تفسير سورة الإخلاص آية 1
سُورَةُ الإِخْلاصِ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ ابنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ وَمَدَنِيَّةٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَهُ غَيْرُهُ وَهِيَ أَرْبَعُ ءَايَاتٍ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 1 - قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ "هُوَ" ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَ"اَللَّهُ أَحَدٌ" هُوَ الشَّأْنُ كَقَوْلِكَ: "هُوَ زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ" كَأَنَّهُ قِيلَ: "اَلشَّأْنُ هَذَا وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ لَا ثَانِيَ لَهُ" وَمَحَلُّ "هُوَ" اَلرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ هُوَ الْجُمْلَةُ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الرَّاجِعِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُفْرَدِ فِي قَوْلِكَ: "زِيدٌ غُلَامُكَ" فِي أَنَّهُ هُوَ الْمُبْتَدَأُ فِي الْمَعْنَى وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: "اَللَّهُ أَحَدٌ" هُوَ الشَّأْنُ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ "زَيْدٌ أَبُوهُ مُنْطَلِقٌ" فَإِنَّ "زَيْدٌ" وَالْجُمْلَةُ يَدُلَّانِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا بُدَّ مِمَّا يَصِلُ بَيْنَهُمَا وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: " قَالَتْ قُرَيْشٌ : يَا مُحَمَّدُ صِفْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي تَدْعُونَا إِلَيْهِ فَنَزَلَتْ" يَعْنِي: "اَلَّذِي سَأَلْتُمُونِي وَصْفَهُ هُوَ اللَّهُ (تَعَالَى)" وَعَلَى هَذَا "أَحَدٌ" خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: "هُوَ أَحَدٌ" وَهُوَ بِمَعْنَى "وَاحِدٌ" وَأَصْلُهُ: "وَحَدٌ" فَقُلِبَتِ الْوَاوُ هَمْزَةً لِوُقُوعِهَا طَرَفًا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ أَنَّ الْوَاحِدَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ كَافِيًا فِي تَدْبِيرِ الْعَالَمِ وَتَخْلِيقِهِ أَوْ لَا يَكُونُ فَإِنْ كَانَ كَافِيًا كَانَ الْآخَرُ ضَائِعًا غَيْرَ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ وَذَلِكَ نَقْصٌ وَالنَّاقِصُ لَا يَكُونُ إِلَهًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَافِيًا فَهُوَ نَاقِصٌ وَلِأَنَّ الْعَقْلَ يَقْتَضِي احْتِيَاجَ الْمَفْعُولِ إِلَى فَاعِلٍ وَالْفَاعِلُ الْوَاحِدُ كَافٍ وَمَا وَرَاءَ الْوَاحِدِ فَلَيْسَ عَدَدٌ أَوْلَى مِنْ عَدَدٍ فَيُفْضِي ذَلِكَ إِلَى وُجُودِ أَعْدَادٍ لَا نِهَايَةَ لَهَا وَذَا مُحَالٌ فَالْقَوْلُ بِوُجُودِ إِلَهَيْنِ مُحَالٌ وَلِأَنَّ أَحَدَهُمَا إِمَّا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى أَنْ يَسْتُرَ شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِهِ عَنِ الْآخَرِ أَوْ لَا يَقْدِرُ فَإِنْ قَدِرَ لَزِمَ كَوْنُ الْمَسْتُورِ عَنْهُ جَاهِلًا وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ لَزِمَ كَوْنُهُ عَاجِزًا وَلِأَنَّا لَوْ فَرَضْنَا مَعْدُومًا مُمْكِنَ الْوُجُودِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى