أهمية اختيار الصديق الصالح. خطبة الجمعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى :
إنَّ الحَمدَ للهِ نَحمدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشْكرُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ ولا ضدَّ ولا نِدَّ لهُ وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أَعْيُنِنَا محمَّدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ وعلى كلّ رسولٍ أرسلَهُ.
أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ، فإني أحِبُّكُمْ في اللهِ وأوصيكُمْ ونَفْسي بتَقوى اللهِ العليّ القديرِ القائِلِ في مُحْكَمِ كتابِهِ: ﴿ الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [سورة الزخرف]. إخوةَ الإسلامِ، يُخْبِرُنا اللهُ تبارَكَ وتَعالى في هذِهِ الآيَةِ أنَّ الذينَ كانوا في هَذِهِ الدُّنْيا أخِلاءَ أحِبَّاءَ يَنْقَلِبونَ في الآخرَةِ أَعْداءً بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إلا المتَّقينَ فَإِنّهُمْ تَبْقى مَوَدَّتُهُمْ بَيْنَهُمْ في الآخِرَةِ. ﴿ الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ ﴾. والمتَّقونَ إِخوَةَ الإيمانِ هُمُ الذينَ يقومونَ بِحُقوقِ اللهِ وحُقوقِ العِبادِ، هُمُ الذينَ أَدَّوا مَا افْتَرَضَ اللهُ عليهِمْ واجْتَنَبُوا ما حَرَّمَ عليهِمْ وعامَلُوا العِبادَ مُعامَلَةً صَحيحَةً مُوافِقَةً لِشَرْعِ اللهِ.
فَكَمْ مِنَ الناسِ اليومَ يختارونَ الصَّديقَ الصَّالِحَ، كَمْ مِنَ الناسِ اليومَ يختارونَ الجَليسَ الصَّالِحَ، كمْ مِنَ الآباءِ اليومَ يخْتارونَ لأولادِهِم الرَّفيقَ الصَّالِحَ، قليلٌ وقليلٌ جِدًا، وما سَبَبُ ذلكَ إلا البُعْدُ عن مَجَالِسِ عِلْمِ الدّينِ، فالمتّقونَ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنّهُمْ يتعاونونَ على ما يُرضي اللهَ تعالى، يَجْتَمِعونَ على طاعةِ اللهِ، الصّديقُ الصّالِحُ هوَ الذي يُرْشِدُكَ إلى طاعَةِ اللهِ، فَبَدَلَ أنْ يَقولَ لَكَ «أيْنَ تُريدُ أنْ تُمْضِيَ السَّهرَةَ اليومَ، في أيِّ مَقهًى أو في أيّ سينَما أوْ على أيَّةِ فضائِيَّةٍ» يَقولُ لَكَ «في أيّ مَجْلِسِ عِلْمٍ سنحضرُ اليومَ بإذنِ اللهِ» لأنَّ علامةَ الفلاحِ في الشخصِ طَلَبُ الازديادِ مِنْ عِلْمِ الدّينِ، فالمتّقونَ يَجْتَمِعونَ على طاعَةِ اللهِ ويَفْتَرِقونَ على طاعَةِ اللهِ، لا يَغُشُّ بَعْضُهُمْ بعْضًا ولا يَخونُ بَعْضُهُمْ بعْضًا، ولا يَدُلُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إلى بِدْعَة ضَلالَةٍ أو فِسْقٍ أو فُجورٍ أو ظُلْم، اجْتَمَعوا على محبَّةِ بَعْضِهِمْ في اللهِ، وهذا هوَ الصّديقُ في المحبَّةِ، ثمَ إِنْ حَصَلَ مِنْ أَحَدٍ مَعصيَةٌ يَنْهاهُ أخوهُ ويَزْجُرُهُ لأنَّهُ يُحِبُّ لَهُ الخَيْرَ، فقدْ قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: « المؤْمِنُ مِرءاةُ أخيهِ المؤْمِنِ ». المؤْمِنُ مِرءاةُ أخيهِ المؤْمِنِ يَنْصَحُهُ حتّى يُصْلِحَ حَالَهُ. المرءاةُ أليْسَتْ تَكْشِفُ ما يكونُ في وجهِ الإنسانِ ممّا لا يُعْجِبُ لِيُزالَ، الرسولُ صلى الله عليه وسلم شَبَّهَ المؤْمِنَ بالمرءاةِ، مَعناهُ يَدُلُّ أَخاهُ لإزالَةِ ما فيهِ مِنَ الأمْرِ القبيحِ، يقولُ لَهُ: اتْرُكْ هذا الفِعْلَ، ولا يَتْرُكُهُ على ما هوَ عليهِ بلْ يُبَيّنُ لَهُ.
