بيان أحكام الربا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربِّ العالمين لهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَن صَلَوَاتُ اللهِ البَرِّ الرَّحيم والملائِكَةِ الْمُقرَّبينَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أشْرَفِ الـمُرسَلِين وحَبِيبِ رَبِّ العَالمين وعلى جميعِ إخوانِهِ مِنَ النَّبِيينَ والـمُرسَلِين وَءَالِ كُلٍّ والصَّالِحين وسلامُ اللهِ عليهم أجمعين
قال المؤلف رحمه الله (يحرمُ الرِّبا فعلُهُ وأكلُهُ وأخذُهُ وكتابتُهُ وشهادتُهُ
وهوَ بيعُ أحدِ النقدينِ بالآخرِ نسيئةً أو بغير تقابضٍ أو بجنسِهِ كذلك أي نسيئةً أو افتراقًا بغيرِ تقابضٍ أو متفاضلاً أي معَ زيادةٍ في أحدِ الجانبينِ على الآخرِ بالوَزْنِ. والمطعوماتُ بعضُها ببعضٍ كذلكَ أي لا يَحِلُّ بيعُها معَ اختلافِ الجنسِ كالقمحِ مع الشعيرِ إلا بشرطينِ انتفاءِ الأجلِ وانتفاء الافتراقِ قبلَ التقابضِ ، ومعَ اتحادِ الجنس يشترطُ هذانِ الشرطانِ معَ التماثلِ.
الرِّبا هو عقدٌ يشتمل على عوض مخصوص غيرِ معلومِ التماثلِ في المعيار الشرعي حالة العقد أو مع تأخير في العوضين أو أحدهما. هذا الربا لم يكن معروفًا مشهورًا بين العرب في الجاهلية قبل نـزول ءاية التحريم وإنما الربا الذي كان مشهورًا عندهم هو ربا القرض (وهو حرام أيضًا كما تقدم) وهو أن يكون للرجل على الرجل دين إلى أجل ثم إذا حلّ الأجل يقول صاحب الدين للمدين إما أن تدفع وإما أن أزيد عليك، قال بعض الحنفيّة هذا أوّل ما نـزل تحريمه من الربا.
وينقسم ذلك العقد إلى ثلاثة أنواع أحدها ربا الفضل وهو بيع أحد العوضين الربويين وهما متفقا الجنس بالآخر زائدًا عليه كبيع دينار بدينارين أو درهم بدرهمين أو صاع قمح بصاعي قمح. والثاني ربا اليد وهو بيع أحد العوضين الربويين بالآخر مع تأخير قبضهما أو قبض أحدهما بأن يفترق المتبايعان قبل القبض بشرط اتفاق العوضين في علّة الربا بأن يكون كل منهما مطعومًا أي مقصودًا للأكل غالبًا تقوّتًا (كالبر) أو تأدُّمًا (وفي لسان العرب والإدام معروف ما يؤتَدَمُ به مع الخبز اﻫ) أو تفكُّهًا (كالتين) أو تداويًا (كالملح والزعفران) أو غيرَها وذلك كالبُرِّ بالشعير والملح بالزعفران والتمر بالزبيب والتفاح بالتّين، أو أن يكونَ كل منهما نقدًا وإن اختلف الجنس كالذهب بالفضّة والعكس.
والثالث ربا النَّساء بفتح النون أي التأجيل وهو البيع للمطعومين أو للنقدين المتّفقي الجنس أو المُخْتلفَيْهِ أحدِهما بالآخر لأجَلٍ ولو كان الأجل قصيرًا جدًّا كلحظة أو دقيقة أي أن يُشْرَطَ ذلك لفظًا بأن يقول أحدهما بعتك هذا الدينارَ بهذا الدينارِ أو هذا الدينارَ بهذه الدراهمِ أو هذا القمحَ بهذا القمحِ أو هذا القمح بهذا الشعير ويزيدَ في كلٍّ من ذلك شرط الأجل كأن يقول على أن تسلمنيه غدًا أو في ساعة كذا أو لساعة كذا أو في الدقيقة السادسة من الآن أو نحو ذلك فهذا ربا محرم. ولا يحصل الأجل بدون الذِّكر. وإنما كان الرِّبا خاصًّا بالنقد دون الفلوس مثلاً من بين الأثمان لأن النقد هو المذكور في حديث الرِّبا الذي فيه قوله صلى الله عليه وسلم « الذهب بالذهب ربا إِلا مثلاً بمثل والفضّة بالفضّة ربا إلا مثلاً بمثل » (في صحيح البخاري باب بيع الشعير بالشعير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء ») ولأن النقد أي الذهب والفضة مَرْجِعُ الأثمان.
