أهمية تربية الأولاد في الإسلام
بسم اللهِ الرَّحمنِ الرّحيمِ
يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ (التحريم ٦). فسَّرَها سيدُنا علىٌّ كرَّم الله وجهَه فقال: “عَلّـِموا أنفسَكم وأهليكم الخيرَ.” رواه الحاكم.
وجاء في الحديث المتفق عليه من طريق أبي هريرة رضي الله عنه : "كلُّ مولودٍ يُولدُ على الفِطرة فأبواهُ يُهِّودانهِ أو يُنصِّرانِهِ أو يُمجّسانِهِ" (ومعنى قوله "يولد على الفطرة" أي على مقتضى العهد الذي أخذ عليه يوم أخرج الله أرواح بني ءادم من ظهر ءادم فاستنطقهم قال {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى}).
يجب على ولي الصبي والصبية أن يعلمهما أشياء من العقائد والأحكام، أذكر بعضها.
يجب ولي الصبي والصبية أن يعلمهما أن الله خالق كل شيء، وأنه سبحانه لا يشبه شيئاً من خلقه، وأنه موصوف بصفات الكمال اللائقة به كالقدرة والإرادة والعلم ، وأنه منزه عن صفات النقص كالعجز والجهل، وأن لله عباداً مكرمين يفعلون ما يُأمرون وهم الملائكة، وأنه أرسل الرسل وبعث الأنبياء مبشرين ومنذرين أولهم ءادم وءاخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو محمد بن عبد الله الذي ولد بمكة وبُعث بها وهاجر إلى المدينة تنفيذاً لأمر الله ومات ودُفن فيها، وأن الله سيفني الجنّ والإنس ثم يبعثهم للحساب يوم القيامة، وغير ذلك من أمور الاعتقاد. كما يعلمهما من الأحكام فرضية الصلوات والزكاة، وحرمة الكذب والزنى والسرقة، وحلّ بعض الأمور كالبيع وغير ذلك من الأمور الظاهرة .
ويجب عليه أن يأمرهما بالصلاة والصيام، وإنما يجب الأمر بعد سبع سنين قمرية أي بعد تمام سبع سنين على الفور إن حصل التمييز وذلك بأن يفهم الخطاب ويرد الجواب. وبعضهم فسّر التمييز بالاستقلال بالأكل والشرب والاستنجاء، ويكون الأمر بعد تعليم أمور الصلاة. ويجب عليه أن يضربهما على تركها بعد عشر سنين كصوم أطاقاه.
إخوةَ الإيمان إن تربيةَ الأولاد من أهم الأمور وأَوْكدِها، فالولدُ أمانة عند والديه، وقلبه جوهرة نفيسة خالية عن كل نقش وهو قابل لكل ما نُقش، ومائلٌ إلى كلِّ ما يُمال به إليه، فإن عُوِّدَ الخيرَ وعُلِّمَهُ نشأ عليه وسعِد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب، وإن عُوِّدَ الشرَّ وأُهمل إهمالَ البهائم شَقِيَ وهلَك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه، وصيانة الأولاد تكون بتأديبهم وتهذيبهم وتعليمهم محاسن الأخلاق وبحفظهم من قرناء السوء، وما أكثرهم هذه الأيام.
ولا يُعوِّد الأولاد التنعمَ ولا يُحبّب إليهم الزينةَ وأسباب الرفاهية فيضيع عمرهم في طلبها إذا كبروا.
وينبغي مقابلتهم من أول أمرهم فلا يستعمل في حضانة الولد وإرضاعه إلا امرأة صالحة متدينة تأكل الحلال، فإن اللبن الحاصل من الحرام لا بركة فيه، فإذا وقع عليه نشؤ الصبي انعجنت طينته من الخبث فيميل طبعه إلى ما يناسب الخبث، ثم يراقب طبعه فإذا كان يحتشم ويستحي من شئ دون شئ ويترك بعض الأفعال فهذه بشارة تدل على اعتدال الأخلاق وصفاء القلب وهو مبشّر بكمال العقل عند البلوغ، فينبغي أن يستعان على تأديبه بحيائه.
وأول ما يغلب على الولد بعد سنتين أو ثلاث سنوات شره الطعام، فينبغي أن يؤدب فيه، مثاله أن لا يأخذ من الطعام إلا بيمينه ، وأن يقول عليه "بسم الله" عند تناوله، وأن يأكل مما يليه، وأن لا يبادر إلى الطعام قبل غيره، وأن لا يُحدق النظر إليه ولا إلى من يأكل، وأن لا يُسرع في الأكل وأن يجيد المضغ، وأن لا يوالي بين اللقم ولا يلِّطخ يده وثوبه، وأن يعود الخبز والماء في بعض الأحيان حتى لا يصير يرى اللحم حتمًا، ويُقبح عنده كثرة الأكل، ويُمدح عنده الصبيُّ المتأدِّب القليل الأكل، ويحبّب إليه قلة المبالاة بالطعام والقناعة بالقليل منه، ويُحبَّب إليه الثياب الأبيض.
ويحفظ عن الصبية الذين عُوِّدوا التنعمَ والرفاهية ولُبس الثياب الفاخرة وعن مخالطة كل من يُسمعه ما يرغبه فيه.
وليعلم أن الصبي الذي يُهمل في ابتداء نشوئه يخرج في الأغلب ردئ الأخلاق كذابًا حسودًا لحوحًا ذا فضولٍ وضحكٍ ومجانةٍ، ويُحفظ عن جميع ذلك بحسن التأديب.
ثم لما يبلغ سن التمييز يُشغل بتعلُّم علم الدين. وأول ما يُعلَّم تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين وما يتبع ذلك من الاعتقادات، ثم أحكام الطهارة والصلاة ويؤمر بها وبالصوم، ثم بعضُ ما يحرم على البطن واللسان واليد والرجل والعين والقلب والبدن ويُخوَّف منها.
ولا يقول ما يقوله بعض الجهلة من الناس (ما يزال صغيرًا لا يعي ما تعطونه إياه).
فهؤلاء يُقال لهم ما قاله الإمام الغزاليُّ في كتابه إحياء علوم الدين بعد أن ذكر مسائل الاعتقاديات: "واعلم أن ما ذكرناه فينبغي أن يقدَّم إلى الصبيِّ في أول نشوئه فيحفظه حفظًا ثم لا يزال ينكشف له معناه في كبره شيئًا فشيئًا" اهـ.
ثم يُعَلَّمُ القرءان وأحاديث الأخيار وحكايات الأبرار وأحوالهم لينغرس في نفسه حب الصالحين. ثم لما يظهر منه الخلق الجميل والفعل المحمود فينبغي أن يُكرم عليه ويُجازى عليه بما يفرح به .
فإن خالف مرة واحدة فينبغي أن يتغافل عنه ولا يهتك ستره ولا سيما إذا ستره الصبي واجتهد في إخفائه فإنَّ إظهار ذلك عليه ربما يفيده جسارةً حتى لا يبالي بالمكاشفة، فعند ذلك إن عاد ثانية فينبغي أن يعاتب ويقال له " إياك أن تعود لمثل هذا "، ولا تُكثر عليه بالعتاب في كل حين فإنه يهون عليه سماع الملامة ويُسقط وقع الكلام في قلبه، وليكن الأب حافظًا هيبة الكلام معه، والأم تخوّفه به.
وينبغي أن يُمْنَعَ عن النوم نهارًا فإنه يُورث الكسل.
ويُمنع الفرش الناعمة واللينة حتى تتصلَّب أعضاؤه ويُعوَّد الخشونة في المفرش والملبس والمطعم. روي أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيُّ الناسِ أفضلُ ؟ قال: "من قلَّ مطعمه ومضحكه".
ويكون له في بعض النهار الحركة والرياضة حتى لا يغلب عليه الكسل. ويعوَّد أن لا يسرع في المشي ولا يفتخر على أقرانه بشىءٍ مما يملكه والده.
ويُعَّلم أن الرفعة في الإعطاء لا في الأخذ، ويُقبَّح إليه حُبَّ الذهب والفضة.
ويعلم كيفية الجلوس بأن لا يضع رِجْلًا على رِجْلٍ ولا يستدبر غيره، ولا يتثائب بحضرة غيره، ويُمنع من كثرة الكلام ويُبيّن له أن ذلك يدلُّ على الوقاحة.
ويُمنع اليمين (أي الحلف) رأسًا صادقًا كان أو كاذبًا حتى لا يعتاد ذلك في الصّغر، ويمنع أن يبتدئ الكلام ولا يتكلَّم إلا جوابًا وبقدر السؤال، ويُحْسِنُ الاستماعَ لمن يتكلَّم معه ممَّن هو أكبر منه. وأن يقوم لمن فوقه ويوسع له المكان.
ويُمنع من لغو الكلام وفُحشه والسبّ ومن مخالطة من يجري على لسانه شئ من ذلك، فإنَّ ذلك يسري غالبًا من قرناء السوء. والأصل في التأديب الحفظ من قرناء السوء، وينبغي إذا ضُرب أن لا يُكثر من الصراخ، وبعد الدرس يُؤذن له باللعب لعبًا قليلًا بحيث لا يتعب في اللعب.
ويُعّلم طاعة والديه ومعلّميه ومؤدّبه وأن الموت يقطع نعيم الدنيا، فالدنيا هي دار ممر لا دار مقر، وأما الآخرة فهي دار المقر، وأنَّ الموت منتظر في كل ساعة، وأنَّ الكيِّس العاقل مَنْ دان نفسه وعمل لما بعد الموت وتزوَّد من الدنيا إلى الآخرة.
فإذا كان النُّشوء صالحًا كان هذا الكلام عند البلوغ واقعًا مؤثرًا ناجعًا يثبت في قلبه كما يثبت النقش في الحجر.
وإن وقع في النشوء بخلاف ذلك حتى أَلِفَ الصبيُّ اللعب والفحش والوقاحة وشره الطعام واللباس والتزيُّن والتفاخر نبا (نفر) قلبه عن قبول الحق نبوة الحائط عن التراب اليابس.
فأوائل الأمور هي التي ينبغي أن تُراعى فإنَّ الصبي بجوهره خَلْقٌ قابل للخير والشر وإنما أبواه يميلان به إلى أحد الجانبين.
وهذا الأمر في الأغلب لا يكون بدون عمل وجهد من الوالدين فلا يتذرع الواحد منا بالانشغال وكثرة الهموم والبلاء والمصائب، لأن تربية الأولاد أحقُّ بأن يُفرَّغ لها الوالدان الجهد والوقت المطلوب.
https://www.islam.ms/ar/?p=594