الْمَعْنَى: وَلَا تَجْعَلُوا الْحَقَّ مُلْتَبِسًا مُشْتَبِهًا بِبَاطِلِكُمُ الَّذِي تَكْتُبُونَهُ
وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ هُوَ مَجْزُومٌ، دَاخِلٌ تَحْتَ حُكْمِ النَّهْيِ بِمَعْنَى: وَلَا تَكْتُمُوا، أَوْ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ أَنْ، وَالْوَاوُ بِمَعْنَى الْجَمْعِ، أَيْ: وَلَا تَجْمَعُوا بَيْنَ لَبْسِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ وَكِتْمَانِ الْحَقِّ، كَقَوْلِكَ: لَا تَأْكُلِ السَّمَكَ وَتَشْرَبَ اللَّبَنَ (إذا قرئ بالفتحِ معناه لا تأكل السّمكَ مع شربِ اللّبنِ أي الحليب، أمّا إذا قيل لا تأكلِ السّمكَ وتشربِ اللّبنَ نهيٌ عنهما لا تفعل هذا ولا هذا . أمّا إذا قيل لا تأكل السّمك وتشربُ اللّبن معناه لك أن تشربَ اللّبنَ من دونِ أن تجمعَ بينهما ، لما كان الإعرابُ عند العربِ بحوارِهم كانت الجملةُ الواحدةُ تعطي معاني متعدّدةً أمّا بعد أن تُرك الإعرابُ فالجملةُ بحسبِ لفظِها لا تعطي إلّا معنى واحدًا إنّما بحسبِ القرينةِ يفهمون معنى جانبيًّا) وَهُمَا أَمْرَانِ مُتَمَيِّزَانِ ؛ لِأَنَّ لَبْسَ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كَتْبِهِمْ فِي التَّوْرَاةِ مَا لَيْسَ مِنْهَا. وَكِتْمَانِهِمُ الْحَقَّ أَنْ يَقُولُوا: نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ صِفَةَ مُحَمَّدٍ، أَوْ حُكْمَ كَذَا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ فِي حَالِ عِلْمِكُمْ أَنَّكُمْ لَابِسُونَ، وَكَاتِمُونَ، وَهُوَ أَقْبَحُ لَهُمْ ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالْقَبِيحِ رُبَّمَا عُذِرَ مُرْتَكِبُهُ.
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ
43 - وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ أَيْ: صَلَاةَ الْمُسْلِمِينَ وَزَكَاتَهُمْ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ لَا رُكُوعَ فِي صَلَاتِهِمْ، أَيْ: أَسْلِمُوا وَاعْمَلُوا عَمَلَ أَهْلِ الْإِسْلَام (هذا مشهورٌ عند المؤرّخين، أمّا في الحديثِ فلم يرد أنّ اليهود ما كان في صلاتِهم ركوعٌ ، لكنّه أمرٌ محتملٌ، أمّا اركعوا مع الرّاكعين على حسبِ هذه الحكايةِ اركعوا مع الرّاكعين من أمّةِ محمّدٍ ولو لم يكن في شرعكم ركوعٌ في صلاتكم) وَجَازَ أَنْ يُرَادَ بِالرُّكُوعِ الصَّلَاةُ، كَمَا يُعَبَّرُ عَنها بِالسُّجُودِ، وَأَنْ يَكُونَ أَمْرًا بِالصَّلَاةِ مَعَ الْمُصَلِّينَ، يَعْنِي: فِي الْجَمَاعَةِ. أَيْ: صَلُّوهَا مَعَ الْمُصَلِّينَ لَا مُنْفَرِدِينَ.
https://www.islam.ms/ar/?p=929