وأما ربا القرضِ فهو كل قرض شُرط فيه جرّ منفعة للمقرض سواء كان الشرط جر منفعة له وحده أو له وللمقترض سواء كانت المنفعة زيادةً أو غيرَ زيادةٍ الذي هو بالزيادة هو الربا الذي بالبنوك ونحوها مما يشترط فيه الزيادة.
أمّا الربا الذي بغير الزيادة في قدر الدين فهو مثل ما يفعله بعض الناس من أنّ أحدهم يقرض شخصًا مالاً إلى أجل ويشترط عليه أن يسكنه بيته مجانًا أو بأجرة مخفّفة إلى أن يؤدِّيَ الدين ويسمونه في بعض البلاد استرهانًا وقد مرَّ ذكره وهو حرام بالإجماع اتّفق على تحريمه المجتهدون الأئمة الأربعة وغيرهم.
ومن الربا ما يفعله بعض الناس من أنّهم يبيعون الشىء بأقساط مؤجلة إلى ءاجالٍ معلومة مع شرط أنّه إن أخّر شيئًا من هذه الأقساط يضاف عليه كذا من الزيادة، ولولا هذا الشرط لكان بيعًا جائزًا مهما حصل من الربح بسبب التقسيط مما هو زائد على ثمن النقد فأصل بيع التقسيط جائز إذا افترقا على البيان أي بيان أنّه يريد بيع النسيئة لا النقد أو النقد لا النسيئة، وأما إذا تفرّقا قبل البيان ثم أَخَذَ الشىءَ فهو حرام وذلك كأن يقول البائع للمشتري بعتكه بكذا نقدًا أو بكذا نسيئةً فيقول المشتري قبلت من غير أن يبيِّن أنه اختار النقد أو النسيئة فيأخذ المبيع من غير بيان وهو المراد بما ورد النهي عنه من بَيعتين في بَيْعة.
قال الخطابي في معالم السنن عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا» قال الشيخ رحمه الله لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال بظاهر هذا الحديث أو صحح البيع بأوكس الثمنين إلا شىء يحكى عن الأوزاعي وهو مذهب فاسد وذلك لما تتضمنه هذه العقدة من الغرر والجهل وإنما المشهور من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيعتين في بيعة. حدثنا الأصم قال حدثنا الربيع قال حدثنا الشافعي قال حدثنا الداوردي عن محمد بن عمرو على الوجه الذي ذكره أبو داود فيشبه أن يكون ذلك في مكرمة في شىء بعينه كأن أسلفه دينارًا في قفيزين إلى شهر فلما حلّ الأجل وطالبه بالبر قال له بعني القفيز الذي لك عليّ بقفيزين إلى شهر فهذا بيع ثانٍ قد دخل على البيع الأول فصار بيعتين في بيعة فيردان إلى أوكسهما وهو الأصل فإن تبايعا المبيع الثاني قبل أن يتناقضا الأول كانا مُرْبِيَيْن أي وقعا في الربا. وتفسير ما نهي عنه من بيعتين في بيعة على وجهين أحدهما أن يقول بعتك هذا الثوب نقدًا بعشرة ونسيئة بخمسة عشر فهذا لا يجوز لأنه لا يُدرى أيهما الثمن الذي يختاره منهما فيقع به العقد وإذا جهل الثمن بطل البيع والوجه الآخر أن يقول بعتك هذا العبد بعشرين دينارًا على أن تبيعني جاريتك بعشرة دنانير فهذا أيضًا فاسد لأنه جعل ثمن العبد عشرين دينارًا وشرط عليه أن يبيعه جاريته بعشرة دنانير وذلك لا يلزمه وإذا لم يلزمه سقط بعض الثمن وإذا سقط بعضه صار الباقي مجهولاً اﻫ
https://www.islam.ms/ar/?p=220