فاخْتَرْ أخي المسلِمَ لكَ ولأولادِكَ الصديقَ الصالحَ الذي تَجَمَّلَ بالصفاتِ الحميدةِ، بالمحبَّةِ والتَّناصُحِ، يُحِبُّكَ للهِ ويَنْصَحُكَ للهِ، يُعينُكَ على البِرّ والخَيْرِ الذي يَرْضاهُ اللهُ عزَّ وجلَّ، فَقَدْ قالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الحديثِ القُدسِيّ: « قالَ اللهُ تَعَالى: وَجَبَتْ مَحَبَّتي للْمُتحابّينَ فِيَّ والمتَجالِسينَ فِيَّ والمتَزاوِرِينَ فِيَّ ». وقالَ صلواتُ ربّي وسلامُهُ عليهِ: « المتَحابّونَ في اللهِ يكونونَ يومَ القيامةِ في ظلّ العرشِ يومَ لا ظلَّ إلاّ ظِلُّهُ يَغْبِطُهُمْ بِمَكانِهِمُ النبيونَ والشُّهداءُ ». أيِ الأنبياءُ والشهداءُ يُسرّونَ لِرُؤْيَتِهِمْ في ظلّ العَرْشِ. وقالَ صلى الله عليه وسلم: « إنَّ المتَّقينَ يَتَحابُّونَ بِنورِ اللهِ ». ومعنى « نورِ اللهِ » أيْ مرضاةِ اللهِ، يَتَحابُّونَ لأنَّ طاعةَ اللهِ تَجْمَعُهُمْ مِنْ غَيْرِ أرحامٍ بينهُمْ ولا أَنْسابٍ ولا عَلاقَةٍ مَالِيَّةٍ، هؤلاءِ هُمُ المتحابّونَ في اللهِ الذينَ يَتَعاوَنونَ على البِرّ والتَّقوى ولا يَتَعاوَنونَ على الإثمِ والعُدْوانِ. فإذا رَأيتَ أخي المسلمَ صديقَكَ جاهِلاً بِعِلْمِ الدينِ لم يَتَعَلَّمْ ما افتَرَضَ اللهُ وما حَرَّمَ على عِبادِهِ فليسَ مِن حَقّ الصُّحْبَةِ أنْ تَسْكُتَ مِنْ غيرِ أنْ تُرْشِدَهُ لأنَّ الطريقَ إلى اللهِ مسدودٌ إلا على المقْتَفينَ ءاثارَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ويَتْبَعونَ شَريعَتَهُ ويسْلُكونَ نَهْجَهُ القَويمَ.
وإذا زُرْتَ صديقَكَ أخي المسلمَ أَخْلِصْ في نِيَّتِكَ، وإذا ما بَذَلْتَ صَدَقَةً لِقَريبٍ أو يَتيمٍ أو مَنْكوبٍ فَلْيَكُنْ ذلِكَ ابتغاءَ مَرْضَاةِ اللهِ، ولْيَكُنْ في كلّ مُجْتَمَعٍ تَحْضُرُهُ تحقيقُ مصلحةٍ شرعيةٍ تَكُنْ عندَ اللهِ مِنَ الفائِزينَ. اللّهُمَّ اجْعَلْنا مِنَ المتَحابّينَ فيكَ، ومِنَ الذينَ يَجْتَمِعونَ على طاعَتِكَ، وثَبّتْنا على الإيمانِ وسَدّدْ خُطانا نَحْوَ الخَيْرِ يا أرحمَ الراحمينَ. هذا وأسْتَغْفِرُ الله لي ولَكُم.
