تفسير سورة إبراهيم آية 21

وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ

21 - وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا وَيَبْرُزُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنَّمَا جِيءَ بِهِ بِلَفْظِ الْمَاضِي لِأَنَّ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ لِصِدْقِهِ كَأَنَّهُ قَدْ كَانَ وَوُجِدَ وَنَحْوُهُ "وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ" "وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ" وَغَيْرُ ذَلِكَ وَمَعْنَى بُرُوزِهِمْ لِلَّهِ وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَتَوَارَى عَنْهُ شَيْءٌ حَتَّى يَبْرُزَ لَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَتِرُونَ مِنَ الْعُيُونِ عِنْدَ ارْتِكَابِ الْفَوَاحِشِ وَيَظُنُّونَ أَنَّ ذَلِكَ خَافٍ عَلَى اللَّهِ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ انْكَشَفُوا لِلَّهِ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ وَعَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ أَوْ خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ فَبَرَزُوا لِحِسَابِ اللَّهِ وَحُكْمِهِ فَقَالَ الضُّعَفَاءُ فِي الرَّأْيِ وَهُمُ السَّفِلَةُ وَالَأَتْبَاعُ ، وَكُتِبَ "الضُّعَفَاءُ" بِوَاوٍ قَبْلَ الْهَمْزَةِ عَلَى لَفْظِ مَنْ يُفَخِّمُ الْأَلِفَ قَبْلَ الْهَمْزَةِ فَيُمِيلُهَا إِلَى الْوَاوِ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا وَهُمُ السَّادَةُ وَالرُّؤَسَاءُ الَّذِينَ اسْتَغْوَوْهُمْ وَصَدُّوهُمْ عَنِ الِاسْتِمَاعِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا تَابِعِينَ ، جُمِعَ تَابِعٌ عَلَى تَبَعٍ كَخَادِمٍ وَخَدَمٍ وَغَائِبٍ وَغَيَبٍ ، أَوْ ذَوِي تَبَعٍ ، وَالتَّبَعُ : الِاتِّبَاعُ يُقَالُ تَبِعَهُ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فَهَلْ تَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعِ شَيْءٍ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ ؟ وَ"مِنْ" الْأُولَى لِلتَّبْيِينِ ، وَالثَّانِيَةُ لِلتَّبْعِيضِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا بَعْضَ الشَّيْءِ الَّذِي هُوَ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ هُمَا لِلتَّبْعِيضِ أَيْ : فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا بَعْضَ شَيْءٍ هُوَ بَعْضُ عَذَابِ اللَّهِ وَلَمَّا كَانَ قَوْلُ الضُّعَفَاءِ تَوْبِيخًا لَهُمْ وَعِتَابًا عَلَى اسْتِغْوَائِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْإِغْنَاءِ عَنْهُمْ قَالُوا لَهُمْ مُجِيبِينَ مُعْتَذِرِينَ لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ أَيْ : لَوْ هَدَانَا اللَّهُ إِلَى الْإِيمَانِ فِي الدُّنْيَا لَهَدَيْنَاكُمْ إِلَيْهِ أَيْ : لَوْ هَدَانَا اللَّهُ طَرِيقَ النَّجَاةِ مِنَ الْعَذَابِ لَهَدَيْنَاكُمْ أَيْ : لَأَغْنَيْنَا عَنْكُمْ وَسَلَكْنَا بِكُمْ طَرِيقَ النَّجَاةِ كَمَا سَلَكْنَا بِكُمْ طَرِيقَ الْهَلَكَةِ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مُسْتَوِيَانِ عَلَيْنَا الْجَزَعُ وَالصَّبْرُ وَالْهَمْزَةُ وَأَمْ لِلتَّسْوِيَةِ ، رُوِيَ : أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي النَّارِ تَعَالَوْا نَجْزَعْ فَيَجْزَعُونَ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ فَلَا يَنْفَعُهُمُ الْجَزَعُ ، فَيَقُولُونَ تَعَالَوْا نَصْبِرْ فَيَصْبِرُونَ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ فَلَا يَنْفَعُهُمُ الصَّبْرُ ثُمَّ يَقُولُونَ "سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا "وَاتِّصَالُهُ بِمَا قَبْلَهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ عِتَابَهُمْ لَهُمْ كَانَ جَزَعًا مِمَّا هُمْ فِيهِ فَقَالُوا لَهُمْ "سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا" يُرِيدُونَ أَنْفُسَهُمْ وَإِيَّاهُمْ لِاجْتِمَاعِهِمْ فِي عِقَابِ الضَّلَالَةِ الَّتِي كَانُوا مُجْتَمِعِينَ فِيهَا يَقُولُونَ مَا هَذَا الْجَزَعُ وَالتَّوْبِيخُ ، وَلَا فَائِدَةَ فِي الْجَزَعِ كَمَا لَا فَائِدَةَ فِي الصَّبْرِ مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ مَنْجًى وَمَهْرَبٍ جَزَعْنَا أَمْ صَبَرْنَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ كَلَامِ الضُّعَفَاءِ وَالْمُسْتَكْبِرِينَ جَمِيعًا.

تفسير القرآن الكريم تفسير النسفي تفسير قرآن أهل السنة والجماعة تفسير قرآن كامل تفسير سورة إبراهيم آية 21