إِيجَادِهِ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَاجِزًا وَالْعَاجِزُ لَا يَكُونُ إِلَهًا وَإِنْ قَدِرَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَالْآخَرُ لَا يَكُونُ إِلَهًا وَإِنْ قَدِرَا جَمِيعًا فَإِمَّا أَنْ يُوجِدَاهُ بِالتَّعَاوُنِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحْتَاجًا إِلَى إِعَانَةِ الْآخَرِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَاجِزًا وَإِنْ قَدِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى إِيجَادِهِ بِالِاسْتِقْلَالِ فَإِذَا أَوْجَدَهُ أَحَدُهُمَا فَإِمَّا أَنْ يَبْقَى الثَّانِي قَادِرًا عَلَيْهِ وَهُوَ مُحَالٌ لِأَنَّ إِيجَادَ الْمَوْجُودِ مُحَالٌ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْأَوَّلُ مُزِيلًا قُدْرَةَ الثَّانِي فَيَكُونُ عَاجِزًا وَمَقْهُورًا تَحْتَ تَصَرُّفِهِ فَلَا يَكُونُ إِلَهًا فَإِنْ قُلْتَ: اَلْوَاحِدُ إِذَا أَوْجَدَ مَقْدُورًا بِنَفْسِهِ فَقَدْ زَالَتْ قُدْرَتُهُ فَيَلْزَمُكُمْ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْوَاحِدُ قَدْ جَعَلَ نَفْسَهُ عَاجِزًا قُلْنَا: اَلْوَاحِدُ إِذَا أَوْجَدَ مَقْدُورَ نَفْسِهِ فَقَدْ نَفَذَتْ قُدْرَتُهُ وَمَنْ نَفَذَتْ قُدْرَتُهُ لَا يَكُونُ عَاجِزًا وَأَمَّا الشَّرِيكُ فَمَا نَفَذَتْ قُدْرَتُهُ بَلْ زَالَتْ قُدْرَتُهُ بِسَبَبِ قُدْرَةِ الْآخَرِ فَكَانَ ذَلِكَ تَعْجِيزًا .
رَوَى الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَقَرَأَ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ السُّورَةَ يُرَدِّدُهَا لا يَزِيدُ عَلَيْهَا فَاُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْءَانِ» أي ثواب قراءة سورة الإخلاص يشبه ثوابَ قراءةِ ثلُثِ القرءان مِن بعضِ النّواحِي لما فيها من التوحيد ولكن ليسَ مِثلَه على التّمام.
قال السيوطي في شرح مسلم قيل معناه أن القرآن على ثلاثة أنحاء قصص وأحكام وصفات الله تعالى وقل هو الله أحد متمحضة للصفات فهي ثلث وجزء من ثلاثة أجزاء. ومثل ذلك نقل النووي في شرح مسلم عن المازري.
قال في فيض القدير لأن معاني القرآن آيلة إلى ثلاثة علوم علم التوحيد وعلم الشرائع وعلم تهذيب الأخلاق وتزكية النفس، والإخلاص تشمل على القسم الأشرف منها الذي هو كالأصل للأخيرين وهو علم التوحيد.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2)﴾ قَالَ: الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ لأَنَّهُ لَيْسَ شَىْءٌ يُولَدُ إِلا يَمُوتُ وَلَيْسَ شَىْءٌ سَيَمُوتُ إِلا سَيُورَثُ، وَإِنَّ اللَّهَ لا يَمُوتُ وَلا يُورَثُ ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)﴾ قَالَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ وَلا عَدْلٌ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ، صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْيَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: صِفْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي تَعْبُدُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)﴾ إِلَى ءَاخِرِهَا، فَقَالَ: عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ «هَذِهِ صِفَةُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ».
﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)﴾ قُلْ أَيْ يَا مُحَمَّدُ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: «أَحَدٌ أَيْ وَاحِدٌ»، فَاللَّهُ تَعَالَى وَاحِدٌ لا شَرِيكَ لَهُ وَلا شَبِيهَ لَهُ وَلا وَزِيرَ لَهُ لا يُشْبِهُ شَيْئًا وَلا يُشْبِهُهُ شَىْءٌ وَهُوَ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ، وَفِي شَرْحِ كِتَابِ التَّوْحِيدِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ يَقُولُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: «وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَفَسَّرُوا التَّوْحِيدَ بِنَفْيِ التَّشْبِيهِ وَالتَّعْطِيلِ»، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْجُنَيْدُ فِيمَا حَكَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ: «التَّوْحِيدُ إِفْرَادُ الْقَدِيمِ مِنَ الْمُحْدَثِ»، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ التَّمِيمِيُّ فِي كِتَابِ الْحُجَّة: التَّوْحِيدُ مَصْدَرُ وَحَّدَ يُوَحِّدُ، وَمَعْنَى وَحَّدْتُ اللَّهَ اعْتَقَدْتُهُ مُنْفَرِدًا بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ لا نَظِيرَ لَهُ وَلا شَبِيهَ، وَقِيلَ: مَعْنَى وَحَّدْتُهُ عَلِمْتُهُ وَاحِدًا، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ تَضَمَّنَتْ تَرْجَمَةُ الْبَابِ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِجِسْمٍ لأَنَّ الْجِسْمَ مُرَكَّبٌ مِنْ أَشْيَاءَ مُؤَلَّفةٍ: وَقَدِ افْتَتَحَ الْبُخَارِيُّ كِتَابَ التَّوْحِيدِ مِنْ صَحِيحِهِ بِقَوْلِهِ: «بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ أُمَّتَهُ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى»، وَقَالَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ: «وَالتَّوْحِيدُ الإِيـمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ» اهـ.
فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى التَّوْحِيدِ وَيُعَلِّمُهُمُ الإِيـمَانَ وَشَرَائِعَ الدِّينِ مُبَيِّنًا لَهُمْ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ، رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ جُنْدُبِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ فَتَعَلَّمْنَا الإِيـمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْءَانَ ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْءَانَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيـمَانًا»، وَإِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرَ الْحَافِظُ الْبُوصِيرِيُّ فِي مِصْبَاحِ الزُّجَاجَةِ. وَالْحَزَاوِرَةُ: الأَشِدَّاءُ.
وَفِي كِتَابِ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ: «أَنَّ الإِمَامَ مَالِكَ بنَ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: وَسَمِعْتُ أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ ابْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَدْ قَرَأَ الْقُرْءَانَ رِجَالٌ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: أَنِ افْرِضْ لَهُمْ وَأَعْطِهِمْ وَزِدْهُمْ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ: أَنَّهُ لَمَّا فَعَلْنَا ذَلِكَ أَسْرَعَ النَّاسُ فِي الْقِرَاءَةِ حَتَّى قَرَأَ سَبْعُمِائَةٍ، فَكَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ: أَنْ دَعِ النَّاسَ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَقْرَأَ النَّاسُ الْقُرْءَانَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ، قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَتَأَوَّلُوهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ. قَالَ الْقَاضِي مُحَمَّدُ بنُ رُشْدٍ: هَذَا بَيِّنٌ عَلَى مَا قَالَهُ لأَنَّ التَّفَقُّهَ فِي الْقُرْءَانِ بِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِهِ وَحُدُودِهِ وَمُفَصَّلِهِ وَمُجْمَلِهِ وَخَاصِّهِ وَعَامِّهِ وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ ءَاكَدُ مِنْ حِفْظِ سَوَادِهِ فَيَكُونُ مَنْ حَفِظَ سَوَادَهُ وَلَمْ يَتَفَقَّهْ فِيهِ وَلا عَرَفَ شَيْئًا مِنْ مَعَانِيهِ كَالْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا، وَقَدْ أَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ عَلَى سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثَمَانِيَ سِنِينَ يَتَعَلَّمُهَا لأَنَّهُ كَانَ يَتَعَلَّمُهَا بِفِقْهِهَا وَمَعْرِفَةِ مَعَانِيهَا. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عِنْدَ شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى فِي بَابِ جِمَاعِ أَبْوَابِ ذِكْرِ الأَسْمَاءِ الَّتِي تَتْبَعُ نَفْيَ التَّشْبِيهِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى جَدُّهُ: أَيْ عَظَمَتُهُ «مِنْهَا الأَحَدُ، قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَهُوَ الَّذِي لا شَبِيهَ لَهُ وَلا نَظِيرَ، كَمَا أَنَّ الْوَاحِدَ هُوَ الَّذِي لا شَرِيكَ لَهُ وَلا عَدِيدَ وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَفْسَهُ بِهَذَا الاسْمِ لَمَّا وَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)﴾ فَكَأَنَّ قَوْلَهُ جَلَّ وَعَلا: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)﴾ مِنْ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ ﴿أَحَد﴾، وَالْمَعْنَى لَمْ يَتَفَرَّعْ عَنْهُ شَىْءٌ وَلَمْ يَتَفَرَّعْ هُوَ عَنْ شَىْءٍ» اهـ.
وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الْجِسْمِيَّةِ وَالْكَيْفِيَّةِ كَمَا ذَكَرَ الإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ فِي أَعْلامِ الْحَدِيثِ شَرْحِ الْبُخَارِيّ: «فَإِنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْنَا وَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ بِذِي صُورَةٍ وَلا هَيْئَةٍ فَإِنَّ الصُّورَةَ تَقْتَضِي الْكَيْفِيَّةَ وَهِيَ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ صِفَاتِهِ مَنْفِيَّةٌ» اهـ. وَقَالَ فِي كِتَابِ «شَأْنِ الدُّعَاءِ» مِنْ تَصْنِيفِهِ: «وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالأَحَدِ أَنَّ الْوَاحِدَ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالذَّاتِ لا يُضَاهِيهِ ءَاخَرُ، وَالأَحَدُ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْمَعْنَى لا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ».
قَالَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «وَاللَّهُ تَعَالَى وَاحِدٌ لا مِنْ طَرِيقِ الْعَدَدِ وَلَكِنْ مِنْ طَرِيقِ أَنَّهُ لا شَرِيكَ لَهُ»، فَلا شَرِيكَ لِلَّهِ فِي الذَّاتِ وَلا فِي الصِّفَاتِ فَلَيْسَ لأَحَدٍ صِفَةٌ كَصِفَتِهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ، مَهْمَا تَصَوَّرْتَ بِبَالِكَ فَاللَّهُ بِخِلافِ ذَلِكَ، قَالَهَا ثَوْبَانُ بنُ إِبْرَاهِيمَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ مِنْ كِبَارِ مَنْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ الْحَافِظُ أَحْمَدُ بنُ سَلامَةَ الطَّحَاوِيُّ فِي عَقِيدَتِهِ الَّتِي حَكَى فِيهَا عَقِيدَةَ السَّلَفِ: «تَعَالَى - يَعْنِي اللَّه - عَنِ الْحُدُودِ وَالْغَايَاتِ وَالأَرْكَانِ وَالأَعْضَاءِ وَالأَدَوَاتِ لا تَحْوِيهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ كَسَائِرِ الْمُبْتَدَعَاتِ»، وَقَالَ: «وَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ بِمَعْنًى مِنْ مَعَانِي الْبَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ»، وَهَذَا بَيِّنٌ ظَاهِرٌ لِمَنْ كَانَ لَهُ مُسْكَةٌ مِنَ الْعَقْلِ.
وَقُرِأَتْ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ بِتَنْوِينِ أَحَد وَقُرِأَتْ أَحَدُ اللَّه بِتَرْكِ التَّنْوِينِ وَقُرِأَتْ بِإِسْكَانِ الدَّالِ أَحَد اللَّه قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَأَجْوَدُهَا الرَّفْعُ بِإِثْبَاتِ التَّنْوِينِ.
https://www.islam.ms/ar/?p=6954