تفسير سورة البقرة آية 145 - 146
وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
145 - 146 وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ أَرَادَ ذَوِي الْعِنَادِ مِنْهُمْ بِكُلِّ آيَةٍ بُرْهَانٍ قَاطِعٍ أَنَّ التَّوَجُّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ هُوَ الْحَقُّ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ لِأَنَّ تَرْكَهُمُ اتِّبَاعَكَ لَيْسَ عَنْ شُبْهَةٍ تُزِيلُهَا بِإِيرَادِ الْحُجَّةِ، إِنَّمَا هُوَ عَنْ مُكَابَرَةٍ وَعِنَادٍ، مَعَ عِلْمِهِمْ بِمَا فِي كُتُبِهِمْ مِنْ نَعْتِكَ أَنَّكَ عَلَى الْحَقِّ، وَجَوَابُ الْقَسَمِ الْمَحْذُوفِ سَدَّ مَسَدَّ جَوَابَ الشَّرْطِ.
وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ حَسْمٌ لِأَطْمَاعِهِمْ، إِذْ كَانُوا اضْطَرَبُوا فَى ذَلِكَ، وَقَالُوا: لَوْ ثَبَتَ عَلَى قِبْلَتِنَا لَكُنَّا نَرْجُو أَنْ يَكُونَ صَاحِبَنَا الَّذِي نَنْتَظِرُهُ، وَطَمِعُوا فِي رُجُوعِهِ إِلَى قِبْلَتِهِمْ. وَوُحِّدَتِ الْقِبْلَةُ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ قِبْلَتَانِ، فَلِلْيَهُودِ قِبْلَةٌ، وَلِلنَّصَارَى قِبْلَةٌ لِاتِّحَادِهِمْ فِي الْبُطْلَانِ.
وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ يَعْنِي: أَنَّهُمْ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى مُخَالَفَتِكَ، مُخْتَلِفُونَ فِي شَأْنِ الْقِبْلَةِ، لَا يُرْجَى اتِّفَاقُهُمْ، كَمَا لَا تُرْجَى مُوَافَقَتُهُمْ لَكَ، فَالْيَهُودُ تَسْتَقْبِلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَالنَّصَارَى مَطْلِعَ الشَّمْسِ.
وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ أَيْ: مِنْ بَعْدِ وُضُوحِ الْبُرْهَانِ، وَالْإِحَاطَةِ بِأَنَّ الْقِبْلَةَ هِيَ الْكَعْبَةُ، وَأَنَّ دِينَ اللَّهِ هُوَ الْإِسْلَامِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ لَمِنَ الْمُرْتَكِبِينَ الظُّلْمَ الْفَاحِشَ. وَفِي ذَلِكَ لُطْفٌ لِلسَّامِعِينَ، وَتَهْيِيجٌ لِلثَّبَاتِ عَلَى الْحَقِّ، وَتَحْذِيرٌ لِمَنْ يَتْرُكُ الدَّلِيلَ بَعْدَ إِنَارَتِهِ وَيَتَّبِعُ الْهَوَى. وَقِيلَ: الْخِطَابُ فِي الظَّاهِرِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُرَادُ: أَمَّتُهُ، وَلَزِمَ الْوَقْفُ عَلَى الظَّالِمِينَ إِذْ لَوْ وَصَلَ لَصَارَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ صِفَةً لِلظَّالِمِينَ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ يَعْرِفُونَهُ أَيْ: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوِ الْقُرْآنُ، أَوْ تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ: كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: أَنَا أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي بِابْنِي، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَلِمَ ؟ قَالَ: لِأَنِّي لَسْتُ أَشُكُّ فِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَمَّا وَلَدِي فَلَعَلَّ وَالِدَتَهُ خَانَتْ. فَقَبَّلَ عُمَرُ رَأَسَهُ
وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ أَيِ: الَّذِينَ لَمْ يُسْلِمُوا. لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ حَسَدًا وَعِنَادًا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَهُ فِي كِتَابِهِمْ.
(الظالمون، ورد في أكثر المواضع في القرآن الكريم بمعنى الكافرين، وفي بعض المواضع بمعنى ما هو معصية كبيرة، وفي بعض المواضع فيما هو معصية صغيرة كما ورد عن سيدنا يونس عليه السلام "فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" سورة الأنبياء، المراد هنا الصغيرة التي لا خسة فيها ولا دناءة، لأنه ترك قومَهُ قبل أن يأتيَهُ الإذنُ.).
https://www.islam.ms/ar/?p=1017