تفسير سورة البقرة آية 86 - 87
أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ
86 - أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ اخْتَارُوهَا عَلَى الْآخِرَةِ اخْتِيَارَ الْمُشْتَرِي فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ وَلَا يَنْصُرُهُمْ أَحَدٌ بِالدَّفْعِ عَنْهُمْ.
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ
87 - وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ التَّوْرَاةَ، آتَاهُ جُمْلَةً [وفي نسخة آتاه إياه]، وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ يُقَالُ: قَفَّاهُ: إِذَا اتَّبَعَهُ مِنَ الْقَفَا، نَحْوُ: ذَنَبُهُ مِنَ الذَّنَبِ، وَقَفَّاهُ بِهِ: إِذَا أَتْبَعَهُ إِيَّاهُ يَعْنِي: وَأَرْسَلْنَا عَلَى أَثَرِهِ الْكَثِيرَ مِنَ الرُّسُلِ. وَهُمْ يُوشَعُ، وَشَمْوِيلُ [وإشمويل]، وَشَمْعُونَ، وَدَاوُدُ، وَسُلَيْمَانُ، وَشِعْيَاءُ، وَأَرْمِيَاءُ، وَعُزَيْرٌ [هو ولي صالح وليس نبيا]، وَحَزْقِيلُ، وَإِلْيَاسُ، وَالْيَسَعَ، وَيُونُسُ، وَزَكَرِيَّا، وَيَحْيَى، وَغَيْرُهُمْ.
وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ هِيَ بِمَعْنَى: الْخَادِمِ، وَوَزْنُ مَرْيَمَ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ مَفْعَلٌ لِأَنَّ فَعْيَلًا لَمْ يَثْبُتْ فِي الْأَبْنِيَةِ. الْبَيِّنَاتُ: الْمُعْجِزَاتُ الْوَاضِحَاتُ كَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْرَاءِ الْأَكَمَهِ وَالْأَبْرَصِ، وَالْإِخْبَارِ بِالْمُغَيَّبَاتِ، وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَيِ: الطَّهَارَةِ، وَبِالسُّكُونِ حَيْثُ كَانَ: مَكِّيٌّ [ابن كثير]، أَيْ: بِالرُّوحِ الْمُقَدَّسَةِ، كَمَا يُقَالُ: حَاتِمُ الْجُودِ. وَوَصَفَهَا بِالْقُدُسِ لِلِاخْتِصَاصِ وَالتَّقْرِيبِ، أَوْ بِجِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِمَا فِيهِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ رَفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ حِينَ قَصَدَ الْيَهُودُ قَتْلَهُ، أَوْ بِالْإِنْجِيلِ كَمَا قَالَ فِي الْقُرْآنِ: رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [الشُّورَى: 52]، أَوْ بِاسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى بِذِكْرِهِ.
أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى تُحِبُّ أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ تَعَظَّمْتُمْ عَنْ قَبُولِهِ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ كَعِيسَى، وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ كَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. وَلَمْ يَقُلْ: قَتَلْتُمْ لِوِفَاقِ الْفَوَاصِلِ [نهاية الآيات]، أَوْ لِأَنَّ الْمُرَادَ: وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَهُ بَعْدُ ؛ لِأَنَّكُمْ تَحُومُونَ حَوْلَ قَتْلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا أَنِّي أَعْصِمُهُ مِنْكُمْ، وَلِذَلِكَ سَحَرْتُمُوهُ، وَسَمَمْتُمْ لَهُ الشَّاةَ، وَالْمَعْنَى: وَلَقَدْ آتَيْنَا يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْبِيَاءَكُمْ مَا آتَيْنَاهُمْ، فَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ بِالْحَقِّ اسْتَكْبَرْتُمْ عَنِ الْإِيمَانِ بِهِ، فَوَسَّطَ بَيْنَ الْفَاءِ وَمَا تَعَلَّقَتْ بِهِ هَمْزَةُ التَّوْبِيخِ، وَالتَّعَجُّبُ مِنْ شَأْنِهِمْ.
(ولا يَجُوز أن يُعتَقَد أنّ الرّسولَ أثّرَ فيهِ السّحْرُ وإن كانَ قَالَه مَن قَالَه. ومَنْ قَالَ النّبيُّ أثَّرَ فيهِ السِّحْرُ بحَيثُ صَارَ يتَخَيَّلُ أشيَاءَ لم تَحصُلْ لهُ فإنْ كانَ يَعني بهذا الكَلامِ أنّهُ يَحصُلُ لهُ مَا يَضُرُّ في الدّينِ مِما يَدُلُّ على ضَعْفِ العَقْلِ كَفَرَ)
(مَن أرَادَ أنْ يتَحَصَّنَ مِنَ السِّحْر قَبلَ وقُوعِه يُلازِمُ قِراءَةَ سُورَةِ الإخلاصِ والمعَوّذَتَينِ صَبَاحًا ومَسَاءً ثَلاثًا ثَلاثًا، فمَنْ ثَبَت على ذلكَ لا يؤثّرُ فيهِ السّحْرُ مَهمَا عَمِلُوا لهُ، وكَم مِن مَرَضٍ يُذهِبُهُ اللهُ تَعالى بهَذِه السُّوَر)
https://www.islam.ms/ar/?p=964