الخطبةُ الثانيةُ :
إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، منْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ. والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا محمدِ ابنِ عبدِ اللهِ وعلى ءالِهِ وصَحْبِهِ ومَنْ والاهُ.
أما بعدُ عبادَ اللهِ، فإنّي أوصيكُم ونفسِي بتقوَى اللهِ العليّ العظيمِ، يَقولُ اللهُ تعالى في القرءانِ الكريمِ: ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَانِ وَفْدًا وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا ﴾ [سورة مريم]. المتقونَ يُحشرونَ وُفودًا أيْ أنَّهُمْ وفودُ الرّحمـنِ، واللهُ تعالى شَكورٌ عَليمٌ يعطي الثَّوابَ الكثيرَ على العمَلِ القليلِ، فإذا كانَ الوَفْدُ الذي يَفِدُ إلى الناسِ الكُرَماءِ يلْقى إِكْرامًا مِنَ الذي يَفِدُ إليهِ فكيْفَ الذي هُوَ وَفدُ الرحمـنِ أَكْرَمِ الأَكْرَمينَ.
فَخَافوا اللهَ عبادَ اللهِ، خافوا اللهَ الذي رَفَعَ السَّماءَ بِلا عَمَدٍ وَجَعَلَ الجِبالَ في الأرضِ أَوْتادًا، خَافوا اللهَ الذي خلقَ البِحارَ والأنهارَ وأنْبَتَ الأشْجارَ، خافوا اللهَ الذي أَنْعَمَ علينا بِنِعَمِ السَّمْع والبَصَرِ والكَلامِ واليَدَيْنِ والرّجْلَيْنِ، واسْتَعْمِلوا هَذِهِ الِنّعَمَ فيما يُرضي اللهَ تعالى فقدْ قالَ عليهِ الصّلاةُ والسَّلامُ: « أَكْيَسُ النَاسِ أَكْثَرُهُمُ اسْتِعْدادًا لِلْمَوْتِ ». أيْ أعْقَلُ الناسِ مَنْ كانَ يَسْتَعِدُّ لِمَا يَنْفَعُهُ بعدَ الموتِ لأنَّ الدُّنيا دارُ مُرورٍ والآخِرَةَ دارُ القرارِ الذي لا نِهايةَ لَهُ. مَعْشَرَ المؤمنينَ، قدْ عَمَّتِ البَلْوى وانْتَشَرَ الفُحْشُ وقَلَّتِ التَّقْوى في القلوبِ، فَكَثيرٌ مِنَ الناسِ لا يَتَوَرَّعونَ عنِ الغَوْصِ في المعاصي، فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ وتَمَسَّكوا بِدينِكُمْ دينِ الإسلامِ العظيمِ، تَمَسَّكوا بِشَرْعِ نَبِيّكُمْ صلى الله عليه وسلم، واحْمَدوا اللهَ الذي جَعَلَكُمْ على الإسْلامِ، واسْأَلوا اللهَ الوفاةَ على كامِلِ الإيمانِ. يَقولُ اللهُ تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [سورة البقرة]. فَلْنَعْمَلْ في هذِهِ الدُّنْيا قبْلَ أنْ يَأتِي يَوْمٌ لا يَنْفَعُ فيهِ النَّدَمُ. واللهَ نَسْأَلُ أنْ يُحَسّنَ أَحْوالَنا ويُحْسنَ خِتامَنا ويُجيرَنا مِنْ نارِ جَهَنَّمَ إِنَّهُ على كلِّ شَىءٍ قَدير.
واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ اللّهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم، وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾، اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ، واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ، واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.
https://www.islam.ms/ar/?p=113