أحكام الصّيامِ. شهر رمضان: شرائط وجوب، مفسدات الصيام، مستحبات، قضاء الصيام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد ، فإن صيام شهر رمضان المبارك عبادة عظيمة خصها الله بخصائص منها ما ورد في الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري ، قال الله تعالى : « كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ».
عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: « الله أكبر اللهم أهِلّه علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما يحب ربنا ويرضى، ربنا وربك الله » رواه الدارمي.
عن عبد الله بن أبي مليكة قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن للصائم عند فطره دعوة: اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شىء أن تغفر لي ذنوبي » رواه الحاكم في المستدرك.
يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {١٨٣} أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {١٨٤}﴾ [سورة البقرة]. فـُرض صيام رمضان في السنة الثانية للهجر وقد صام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسع سنوات توفي بعدها.
وصيام رمضان وجوبه معلوم من الدين بالضرورة ، فمن جحد فرضيته فهو كافر إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ في بادية بعيدة عن العلماء (أنظر: كَيْفَ يُحَافِظُ المُسْلِمُ عَلَى إيـمَانِهِ: إجْتِناب الوُقوع في الرّدّةِ والكُفْرِ)، أما من أفطر في رمضان لغير عذر شرعي وهو يعتقد وجوبه عليه فلا يكفر بل يكون عاصيا وعليه قضاء الأيام التي أفطر فيها.
والصيام لغة الإمساك وشرعا الإمساك عن المفطـّرات من أكل وشرب وغيرهما من الفجر حتى المغرب مع النية المبيتة بالقلب.
والأصل في وجوب صيام رمضان قبل الإجماع آية : ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ﴾ وقوله صلّى الله عليه وسلم : « بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان » رواه البخاري ومسلم .
ويجب مراقبة هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان لأنه يجب صيامه بأحد أمرين :
1- إكمال شعبان ثلاثين يوما .
2- رؤية هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان .
لقوله صلّى الله عليه وسلّم : « صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما » رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن وغيرهم .
فمن رأى هلال رمضان صام ومن لم يره وأخبره مسلم ثقة عدل حرّ غير كاذب وجب عليه الصيام ، فقد روى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: « أخبرت النبيّ صلّى الله عليه وسلم إني رأيت الهلال فصام وأمر الناس بالصوم ». صححه ابن حبان.
ويجوز لمن أخبره صبيّ أو فاسق أو امرأة أو عبد برؤية الهلال الصوم إن وثق به ، وإلا أكمل عدة شعبان ثلاثين يوما. فإذا أثبت القاضي الصوم وجب الصيام على أهل بلد الإثبات وسائر أهل البلاد القريبة من بلد الرؤية باتحاد المطالع أي الشروق والغروب لا من خالف مَطلَعُهُمْ مطلعَها وذلك عند الشافعي. أما عند أبي حنيفة فيجب الصيام على أهل كل بلد علموا ثبوت الصيام في بلد ما مهما بعدت تلك البلاد عن البلد الذي ثبتت فيه الرؤية فيجب عنده على أهل المغرب الأقصى إذا علموا بثبوت الصيام في المشرق وكذلك العكس.
وفرائض الصيام إثنان : النية والإمساك عن المفطرات.
1- النية: ومحلها القلب فلا يشترط النطق بها باللسان ويجب تبييتها أي إيقاعها ليلا قبل الفجر لكل يوم من رمضان بالقلب ولو قضاء، فإذا غربت الشمس على الصائم فنوى قبل أن يتعاطى مفطرا صوم اليوم التالي عن رمضان ثم لم يـُعـِد هذه النية بعد الأكل كفته . ويجب أيضا تعيين الصوم في النية كتعيين أنه من رمضان أو أنه عن نذر أو أنه عن كفارة وإن لم يبين سببها . ثم أنه يجب أن ينوي لكل يوم فلا يكفي أن ينوي أول الشهر عن الشهر كله عند الشافعي.
قال العلماء : كمال النية في رمضان : « نويت صوم غدٍ عن أداء فرض رمضان هذه السنة إيمانا واحتسابا لله تعالى ». والاحتساب طلب الأجر. وقال بعضٌ يكفي أن ينوي في ليلة الأول منه عن جميع أيام رمضان فيقول بقلبه: « نويت صوم الشهر عن أداء فرض رمضان هذه السنة ».
وعلى الحائض والنفساء إذا انقطع الدم ليلة الصيام أن تنوي صيام اليوم التالي من رمضان وإن لم تغتسل، ولا يضر الأكل والنوم والجماع بعد النية وقبل طلوع الفجر. ومن نام ليلا ولم ينو الصيام حتى استيقظ بعد الفجر وجب عليه الإمساك عن المفطرات وعليه قضاء هذا اليوم ، أما صوم النفل فلا يشترط في نيته التبييت فلو استيقظ بعد الفجر ولم يأكل شيئا ولم يشرب ونوى صيام هذا اليوم قبل الزوال تطوعا لله تعالى صح صيامه.
2- الإمساك عن المفطرات: يجب الإمساك عن :
أ- الأكل والشرب وعن إدخال كل ما له حجم ولو صغير إلى الرأس أو البطن ونحوهما من منفذ مفتوح كالفم والأنف (ولو كان ذلك أجزاء صغيرة كدخان السيجارة) والقبل والدبر من الفجر إلى المغرب.
ومن أكل أو شرب ناسيا ولو كثيرا لم يفطر ولو في صيام النفل ففي الحديث الصحيح: « من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه » رواه البخاري.
ب- والاستقاءة أي إخراج القيء بالإصبع ونحوه وإن لم يرجع منه شيء إلى الجوف وأما من غلبه القيء ولم يبلع منه شيئا فلا يفطر ولكن يطهر فمه قبل أن يبلع ريقه، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « من ذرعه القيء (أي غلبه) وهو صائم فليس عليه قضاء ومن استقاء فليقض » رواه الحاكم والأربعة.
ج- والجماع وإخراج المني بالاستمناء أو المباشرة فإنه مفطر أما خروجه بالنظر ولو كان محرما وبالفكر فهو غير مفطر.
https://www.islam.ms/ar/?p=327