الأنبياء أجمل وأفضل المخلوقات. خطبة الجمعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى :
إنَّ الحَمدَ لله نحمدُهُ ونستعينهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ الله فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا الله وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ، ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرَّةَ أعينِنَا محمّدًا عبدهُ ورسولهُ وصفيُّه وحبيبُه صلّى الله وسلَّمَ عليهِ وعلى كلّ رسولٍ أرسلَهُ.
أمّا بعدُ عبادَ الله، فإنّي أوصيكُم ونفسي بتقوى الله العلِيّ العظيمِ القائلِ في محكَمِ كتابِهِ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [سورة ءال عمران]، ويقولُ تَعالى في كِتابِهِ العَزِيزِ: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [سورة البقرة] الآية. قَديمًا كانَ البشرُ جميعُهُمْ على دينِ الإسلامِ، في زمَنِ نَبِيّ الله ءادمَ كانوا كلّهُمْ على الإِسلامِ لمْ يَكُنْ بَينهُمْ كافرٌ، وإنَّما حدَثَ الشّرْكُ والكفرُ بالله تعالى بعدَ النّبيّ إدريسَ عليهِ السّلامُ، وحَفِظَ الله تعالى أنبياءَهُ أحبابَهُ مِنَ الشّركِ وحَذَّرَ أُمَمَهُمْ مِنَ الشّركِ. يقولُ الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [سورة الزمر]. يعني الرُّسُل الذينَ جَاءوا بَعْدَ إِدْريسَ ﴿لَئِنْ أَشْرَكْت﴾ أيْ لَئِنْ أَشْرَكَ واحِدٌ مِنْ أُمَّتِكَ. ﴿لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ أَيْ عَمَلُهُ ﴿وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ يعني الذي أشرَكَ يكونُ منَ الخاسِرينَ. فهذا التحذيرُ لأمَمِ الأنبياءِ وليسَ للأنبِياءِ، فالأنبياءُ إخوةَ الإيمانِ هم صَفوَةُ الخَلْقِ، الله تعالى فضّلَهُمْ على العالمينَ وحَفِظَهُمْ منَ الكفرِ والكبائرِ وصغائرِ الخسّةِ قبلَ النبوّةِ وبعدَها. فاحذروا إخوةَ الإيمانِ مما يُفْتَرَى على أنبياءِ الله.
ومِنْ جُمْلَةِ الافتراءاتِ قول البعض إن سيّدَنا داودَ عليهِ السَّلامُ أرسَلَ قائدَ جيشِهِ إلى معركةٍ ليموتَ فيها ليتزوَّجَ داودُ امرأة هذا القائد، فهذا فاسدٌ مُفْتَرًى لا يليقُ بنبيّ منْ أنبياءِ الله.
والله تعالى صانَ الأنبياءَ منَ المنَفّراتِ كأن تكون أسماؤهم منَ الأسماءِ القبيحةِ الشنيعةِ، الله تعالى عَصَمَ الأنبياءَ منْ أنْ تكونَ أسماؤهُمْ خبيثةً أوْ مشتقَّةً مِنْ خبيثٍ أوْ يُشْتَقُّ منها خبيثٌ. فلا يجوزُ أنْ يقالَ إنَّ فعلَ اللّواطِ مُشتَقٌّ مِنِ اسمِ نبيّ الله لوطٍ، فلَفْظُ اللواطِ كانَ قبلَ قومِ لوطٍ وإنما قومُ لوطٍ همْ أوّلُ منْ فَعَلَ تلكَ الفِعْلَةَ الشنيعة من بين البشر، أمّا اللفظُ كانَ موضوعًا بينَ المتكلمينَ باللغةِ العربيةِ قبلَ لوطٍ وهمْ قومُ عادٍ. ولقدْ كانَ قومُ لوطٍ منْ قساوةِ قلوبهِمْ وفسادِ أخلاقهِمْ يتَجاهَرونَ بِفِعْلِ فاحشةِ اللواطِ ولا يستَتِرونَ ولا يستَحيُونَ، وبعثَ الله تعالى نبيَّهُ لوطًا إليهِم ودعاهُم إلى دينِ الإسلامِ وعبادةِ الله وحدَهُ ونَهاهُمْ عنْ تعاطي المحرماتِ والمنكراتِ وتلكَ الأفاعيلِ المسْتَقْبَحَةِ. ولكنّهمْ استمرّوا على كفرِهِمْ وإشراكهِمْ وتمادَوْا في ضلالهِمْ وطغيانهِمْ وفي المجاهرةِ بفعلِ اللواطِ. فسألَ لوطٌ عليهِ السَّلامُ ربَّهُ النُّصرةَ عليهِم. قالَ تعالى حكايةً عنْ نبيِّهِ لوطٍ: ﴿ قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [سورة العنكبوت]. فأرْسَلَ الله عزَّ وجلَّ إلى قومِ لوطٍ ملائكةً كرامًا لإهلاكِهِمْ وهمْ جبريلُ وميكائيلُ وإسرافيلُ ليقلبوا قُراهُمْ عالِيَها سافِلَها ويُنْزِلوا العذابَ بهِم. وجاءوا إلى سيّدِنا لوطٍ عليهِ السَّلامُ بِصُوَرِ شبَّانٍ جميلي الصّورةِ اختبارًا مِنَ الله لقومِ لوطٍ وإقامَةً للحُجَّةِ عليهِم، ولم يُخْبِروا لوطًا في البِدايةِ بِحَقيقَتِهِم، فظَنَّ نبيُّ الله لوطٌ أنّهُمْ ضيوفٌ جاءوا يَسْتَضيفونَهُ ولكنَّه أشْفَقَ عليهِم وخافَ مِنْ قومِهِ أنْ يعْتَدوا عليهِم، وحصل أن خَرَجَتِ امرَأَتُهُ وكانتْ كافرةً خبيثةً تتبعُ هوى قومِها فأخْبَرَتْ قومَها وقالتْ لَهُمْ إنَّ في بيتِ لوطٍ رجالاً، ما رأيت مثْلَ وجوهِهِمْ قَطُّ. وما أنْ سَمِعَ قومُ لوطٍ الخبَرَ حتى أقبَلوا مسرعينَ إلى بيتِهِ عليهِ السَّلامُ يريدونَ الاعتداءَ على ضيوفِهِ وكانَ قدْ أغلقَ بابَهُ والملائكةُ معَهُ في الدارِ، وأخَذَ يناظِرُ ويحاوِرُ قَومَهُ منْ وراءِ البابِ وهم يعالِجونَ البابَ ليَفتَحوهُ، فلمّا رأى الملائكةُ ما يلقى نبيُّ الله لوطٌ عليهِ السلامُ من كَرْبٍ شديدٍ أخبروهُ بِحَقيقَتِهِم وأنَّهُم ليسوا بَشَرًا وإنَّما هُم ملائكةٌ ورُسُلٌ من الله، قدِموا وجاءوا لإهلاكِ هذهِ القريةِ بأمْرٍ مِنَ الله ؛ لأنَّ أهلَها كانوا ظالمينَ بِكفرِهِم وفسادِهِم. واستأذَنَ جبريلُ عليهِ السلامُ ربَّهُ في عقوبَتِهِم فَأَذِنَ لَهُ، فخَرَجَ عليهِ السلامُ إليهم وضَرَبَ وجوهَهُمْ بطَرَفِ جناحِهِ فطُمِسَتْ أَعيُنُهُم، فانصَرَفوا يتَحَسَّسونَ الحيطانَ ويَتَوعَّدونَ ويهدّدونَ نبيَّ الله لوطًا. عندَ ذلكَ سألَ نبيُّ الله لوطٌ الملائكةَ متى موعِدُ هلاكِهِم ؟ قالوا: الصُّبْحُ. فقالَ: لو أهلَكْتُموهُمُ الآنَ، فقالوا لهُ: أليسَ الصُّبحُ بقريبٍ ؟ وأصاب قومَ لوطٍ منْ أمرِ الله ما لا يُرَدُّ منَ العذابِ الشديدِ، يقولُ الله عزَّ وجلَّ: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ ﴾ [سورة هود]، أَدخَلَ جبريلُ عليهِ السَّلامُ ريشَةً واحدةً من أجْنِحَتِهِ في قُراهُم ومُدُنِهِمْ وكانت أَربعَةً أو خمسةً واقْتَلَعَهُنَّ مِنْ أَصْلِهِنَّ بِمَنْ فيهِنَّ مِن قومِ لوطٍ الكافرينَ فَرَفَعَ الجميعَ حتّى بَلَغَ بِهنَّ عَنانَ السماءِ حتى سَمِعَ الملائكةُ الذينَ في السماءِ الأولى أصْواتَ ديَكَتِهِمْ ونُباحَ كِلابِهِمْ ثمَّ قَلَبَها عليهِمْ فَجَعَلَ عالِيَها سافِلَها، رَدَّها مَقلوبَةً بِمشيئَةِ الله وقدرَتِهِ. أمّا لوطٌ عليهِ السلامُ فقد خَرَجَ ليلاً قبلَ طلوعِ الشمسِ، وامرأَتُهُ الكافرةُ قد هَلَكَتْ مَعَ الهالكينَ.
اللهمَّ إنّا نسأَلُكَ العفْوَ والعافِيَةَ في الدُّنيا والآخرةِ. هذا وأسْتَغْفِرُ الله لي ولَكُم.
الخطبةُ الثانيةُ :
إنَّ الحَمدَ لله نحمدُهُ ونستعينهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ الله فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هاديَ لهُ ، والصلاةُ والسَّلامُ على رسولِ الله محمَّدٍ وعلى كلّ رسولٍ أرسلَهُ. أمّا بعدُ عبادَ الله، فإني أوصيكُمْ ونفسي بتقوَى الله العليّ العظيمِ وبالتَّمَسُّكِ بِما جاءَ في كتابِهِ الكريمِ. يقولُ ربُّنا تبارَكَ وتعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [سورة ءال عمران]. فَكُلُّ واحدٍ منّا لا بدَّ أنْ يرْحَلَ عنْ هذِهِ الدُّنْيا، الكَبيرُ والصَّغيرُ والغنيُّ والفقيرُ والظالِمُ والمظلومُ، في الدُّنْيا قَدْ تُؤَجِّلُ مَوْعِدَ سَفَرٍ أو رِحْلَةٍ أو امتحانٍ أو غيرَ ذلكَ، أما الموتُ فلا إلغاءَ فيهِ ولا تأجيلَ. فالْحَذَرَ الحَذَرَ إِخوةَ الإيمانِ مِنْ قَوْلِ بعضِ النَّاسِ: «ينساك الموت» فهذا اللَّفظُ مَنْ فَهِمَ مِنْهُ عَدَمَ الموتِ يَكْفُرُ والعياذُ بالله تعالى لأنَّهُ كذَّبَ قوله تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾. فلا تَتَكَلّمْ أخي المسلمَ إلا بِما يوافقُ كتابَ الله تعالى وأَعْرِضْ عَنْ كلّ كَلامٍ مؤَدّاهُ تَكذيبٌ لِكِتابِ الله، مؤدّاهُ تكذيبٌ لِشَرْعِ الله فإنَّ هذا هلاكٌ وضلالٌ والعياذُ بالله. اللهُمَّ احفَظْ عليْنا دينَنَا الذي جَعَلْتَهُ عِصْمَةَ أَمرِنا يا ربَّ العالمينَ.
واعلَموا أنَّ الله أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ اللّهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم، وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ، إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾، اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ.عبادَ الله إنَّ الله يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون.اذكُروا الله العظيمَ يذكرْكُمْ، واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ، واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ . هذا وأسْتَغْفِرُ الله لي ولَكُم.
https://www.islam.ms/ar/?p=23